في دبي متحف شخصي فريد للسلطان فضل بن هرهرة

سمعت كثيراً عن هذا المتحف الشخصي ممن تسنى لهم زيارته, لكن القول المأثور "أن تشاهد مرة خير من أن تسمع ألف مرة" تبادر إلى ذهني وأنا اتجول بين محتويات متحف السلطان فضل بن محمد هرهرة في إمارة دبي ..وهو متحف متميز وفريد وأصبح مقصدا للزوار ممن سمعوا عنه كثيرا, كما هو حال العبد لله, ولكثرة ما سمعت عنه حرصت أن يكون ضمن برنامج زيارتي الخاصة للإمارات العربية المتحدة والتعرف عليه وعلى صاحبه, الرجل المثقف والنبيل, سليل المجد الأثيل لسلاطين يافع من آل هرهرة, الذي أتواصل معه منذ سنوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي, بدافع من الاهتمامات المشتركة في التراث والشأن الثقافي.
قادني دليل رحلتي الشيخ قاسم صالح البكري وبرفقتنا الشاب المهتم بالتوثيق محمد حسين العاقل بن دينيش والصديق سالم عبدالرحمن إلى وجهتنا في إمارة دبي المدهشة بمظاهر التطور المذهل, واتجه بنا مباشرة صوب وجهتنا.
دلفنا بوابة منزل السلطان فضل بن هرهرة الذي يقع في حي هادئ من أحياء دبي بعيداً عن صخب وضوضاء الأسواق، فاستقبلنا نجله محمد وهو شاب رياضي خلوق, مفتول العضلات, كما بدا لنا من هيئته أنه يمارس رياضة كمال الاجسام, وهذا ما عرفناه عنه وتشير إليه صوره بهيئته الرياضية والشهادات التقديرية التي تزين جدار غرفة الاستقبال, فهو بطل أبطال أمانة العاصمة حيث حصل على المركز الأول في وزن 75كجم في بطولة بناء الأجسام لأندية الأمانة عام 2013م وأسهم في تطوير لعبة بناء الأجسام والارتقاء بها إلى منصات التتويج, وعُرف عنه حبه للشباب وتشجيعه للرياضيين وانجاح الأنشطة الرياضية في بناء الأجسام.
في غرفة الاستقبال استقبلنا السلطان فضل بكل ترحاب وظننت أنها متحفه المقصود لما تزخر به من وثائق وصور وعملات وطوابع بريد تخص سلطنات وإمارات الجنوب العربي بلادنا وبلدان مختلفة ونسخ نادرة من القرآن الكريم ومعروضات وصور تاريخية متنوعة تحيط بنا من كل مان, وبعد الترحيب وشرب القهوة أخذ يستعرض لنا وثائق تاريخية ومراسلات خاصة بالسطنة الهرهرية, وسمح لنا بتصوير بعض الوثائق للاستفادة منها, واطلعنا على ألبومات للطوابع البريدية وكذلك نماذج العملات الورقية ومسمياتها والأروع من ذلك نسخ القرآن الكريم المخطوطة باليد بحجمها الكبير وجمال وروعة الخطوط. بعد ذلك استضافنا على وجبة (بيتزا) لذيذة حتى لا نشعر بالجوع ونحن نتجول بالمتحف.
ثم فتح لنا باب متحفه, بعد أن فتح لنا قلبه وأغدق علينا بكرمه ومشاعره الطيبة, وما أن ولجنا صالة المتحف حتى تنفسنا عبق التاريخ وعشنا في أجوائه وبين جنباته, وأخذنا نستمتع بحديثه وهو يشرح تفاصيل كل قطعة جمعها, خاصة النادر منها, ويروي مصدرها وتاريخها التقريبي. وشعرت بدهشة كبيرة أمام ما رأيت, وتساءلت كيف تمكَّن شخص لوحده أن يحشد هذا الكم الكبير من الآثار والتحف والتماثيل الأثريةونماذج من الأدوات المنزلية وأدوات العمل والعملات النقدية المسكوكة في عهود مختلفة منها ما يخص الدولة الرسولية وكذلك العملات السابقة لبلادنا شمالاً وجنوباً بكل جزئياتها, وكذا أدوات الزينة وغيرها الكثير مما لا يخطر على البال من نماذج نادرة, ولم استغرب حينما عرفت منه أنه جمع محتوياته على مدى سنوات طويلة من اقطار وحضارات وعصور مختلفة, يعود بعضها إلى العصور الرومانية والفارسية وإلى حضارات ما قبل الإسلام، وتحتل الآثار والتحف والمقتنيات الإسلامية وكذلك الخاصة بالجزيرة العربية واليمن عامة ويافع خاصة حيزا كبيرا منها, ويصعب جردها أو عرض اسمائها لكثرتها وتنوعها, وربما تغني الصور عن الحديث.. كل ذلك بدافع حبه للتاريخ والآثار كهواية رافقته منذ وقت مبكر من حياته, وكان –كما أوضح لنا- في رحلاته وأسفاره كلما وجد شيئاً يلفت انتباهه يجذبه إليه بدون شعور وكأنه يقول له (خُذني) فلا يتردد عن أخذ واقتناء كل ما له صله باهتمامه.
يحتل المتحف غرفة صغيرة تضيق بما تحتويه من المعروضات الكثيرة التي تتراكم فوق بعضها, لضيق المكان, رغم تنظيمه الدقيق للمحتويات واستغلال المساحة المحدودة لإظهار المتحف بشكل جميل بجمال روح صاحبه وذائقته الفنية. ومثل محتويات هذا المتحف الفريد يحتاج لقاعات فسيحه توزَّع فيها كل محتوياته ومقتنياته المتنوعة بدلاً من تراكمها وتزاحمها في مكان ضيق بالكاد نتحرك بين جانبيه..
ورغم انقضاء سنوات كثيرة على وجود ونشاط هذا المتحف الخاص النادر والفريد وزيارة شخصيات حكومية ذات علاقة بالتراث والآثار والشأن الثقافي له فأن أحداً لم يلتفت إلى تقدير وتكريم جهود هذا الرجل في اظهار تراثنا والاعتزاز به ولو بكلمة شكر أو شهادة تقدير, وكان الاستثناء الوحيد الذي لفت انتباهي هو التكريم الذي حصل عليه ويعتز به كثيراً , كان من قبل جمعية يافع الخيرية التنموية بعدن حيث قام رئيسها الدكتور قاسم صالح الأصبحي بتسليمه شهادة تقديرية وفاء واجلالا لما يقوم به من دور في الحفاظ على الآثار اليافعية والموروث التاريخي وإبراز الوجه الحضاري لبلادنا من خلال متحفه المتميز هذا, وهذه بادرة تستحق الجمعية ورئيسها المهتم بالشأن الثقافي والتاريخي د.قاسم الأصبحي الشكر عليها, ونثمن خطوته تلك, ونتمنى أن تكون فاتحة خير للفت انتباه الجهات المعنية لتكريم وتقدير السلطان فضل بن هرهرة ومساعدته في تقديم متحفه في مكان أوسع يليق بمحتوياته..
ختاماً هذه مجرد تحية تقدير وعرفان بحق صاحب هذا المتحف الفريد الذي نفتقر إلى مثله اليوم وللأسف في عاصمتنا الحبيبة عدن التي تعرضت متاحفها للنهب والسرقة، وما تبقى منها أصبح موصداً أمام الزوار.
ويكفي السلطان فضل بن هرهرة فخراً وشرفاً أنه قدَّم بمجهوداته الذاتية وباهتماماته الخاصة ما عجزت وتعجز عنه الملحقيات الثقافية في سفارات بلادنا في بلدان العالم, ونأمل أن يلقى ما يستحقه من التقدير والتكريم بأمثاله ..