أي وجع أصابنا يا شاكر ؟
دعوني اخبركم عن الاستاذ شاكر محمد سعيد، زميل مخلص و معلم استثنائي، وانسان يحترم نفسه و وقته و حياته، عرفته عن قرب في مدرسة الشهيد الحازمي لنجود، كان أكثرنا نشاط وانضباط و حماس، استفاد من الرياضيات في حساب الوقت والزمن والايام وادق التفاصيل، حيث انه يحسب حصصه بالدقيقة، وما زلت أراه امامي حين يظهر بابتسامته الخجولة و يشير إلى الساعة وتحاول أن تأخذ من وقته و يقلك بصوت خافت ولغة خجولة انتهى وقتك والآن حصتي.
كم كان الاستاذ شاكر مثابر و محترم مع وقته و طلابه، كان يدخل الفصل حاملا كتب الرياضيات و يخرج حاملا دفاتر طلابه جدوله مضغوط ومواده صعبه وطلابه كثر ويحاول استثمار كل لحظة وكل دقيقة، حتى وقت الراحة تراه يقضي وقته بين دفاتر طلابه وكشوفات المعلمين، كان يعمل كل ذلك من اجل ارضاء ضميره و واجبه حد وصفه، شاكر كان اول معلم يكمل واجباته و يقدم كشوفات طلابه، رغم صعوبة الرياضيات إلا انه كان سهل التعامل وانسان بسيط وأمين لم نجد اَي حد يتهمه بالمجاملة او التقصير الكل يدرك بانه معلم استثنائي، سنين من الصبر و المعاناة و الصمود وشاكر يغادر منزله مع أصوات العصافير قاطعا اكثر من ثلاثة كيلو من بيته إلى المدرسة، تسع سنوات من العمل و المثابرة و الصمود دون غياب او هروب ولو غاب شاكر الكل يدرك بأن ثمة امر جلل حل به، فلا يغيب امثاله عبثا.
لك ان تتخيل استاذنا الشاكر وهو ممسك شنطته السوداء على يده، متنقلا بين الصفوف لا تكاد أن تسمع له صوت حتى سلامه يشير بيده او برأسه، رغم كل الصعوبات التي كانت تحيط به الا انه عزيز نفس، و كان يصنع ابتسامته من بين كومة من الآلام و الاوجاع يمكن ان تقضي معه شهور ولا تعرف شيء عنه او عن معاناته فقد كان كتوم و عزيز ولا يحب أن يظهر امام الآخرين إلا بشموخ، فامثاله لا يحبذون لغة الضعف و الانكسار او نظرة الشفقة مهما كانت الحياة قاسية و الواقع مُــر، شاكر مازال يقف امامي بذلك الشموخ و التواضع وما زلت أراه واسمع كلماته و اشاهد تلك الابتسامة الخجولة التي تتربع ملامحه كل صباح.
بعد كل هذا السرد و الجمال الذي أخفيه لذلك الرجل في صدري وصلتني رسالة على هاتفي أمس تنبأني بوفاة الاستاذ شاكر، عجزت أن اتخيل بأن شاكر مات برصاص أخيه يوم أمس، عجزت عن تصديق الخبر او قبوله، كيف لشخص مثل شاكر أن يموت بهذه السرعة، من لنا بعده، ومن يغطي فراغ شاكر، من لطلابك يا استاذ، هل تعرف الرياضيات وكسورها يا شاكر كسرنا خبر رحيلك اقسى من كسور الرياضيات، من يجبر قلوبنا بعدك وانت من جبرت الرياضيات ونسيت تجبر قلوبنا المكسورة التي ضربتها صدمة رحيلك و طرحتنا اليوم مقسمين بين أوجاعنا و همومنا و كل يوم تزيد نسب أوجاعنا و جراحنا ومأسينا رحمك الله يا صديقي، وحسبي الله ونعم الوكيل.
هذا المصيرُ، أكانَ طولَ سلامةٍ * أمْ لم يكن إلا قليلَ بقاءِ *
واستبكِي هذي الناسَ دمعًا أو دمًا * فاليومُ يومُ مدامعٍ ودماءِ *
قسماتُ وجهكِ في الترابِ ذخائرٌ * من عفَّةٍ، وتكرُّمٍ، وحياءِ *