تناقضات “الشرعية” في اليمن.. مجابهة في عدن وتغاض عن استقلال “الإخوان” في مأرب
على مدى السنوات الماضية من عمر الحرب اليمنية، بقيت محافظة مأرب، وضواحيها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، شرقي البلاد، في طريق النمو المتصاعد، على مستويات عدة، بنيوية وعمرانية واقتصادية وحتى أمنية، بمعزل عن بقية المناطق المحررة، من الانقلابيين الحوثيين، خاصة في الجزء الجنوبي من البلاد.
ومع تقارب الأيديولوجيات بين البيئة الاجتماعية لهذه المحافظة التي توصف بـ”الصحراوية”، مع أطراف سياسية في الحكومة الشرعية في اليمن، حظيت مأرب بجملة من الامتيازات الاستثنائية، كاحتفاظها بإيراداتها المالية العائدة من النفط والغاز، ممتنعة عن توريدها إلى البنك المركزي اليمني، كبقية مناطق الحكومة الشرعية، وبقائها محتفظة بخصوصيتها العسكرية والأمنية كمنطقة مستقلة، مستثناة من ظروف الحرب التي يشهدها البلد.
دلال حكومي
تبدو مأرب وحدها، الأكثر دلالًا حكوميًا، إذ وصفتها تقارير صحافية أمريكية، بـ”قبلة المهجّرين” و”الأكثر أمانًا، بين مناطق اليمن”، ويمكن لسكانها أن يتذوقوا أطعمة، لم يتذوقها اليمنيون منذ سنوات طويلة.
وعلى بعد نحو 536 كيلو مترًا من مأرب الشاسعة، تقع العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، في أقصى الجنوب، كأصغر محافظات البلاد مساحة، تحاول لملمة جراح الحرب، التي كل ما اندملت قليلًا نُكئت مرة أخرى بفعل سوء الوضع المعيشي، وانعدام الخدمات والمحروقات في أوقات كثيرة، ناهيك عن غلاء الأسعار وافتعال الأزمات وخلق الاضطرابات الأمنية، في ظل تجاهل حكومي متواصل.
ويقول رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء، عيدروس الزبيدي، في لقاء تلفزيوني، أجراه مساء أمس الثلاثاء، إن “الوضع الاقتصادي الذي وصل إليه الجنوب، بشكل خاص، أصبح لا يُطاق، ولا يتحمله المواطن”.
وتطالب المقاومة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، بإقالة الحكومة اليمنية، واستبدالها بحكومة كفاءات وطنية، لكن الحكومة فضّلت مواجهة هذه المطالب بالخيار العسكري، وهو ما أدخل المدينة في موجة عنيفة من الاشتباكات المسلحة على مدى الثلاثة أيام الماضية، قتل فيها 35 شخصًا، وأصيب 290 آخرين.
اختراق وتحكّم
يقول القيادي في الحراك الجنوبي، يحيى غالب الشعيبي، إن الشرعية اليمنية، تم اختراقها من قبل حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمون)، من خلال السيطرة على مفاصل حكومية بمراكز اتخاذ القرار، وفي كل المجالات، ومنها الجانب الاقتصادي والإداري التنفيذي.
وأضاف في حديثه لـ”إرم نيوز”، أن هذه المنظومة، كانت تسعى إلى التمدد جنوبًا لتمكين الإدارة التنفيذية من الإصلاح، وتغيير القيادات التنفيذية الجنوبية، التي حققت الانتصارات العسكرية في عاصفة الحزم ومن ثم معركة مكافحة الإرهاب، ونجحت رغم المعوقات في الإدارة التنفيذية للمحافظات.
وأشار إلى أهمية تحرير الشرعية، ونزع القرار من سطوة حزب الإصلاح “إذا أردنا التعامل الواعي والنجاح المأمول لدول التحالف العربي، تنمويًا واقتصاديًا، مثلما نجحت عسكريًا في المناطق المحررة”.
ويتفق الناشط السياسي، باسم محمد، مع ما ذكره الشعيبي، وقال إن نفوذ الإخوان المسلمين، لم يعد مقتصرًا فقط على التفرد بمحافظتي الجوف ومأرب، وعزلهما عن الرئيس هادي، بل وصل إلى التحكم السياسي في المناطق الجنوبية، وعبر مكتب هادي، الذي تديره شخصية إخوانية.
ولفت في حديثه لـ”إرم نيوز” إلى أن الشرعية تتعامل بمعيارين مختلفين، “فهي سلمت الإخوان مأرب والجوف، وإيراداتها وشأنها، وباتت لا تستطيع أن تتحكم حتى بإقالة قائد أمني صغير، في وقت تتدخل بكل شيء فيما يخص شؤون الجنوب، وتُقصي قواه المقاومة، لصالح تمكين آخرين موالين للجماعة، لم يساهموا بتحرير ولا تأمين العاصمة والمناطق الجنوبية”.
ويعتقد باسم أن “عقلية الإقصاء التي انتهجتها الشرعية بالجنوب، ارتدت سلبًا على نظام هادي، وهو ما أضعفه وأضعف نفوذ حكومته، وانعكس مؤخرًا على أحداث عدن الدامية”.
أخطاء متلاحقة
من جهته، يرى رئيس المنتدى العربي للدراسات، نجيب غلاب، أن هناك أخطاءً متلاحقة في التعامل مع التكوينات الجنوبية الأكثر فاعلية والمؤثرة، وهي نتاج لتناقضات ذات جذور صراعية متراكمة، وحالة التهميش والاستبعاد والاقصاء، أشعلت النزاع، وأوصلته إلى المرحلة الراهنة.
ويقول في حديثه لـ”إرم نيوز”، إنه تم التعامل بـ”بمعايير مزدوجة، مع القوى المقاومة للمشروع الكهنوتي الحوثي الإيراني، وكان المفترض أن تتحول المعركة إلى مدخل لتجاوز التناقضات من خلال تنظيمها وإعادة بنائها، لتكون مصدر قوة للشرعية. لكن أطرافًا سياسية في الشرعية ظلت تتعامل مع الشرعية كبنية مغلقة، وحصرتها من خلال توزيع القوة لصالحها، وهذا خلق خللًا أدى إلى تنامي النزاع”.
واعتبر تشكيل المجلس الانتقالي، نتيجة طبيعية لمحاولة تكتيل قوة لإثبات الوجود وبناء قوة ضاغطة، وكان من المفترض أن يتم احتواؤه واستيعاب مطالبه وتحريرها من الاحتقان والغضب والشعور بالظلم، من خلال بناء شراكة تقوي من الشرعية ومعركتها”.
وقال إن الشرعية مطالبة بالمبادرة وتقديم رؤية لحل الإشكاليات بما يساعد على بناء المنظومة والاتفاق على القواعد الحاكمة وتوزيع القوة وتحديد وظائفها بما يحقق أهداف المعركة.
إصلاح المسار
المحلل السياسي، سعيد عبدالله، يعتقد أن إصلاح مسار الشرعية وتصويب اختلالاتها الهيكلية، ليس انتصارًا لطرف ما في الجنوب، وهزيمة لآخر، “بل إن إنجاز هذا المشروع هو انتصار للشمال والجنوب والجوار العربي ،الشقيق الحليف، والشريك في حماية المنطقة من مشاريع الدوحة، طهران وأنقره، الهادفة إلى نشر الانفلات والفوضى، وتثبيتها في أرض العرب للاستيلاء عليها”.
وقال إن “من الطبيعي أن يعادي هذا المشروع من أسماهم بـ “الانتهازيين”، إذ لا يهمهم سوى جني المصالح المادية الشخصية ولو على حساب الناس شمالًا وجنوبًا ، أو على حساب أمن الجوار العربي” .