في الذكرى العاشرة لرجل الخير والعطاء ..الشيخ عمر قاسم العيسائي
د. علي صالح الخلاقي
- أهمية وصول الرئيس عيدروس الزبيدي إلى مركز القرار الدولي
- (أبو اليمامة) القائد الشهيد الأكثر حضوراً
- لا تغضب
- تهانينا للمَهْرَةِ بولادة جامعتها
هناك رجالٌ بمجرد موتهم تمَّحي ذكراهم لأنهم عاشوا على هامش الحياة ولم يتركوا أثراً طيباً يُذكّر بهم. وهناك آخرون يرحلون غير مأسوفٍ عليهم ولا مِنْ مُدَّكِر يستحضرهم في ذهنه أو يسترجعهم بعد نسيان إلاّ بتذكُّر سوء فعالهم وقد تطاردهم اللعنات بعد الممات كما كان حالهم في الحياة، ومن هؤلاء الحكام الطغاة، والأشرار من بقية الفئات.
وهناك رجالٌ خلَّد التَّاريخُ أسمَاءهم وحفظها من النسيان، وجعلها تتردد على كل لسان، وتُحَيَّا بالتَّحايا الحسان، ومن هؤلاء رجُل الخير والبِرِّ والإحسان، الشيخ العصامي عمر قاسم العيسائي، فهو ممن جاد بهم الزمان، وجعل ذكراه قائمة بالأذهان، واستوطن اسمه الأفئدة والوجدان، بما تركه من أعمال خيرٍ وبِرٍ وإحسان، تذكِّرنا به في كل حينٍ وآن، وها نحن نتذكره بكل فخر وامتنان، في ذكرى رحيله العاشرة، إذ غادرنا في مثل هذا اليوم 6 يناير من عام 2008م, وفي ذكراه التي تتجدد كل عام نتذكر مناقبه النبيلة وسيرته المعطاءة وبصماته المحفورة في أرجاء المعمورة بما تركه من أعمال خيرية وسمعة حسنة جعلته في عداد الخالدين في قلوب كل من عرفه أو سمع عنه، وفيه يصدق ما جاء في الاثر " إذا أحب الله عبداً من عباده حببه إلى الناس".
شخصياً لم أتعرف عليه في حياته، لكن سمعته منذ طفولتي المبكرة كانت تملأ الآفاق كرجل عصامي كوّن بجهده وعرقه امبراطورية تجارية عابرة للقارات مع رفيق دربه المغفور له بإذن الله الشيخ علي عبدالله العيسائي، وكانت عدن موطن انطلاقتهما منذ منتصف خمسينات القرن الماضي وفيها بدأت مسيرة نجاحهما وامتد نشاطهما مبكراً إلى خارج الحدود وتحديداً في مدينة جدة التي كانت فرص الاستثمار فيها واعدة حينها، وحققا هناك نجاحاً كبيرا وكأنَّ الله عوضهما فيها بما لحق بأملاكهما في عدن من مصادرة بسبب إجراءات التأميم (الثورية) بعد الاستقلال الوطني، ووجدا في بلاد الحرمين وطناً بديلاً فتح لهما ولغيرهما الآفاق، التي سُدّت في عدن، وأصبحت جدة وطنهما المحبب الذي عاشا فيه وكانت منطلق نشاطهما التجاري الذي تجاوز حدود بلاد الحرمين إلى أصقاعٍ كثيرة من بلاد العالم.
ومع ما بلغه من ثراء ومكانة فقد كان مثالاً للتواضع ومحباً للخير والبر والإحسان، وفتح بيته وقلبه لكل من لجأ إليه طالبا المساعدة أو الكفالة، حيث أنفق من حر ماله بسخاء وجُودٍ لمن هو مستحق، دون أن تعرف شماله ما قدمت يمينه، مبتغياً مرضاة الله. ولا نستطيع أن نلم بكل أوجه وأعمال الخير التي قدمها، ولا أن نقدم جرداً بذلك، فمثل هذا الأمر يحتاج لحيز أكبر وربما لكتاب كبير، فقد كان يعطي بسخاء وبلا حدود، وبعيداً عن الضجيج أو التظاهر بأعمال الخير، وامتد ينبوع عطاءه المتدفق إلى الكثير من أصقاع العالم، فله بصمات ملموسة في مد يد العون لمن نكبوا في الكوارث الطبيعية حيث كان مبادراً في إغاثتهم،كما شيد في العديد من البلدان العشرات من المساجد والمدارس وهيأ فرص التعليم الجامعي للمئات من الطلاب على نفقته وكفل آلاف الأيتام والمحتاجين، وقدم بسخاء للجمعيات الخيرية والمستشفيات والمشاريع الأهلية بأكثر مما تطلب منه، وغير ذلك من المشروعات الكبيرة التي أسهم في قيامها طوال سني حياته، حتى أضحى اسمه قريناً لأعمال الخير والبر والإحسان فامتلك حب الناس له.
فها هو صديقه الأستاذ عبد العزيز عبد الرحمن النعيم الذي ارتبط معه بعلاقة صداقة صادقة على مدى أربعين سنة وعرف عنه, كما يقول, مواقف وأخلاق رفيعة وراقية لا تفيها أي كلمات, وكتب عن الفقيد في جريدة (المدينة) السعودية واصفا إياه بأنه علم من معالم الكرم والإنسانية.. وخير رمز للخير والتقوى والعطاء والمواقف النبيلة، صاحب الأعمال الجليلة التي اكسبته الشهرة في العالم على المستوى الشخصي والتجاري.. وكان بيته مفتوحا دائما لكل سائل ومحروم فكان من دخل عنده خرج مبتسما فرحا ثلج الصدر... وكان إن أعطى أكرم وزاد ولم ينقص, كرس حياته ليكون اليد التي تعطي قبل أن تسأل وبعد أن تعطي لا تذكر مَنْ وكم أعطت، هو سند لكل محتاج غنيا كان أم فقيرا, يمشي بنفسه للبيوت الفقيرة ويدق بابها ويعطي مما أعطاه الله بنفس راضية.
لم يقيّض للشيخ عمر العودة إلى عدن التي أحبها، ولا إلى مسقط رأسه يافع، كما هو حال رفيق دربه الشيخ علي عبدالله العيسائي، لكنه حمل وطنه ومسقط رأسه في ثناياه، ولقد جسد هذا الحب لمسقط الراس بدعمه السخي لتأسيس كلية التربية يافع، التي ما أن بلغه سعي القائمين عليها للبحث على الدعم الضروري لتأسيسها حتى أبلغهم أن هذا الخبر السار كان حلم حياته، وقال :" اعملوا يا عيالي وأنا مستعد أساعدكم من الريال إلى المليار". وفعلا أوفى بوعده وقدم حينها أكثر من سبعين مليون ريال يمني لترميم مباني الكلية وتأثيثها وتجهيزها، وما زال طلاب وطالبات الكلية يتلقون منحة مالية شهرية تعينهم على مواصلة الدراسة، وما زال دعمه لأوجه الخير يتواصل حتى بعد وفاته في داخل الوطن وخارجه، إذ خصص جزءاً من ثروته لأعمال الخير التي لم ينقطع مددها، ولن ينقطع إن شاء الله.
ختاما أكرر ما قلته عقب وفاته بضرورة دراسة حياته ونجاحاته وحبه للخير حتى تغدو سيرته العصامية العطرة الحافلة بالنجاح عبرة للطامحين وحافزا للساعين إلى الخير ومنهلا تستمد منه الأجيال قيم الخير والعطاء وحب الناس.
وسلام عليه في ذكراه العطرة...