سوسيولوجية كورونا..
د. فضل الربيعي
- سفر الهوية الجنوبية والدفاع عنها
- تشخيص للوضع الراهن
- كيف جاءت فكرة انعقاد المشاورات اليمنية اليمنية؟
- أزمة الهوية والوحدة
اهتم علم الاجتماع بدراسة القضايا الاجتماعية المرتبطة بالصحة والمرض، وهناك فرع من فروع علم الاجتماع يختص بهذا الموضوع وهو علم الاجتماع الطبي، ويطلعنا التراث السوسيولوجي القديم والمعاصر عن العديد من الدراسات والنظريات العلمية التي تفسر علاقة المجتمع بالمرض، وقد ظهر ذلك في أعمال علماء الاجتماع الأوائل، والمعاصرين الذين أعطوا جُل اهتمامهم في تفسير هذه الجوانب، التي بحثت علاقة المرض وانتشار الأوبئة، بسوسيولوجية الافراد والجماعات والروابط الاجتماعية والتضامن الاجتماعي والخوف المجتمعي، وما لذلك من تأثير على بنية المجتمعات وسيرورتها. لا سيما تلك الآثار التي تشمل عامة المجتمعات الناتجة عن حالات تفشي الأوبئة والامراض الخطر.
في هذا الصدد يشير ابن خلدون في مقدمته إلى إن كثرة الترف والمترفين يؤدي إلى الاستغلال المفرط للموارد وتغيير الطبيعة الأصلية للعمران، وهو الأمر الذي سوف يؤدي إلى الشر والخروج عن دائرة الخير ووقوع الطغيان كطغيان الماء الذي لا يقاومه أي سد أو ترميم .
كما تناول ذلك عالم الاجتماع الفرنسي اميل دوركايم عندما ناقش موضوع الانتحار والتضامن الاجتماعي في المجتمع الذي يواجه التحديات والأزمات والكوارث المختلفة.
وعلى هذا الأساس جاء علماء الاجتماع المعاصرين أمثال عالم الاجتماع الألماني أولريخ بيك ، الذي أخبرنا ونبهنا إلى المخاطر التي سوف تواجهها البشرية في عالمنا المعاصر، في كتابه الشهير " مجتمع المخاطرة " إذ يرى ان الالفية الثالثة سوف تحمل لنا كثيرا من المخاطر الناتجة عن تلك الممارسات التي تقوم بها بعض الدول الصناعية الكبرى مثل إشعاع المفاعلات النووية، والتلوث، والفيروسات التي تفتك بحياة البشرية.. وان تهديدات الحياة في الحضارة الصناعية قد صارت عرضه لتحولات الخطر الاجتماعي اليوم، ويضيف أن الخطر القادم يتسم بنفس سمات القوة المدمرة للحرب، فيصيب الأغنياء والفقراء، ويعم جميع الدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، ومن ثم يصعب السيطرة على تلك المخاطر.
من جانبه عبر عالم الاجتماع البريطاني أنتوني غدنز عن المخاطر التي يواجها عالمنا اليوم بما اسماه "العالم المنفلت" الذي تحدق به كثير من المخاطر.
إن جائحة كرونا التي اكتسحت العالم باسره في وقت واحد، وأصبحت مثار اهتمام عالمي شغل الكل في هذه المعمورة، ونحن إذ نتابع ونشاهد ونتفاعل مع هذا الحدث من خلال ما ينشر وتتداوله جميع وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، فهو لم يقتصر عن موضوع المرض من المنظور الطبي الاكلينيكي فحسب، بل إن أغلب ما يثار وينشر حوله يتعلق بالسوسيولوجيا أكثر بكثير من المنظور العلاجي الطبي، ربما يعود ذلك إلى طبيعة هذا الفيروس الجديد الذي لم تتمكن العلوم الطبية من اكتشاف علاجه حتى اللحظة، الأمر الذي تركز جهد الأفراد والمؤسسات والدول حول عملية الوقاية منه ولعل أهمها تلك الوقاية المتمثلة بالحجر والعزلة، وهي شأنا اجتماعيا خالصا، حيث كان هذا الحدث قد خلق حالة هستيريا جماعية شملت كل المجتمعات الإنسانية، رافقتها عدد من الشائعات والتأويلات والتكهنات وصلت إلى حد عودة العقل إلى مرحلة الخرافة؛ هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نلاحظ ان سكان المعمورة جميعا قد خضعوا لأخذ إجازة إجبارية والمكوث في منازلهم، ولأول مرة يحدث مثل هذا في تاريخ البشرية، ربما أن هذا الوضع قد عاده بنا إلى زمن ما قبل الصناعة والمدنية زمن المجتمعات الأولية السابقة لظهور الصناعة ووسائل المواصلات، وما خلفته الحياة الحضرية المدنية من وجود فضاءات عامة كالمسارح والأندية والملاعب الرياضة والسينما والحدائق العامة والمولات والجامعات والتجمهر والتجمعات البشرية والأسواق العامة التي نعرفها جميعا، كملاذ للناس يترددون عليها ولم يبارحونها إلى ما قبل عشرة أيام تقريبا، بعد إعلان انتشار هذا الفيروس في الصين الذي صنف بانه من أخطر الفيروسات التي تهدد حياه البشرية اجمع .
إن الحجر والمكوث في المنازل قد غير كثيرا في نمط السلوك والتفكير عند الناس، خلال هذه الفترة القصيرة، إذ صب اهتمام الكثير في متابعة وتبادل الأخبار التي تحمل النصائح الوقائية المتعددة.
وكذلك النكات والشعر والمقاطع الفنية والرسوم المتحركة والصور الكاريكاتيرية التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي و تتحدث عن الجائحة، وتصور حياة الناس في زمن الكرونا، فالنكات عادتا ما يلجاء لها الناس بوصفها تعبيرا ساخرا لاسيما في زمن الأزمات للترفيه عن النفس وتقلل من الفزع والخوف الذي أحدثته كرونا، فضلا عن تمرير وقت الفراغ الطويل الذي يعيشوه الناس في محاجر منازلهم.
ان حدث الكورونا سيظل زمن فاصل عن ما قبله وسوف تحمل الذاكرة الجمعية أشياء كثيرة عن هذا الفيروس الذي لا يراء في العين العادية المجردة، وكيف انه غير من حياة البشرية.