فـي عدن.. الأكل من القمامة مشهد مألوف منذ 3 سنوات في ظل الحكومة

الجمعة 26 يناير 2018 21:55:44
فـي عدن.. الأكل من القمامة مشهد مألوف منذ 3 سنوات في ظل الحكومة
عدن - المشهد العربي - رعد الريمي

مع ساعات الفجر الأولى يتسلل المواطن محمد علي خلسة من منزله الكائن في إحدى مديريات العاصمة عدن، متنقلا على دراجته العادية إلى مديرية أخرى في مبالغة منه بالتستر أثناء بحثه عن بقايا طعام في صناديق القمامة. 


الضوء الذي يضعه على جبهته وخيط نور الفجر المنتشر بالسماء أبرز ما يعينه في مهمته التي لا تعلم عنها الحكومة التي تقضي معظم أوقاتها بالخارج غير مكترثة بأوجاع المواطنين في عدن. 


محمد علي وهو يبحث عن بقايا الطعام في القمامة يطول بحثه كون أغلب القمامات تخلو من بقايا الطعام الذي يتعقد أنه سوف يظفر به، وذلك بسبب ما يعانيه الناس عموما من تردٍ وسوء في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والتي جعلت أغلب المواطنين يحرصون على عدم رمي أي طعام متبقٍ. 


قصص آليمة عن معاناة شريحة واسعة من الناس في عدن مازالت تحكي نفسها على الواقع يوميا بمرارة ومشاهدات تتكرر ولا تتوقف في انحاء المدينة. 


*أزمات في كل مناحي الحياة 


يعاني أهالي مدينة عدن أوضاعاً صعبة في شتى مناحي الحياة.. فعلى المستوى الغذائي تعاني مدينة عدن من ارتفاع ملحوظ في أسعار أصناف عديدة من السلع اليومية والضرورية كالسكر والدقيق وغيرهما من الأصناف التي تفاوتت فيها نسبة الارتفاع من صنف لآخر، في ظل ما تشهده المدينة من غياب للعملة الصعبة وانحدار للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية على الرغم من التحركات الاقتصادية التي وصفت بالعقيمة وغير المجدية. 

أما على مستوى الخدمات، فالكهرباء لم يتحسن حالها والتي على الرغم من الوعود الحكومية إلا أن الانقطاعات مستمرة وشبح نفاد الوقود - سواء في فصل الصيف أو الشتاء - يبعث على القلق على الرغم مما تعيشه المدينة من أجواء باردة هذه الأيام، مما يعني أن مدة ساعات الانقطاع ستتضاعف في فصل الصيف، في ظل مناشدات مجتمعية لتفادي ذلك. 


أما الجانب الصحي فتعاني مستشفيات المدينة من تدهور الجانب الإداري بالإضافة إلى رفع تعرفة الخدمة الطبية في المستشفيات الحكومية كالذي حدث بمستشفى الجمهورية مؤخراً، إلى جانب ما تعانيه من زحام بسبب جرحى جبهات الحرب في ظل ما تعانيه من نقص في المستلزمات وغياب الطواقم الطبية. 


تعصف أزمات باتت تثقل كاهل المواطن البسيط بالدرجة الأساسية، بالإضافة إلى انعدام الوقود، إذ يتفاوت اشتدادها بين الفينة والأخرى، مع وجود موجة احتجاجات واضطرابات تشهدها المدينة في القطاع النقابي والعمالي في بعض المرافق الخدمية في محافظة عدن، علاوة على ما يعانيه المواطن من تأخر في صرف مرتبات موظفي الدولة. 


*الحكومة تغاضت عن الفساد 
المواطن والناشط المجتمعي والحقوقي زاهر الجنيد يتحدث لـ«الأيام» بقوله: إن الوضع مأساوي للغاية بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة الناتج عن ممارسة الحكومة للفساد ونهب المال العام، وعدم قيامها بأي إجراءات لوقف هذا الفساد ومحاسبة الفاسدين وفرض رقابة على أسعار السلع والمواد الغذائية التي يحتاجها المواطن. 
وأضاف: من خلال مشاهداتي اليومية واطلاعي على أحوال الناس أرى أن نسبة الفقر في ازدياد بين شرائح المجتمع. 

ويسرد زاهر عددا من الأحوال بقوله: فعلى سبيل المثال رب الأسرة أصبح بالكاد يوفر القوت الضروري له ولأسرته هذا في حال كان موظفا حكوميا ويستلم راتبا، فكيف بغيره ممن لا يمتلك وظيفة ولا راتبا حكوميا أو خاصا، وأعرف أسرا عزيزة وصل بها ضيق الحال وصعوبة المعيشة إلى مستوى سيء للغاية فلجأت إلى جعل أطفالها يمارسون التسول لتوفير ما يسدون به جوعهم. 


ويتابع الجنيد في سرد القصص المأساوية بقوله: هناك طالبة بالصف الثالث الابتدائي أغمي عليها من الجوع لأنها لم تتناول الإفطار الصباحي بسبب ظروفهم الصعبة، وعند استدعاء والدتها تظاهرت أن ظروفهم مستورة والحمدلله وأن ابنتها تعمدت عدم الإفطار بينما الأكل موجود، ولكن الحقيقة غير ذلك كون الطالبة كانت قد أفضت لمربية الفصل بكل ما يعانونه من ظروف صعبة وقاسية. 


وختم الجنيد سرد قصص هذا الواقع المؤلم بالقول: وهذا غيض من فيض مما نشاهده وما خفي كان أعظم، وعلى الحكومة أن تتخذ التدابير اللازمة لإغاثة الفئات الفقيرة من شبح الجوع والفاقة والمرض، فالوضع سيء ومأساوي جدا، ولا يستطيع أي إنسان تحمله.

 
*تردي الخدمات فرض واقعا صعبا 


التردي الذي تعانيه عدن بدا جليا أثناء حرب 2015م المفروض عليها من قبل مليشيات الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والتي اضطرت إزاءها بعض العائلات لبيع بعض أثاث منازلها لتأمين حاجتها، فيما عائلات آخرى ممن كانت تعيش في منازل إيجار قررت العودة إلى منزل العائلة لتوفير قيمة الإيجار، وعائلات قرر أفرادها اللجوء للعمل لتوفير التزامات المعيشة بعد أن كانت تكتفي بدخل رب المنزل. 

تردي الخدمات في عدن بات يفرض على المواطنين تكاليف مضاعفة، ولجأت عدد من الأسر إلى شراء الطاقة البديلة ومراوح الشحن بسبب غياب خدمة الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة وخاصة في فصل الصيف، والأخرى اضطرت مكرهة لشراء مولدات سحب المياه (مضخة) بسبب عدم وصول المياه إلى منازلهم. 


ففي كل حي من أحياء مدينة عدن تشهد ملامح الجوع والتقشف والأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطنون، فهنا كهل يشحت، وهناك فتاة (عشرينية) تتسول، وشاب يكسر مكانة عائلته بتراكم الدين عليه.. كل هذه الأوضاع الصعبة وغيرها تشاهدها في العاصمة عدن والتي لم يشفع لها تكريمها بإعلانها عاصمة وتواجد الحكومة فيها، بأن تشهد تحسنا في أوضاعها الخدماتية، ولم يضف ذلك عليها أي شكل من أشكال العناية والاهتمام. 


ما يعانيه المواطن محمد علي - الذي يقتات من صناديق القمامة- هو أدنى درجات الجوع الذي بات يشهده مواطنو العاصمة عدن، إذ تتفاوت مستويات تردي الأوضاع المعيشية إلى درجات مختلفة. 


*الدولة ملزمة بحل المشكلات 
من جهتها تقول لـ«الأيام» الناشطة المجتمعية أريج أحمد الخضر: “الوضع المعيشي لأفراد المجتمع متدن بل دون المستوى للأسف! حيث غابت مقومات العيش الكريم الذي نص عليه دستور الجمهورية اليمنية، حيث نجد حالة المواطنين متردية على كل المستويات، الصحة والطرقات والنظافة والأمن ومراقبة الأسعار وغير ذلك!. 



وأضافت: بات المواطن يعاني بشكل كبير وخاصة في جانب القوت حيث بات الغلاء يضاعف عليه أعباء الحياة خاصة في المواد الاستهلاكية الضرورية (رز- سكر- دقيق-زيت) ونحن نشاهد البضائع تملأ الأسواق غير أن أغلب المواطنين باتوا لا يستطيعون شراء ما يكفيهم. 


ولفتت الخضر إلى أنه على عاتق الحكومة واجب تجاه عامة الشعب وهو أن تحفظ لهم العيش الكريم وليس بالهبات الشهرية، كما يجب عليها دعم قوت الشعب ليتمكن كل فرد في المجتمع من شراء قوته بسعر أقل من مستوى دخله. 


وقالت بأن على الحكومة واجب ترشيد النفقات وبالذات الصرفيات والنثريات كونها تأتي على حساب قوت الشعب.. مطالبة الحكومة بأن تضع رجلها على الطريق الصحيح من خلال اعتماد تجربة من سبقها من الحكومات التي استندت إلى سياسة حصيفة للخروج من منعطف كاد أن يعصف باقتصاد البلد. 

*المصدر صحيفة الأيام