ميل أون صنداي الحكومة البريطانية تدرس إنشاء صندوق سيادي لإنعاش الاقتصاد
قالت صحيفة "ميل أون صنداي" إن الحكومة البريطانية، تدرس فكرة إنشاء صندوق ثروة سيادي بقيمة 30 مليار دولار (25 مليار جنيه إسترليني) يسهم في إنعاش الاقتصاد مع عودة النشاط تدريجياً فيه بتخفيف إجراءات الإغلاق التي طُبِقت للحد من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد-19).
وسيكون الهدف من الصندوق، إذا وافقت عليه الحكومة، كالأول من نوعه في بريطانيا لشراء الأسهم في الشركات الإقليمية (خارج لندن) وأغلبها شركات عائلية لمساعدتها على النهوض ما بعد أزمة كورونا. وتلك هي استراتيجية رئيس الوزراء بوريس جونسون للانتعاش الاقتصادي ما بعد الوباء.
وذكرت صحيفة "ميل أون صنداي" أن مشروع الصندوق تقدم به عضو مجلس اللوردات جيم أونيل، المقرب من وزير الخزانة السابق جورج أوزبورن. ويرى أونيل أن تلك الشركات يمكن أن تصبح من الأفضل عالمياً إذا تمكنت من الحصول على دعم كهذا.
والمشروع الآن أمام وزارة الخزانة لدراسته والنظر في شأنه، خصوصاً أن المستهدف أن يكون الصندوق من أموال دافعي الضرائب. وتعتمد الخطة على شراء الصندوق أسهماً مميزة في تلك الشركات، بمعنى أنه يكون للخزانة البريطانية الأفضلية في توزيع عائدات الأرباح على الأسهم من تلك الشركات.
وذكرت الصحيفة أن عدداً من أثرياء حي المال والأعمال (سيتي أوف لندن) أبدوا اهتماماً بفكرة الصندوق، ما يعني احتمال استثمار أموال من القطاع الخاص فيه إلى جانب الأموال العامة، لكن بالطبع يظل الاستثمار الأساس هو أموال الخزينة العامة باعتباره صندوقاً سيادياً.
والصناديق السيادية موجودة أكثر خارج أوروبا وأميركا الشمالية، وتحديداً في الشرق الأوسط وآسيا، والهدف منها هو استثمار أموال الدولة على أساس مالي صِرف بعيداً عن سياسة الحكومة لتوفر عائداً على ثروة البلاد تستفيد منها ميزانياتها وإنفاقها العام وكذلك الحفاظ على الثروة للأجيال القادمة.
ومن أول الصناديق التي تأسست، صندوق الثروة السيادي الكويتي، وكان هدفه أن يكون بمثابة "صندوق الأجيال القادمة". ونتيجة الطبيعة الخاصة لتلك الصناديق السيادية فإنها تتمكن من تنويع استثماراتها وتنمية أصولها باستمرار، كما أن لديها حرية في اقتناص الفرص من الأسواق لا تتمتع بها صناديق التأمين أو المعاشات مثلاً.
وبحسب أرقام معهد صناديق الثروة السيادية وشركة "إنفسكو"، فإن هناك نحو 90 صندوقاً سيادياً في العالم يصل حجم أصولها إلى 8 تريليونات دولار، أي نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتمكنت تلك الصناديق في العقود الأخيرة من تنمية استثماراتها بشكل جيد، إضافة إلى إسهامها في الأسواق عبر شراء الأسهم والسندات والأصول الأخرى، ما حافظ على حيوية النشاط الاقتصادي العالمي.
وتضع الحكومات سقفاً لاستثمار الصناديق في الأسهم، لضمان تنوع محافظها وعدم تأثرها باضطراب نوع واحد من الأصول. مع ذلك، لدى صناديق الثروة السيادية حرية تمكنها من اقتناص الفرص مع تنويع محافظ الأسهم لديها بما لا يجعلها تركز على شركة أو مجموعة شركات فقط.
على سبيل المثال فإن صندوق الثروة السيادي النرويجي، وهو الأكبر من نوعه في العالم بأصول نحو تريليون دولار، يملك تقريباً ما يصل إلى 1.5 في المئة من الأسهم المتداولة في العالم. هذا بالاضافة إلى سندات ديون، خاصة وغيرها، تسهم في زيادة رأس مال الشركات وتدر عائداً على الصندوق.
ومن بين الخيارات التي تطرحها دراسة مشروع الصندوق السيادي البريطاني التي قدمها اللورد أونيل لوزارة الخزانة، أن تتمكن الشركات المستهدفة بدعم الصندوق من تحويل بعض ديونها إلى أسهم وحصص ملكية، مع الحفاظ على الطبيعة العائلية لتلك الشركات إذا لم تكن مدرجة في البورصة.
اختلف وضع ودور صناديق الثروة السيادية في الأزمة الحالية عما كان عليه في الأزمة المالية العالمية عام 2008. ففي الأزمة السابقة تعرضت استثمارات الصناديق في الأسهم وأصول أخرى لهبوط قيمتها ما جعلها تُمنى بخسائر كبيرة أتت على بعض أرباحها التي راكمتها عبر العقود الأخيرة.
لكن في السنوات الأخيرة تحسن وضع تلك الصناديق بوتيرة ربما أفضل من نمو اقتصاد بلدانها. وبحسب مجلة الإيكونوميست، تمكّن صندوق الثروة السيادي السعودي مثلاً منذ عام 2015 من تحقيق أرباح ضعف المستهدف عند ما بين 4 و5 في المئة.
ورغم أن وباء كورونا أدى إلى تعطل قطاعات كثيرة في الاقتصاد العالمي، فإن أكبر 15 صندوق ثروة سيادياً في العالم التي استحوذت على 80 في المئة من المبادلات في الأعوام الأخيرة، مُنيت بخسائر بنحو 62 مليار دولار، لكن أكثر من ثلثي تلك الخسائر كان من نصيب صندوق الثروة السيادي الصيني (مؤسسة الاستثمار الصينية)، أما البقية فلم تزد خسائرها على ثلث ما خسرته في الأزمة المالية العالمية عام 2008، بحسب المجلة.
مع ذلك، مثّل الوضع الحالي فرصة جيدة لصناديق الثروة السيادية لتحظى بصفقات جيدة خصوصاً في القطاعات المتأثرة بوباء كورونا سلباً أو إيجاباً، فقد استفاد صندوق الثروة السيادي الروسي، وتبلغ أصوله 50 مليار دولار، من أزمة الفيروس بالاستثمار في أسهم شركات تعمل على إنتاج الأمصال واللقاحات أو تطور اختبارات طبية. كما قام بشراء أسهم في شركات ناشئة مختلفة مثل شركة روسية لتطوير التعليم عن بُعد عبر الإنترنت.
كذلك اشترى صندوق الثروة السيادي السعودي حصة في شركة كارنيفال للعبارات والسفن السياحية الشهر الماضي، ما أدى لارتفاع أسهمها بنسبة 30 في المئة، ما وفر أرباحاً كبيرة للصندوق بمجرد عقد صفقة الشراء.
في الوقت نفسه تواجه صناديق الثروة السيادية تحدي الإسهام في جهود حكومات دولها لإنقاذ الاقتصاد في ظل تبعات أزمة كورونا ومساعدته على النهوض والتعافي سريعاً بعد الوباء. وفي مقابلة له من شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، قال الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادي التركي، ظافر سونميز، إن دور صناديق الثروة السيادية سيزيد في أزمة الوباء وما بعدها، وعليها المساعدة في دعم القطاع الخاص بشراء الأسهم والدين لإنعاش الاقتصاد.
ورغم ما بدا من تصريحات سونميز في لقائه التلفزيوني، فإن تركيا ليست البلد الوحيد الذي يطلب من صندوق الثروة السيادي لديه الإسهام في دعم المالية العامة للدولة خصوصاً مع مئات المليارات التي تقدمها الحكومات دعماً للقطاعات المتضررة من وباء كورونا.
فمن المتوقع أن يضخ صندوق الثروة السيادي النرويجي ما يصل إلى 4.8 في المئة من أصوله في الموازنة العامة للدولة، بزيادة كبيرة عن سقف المساهمة المحدد له محلياً وهو 3 في المئة. أضف إلى ذلك أن هذا الصندوق يعاني أيضاً من انخفاض عائدات النفط، وكذلك صناديق الثروة السيادية في دول الخليج النفطية.
وبحسب صندوق النقد الدولي فإن الصناديق الخليجية تشهد انخفاصاً في أصولها بنحو 300 مليار دولار، وهو ما يساوي 15 في المئة من قيمة أصولها، نتيجة هبوط أسعار النفط. أما صندوق الثروة السيادي النرويجي الذي كان يتوقع عائدات من المبيعات النفطية للبلاد عند 2.5 في المئة من أصوله فقد انخفضت تلك النسبة إلى 1 في المئة فقط.
لكن صناديق الثروة السيادية تظل في حال أفضل نتيجة تنوع أصولها ومتانة وضعها المالي، واستفادتها من درس الأزمة المالية العالمية قبل 12 عاماً لتصبح الآن أهم سند قوي لحكومات دولها في مواجهة تبعات وباء كورونا وتحفيز الانتعاش بعده.