فلوريس فان ستراتن: الجنوبيون الآن أقرب إلى هدفهم
من أهم ما نتج عما حدث في 28 يناير أن عدن أمست محور الاهتمام السياسي والإعلامي باعتباره متغيراً في رتابة إيقاع الحرب التي استعرت منذ هيمنة الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء وما تلاها من أحداث، على جبهات عديدة.
لم تكن عدن والقضية الجنوبية مثار اهتمام في المتناول الصحفي والإعلامي، حتى بعد أن أثيرت عاصفة الحزم والتدخل الإقليمي لاستعادة شرعية هادي إلى صنعاء التي تم تسليمها للحوثي في 2014 ظل الجنوب بلا قضية مثيرة للاهتمام فهو جزء من أطراف الحرب: الشرعية - الحوثي/عفاش - التحالف.
وحتى بعد أن تم تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي لم يتغير الأمر كثيراً فقد تم تكريس صورة نمطية عنه باعتباره ردة فعل على إقالة الزبيدي من محافظة عدن، ثم في أحسن الأحوال اعتباره ورقة ضغط إماراتية ليس أكثر.
لكن العالم استيقظ يوم 28 يناير على حدث مثَّلَ حداً فاصلاً بين لحظتين في مسار الأداء السياسي الجنوبي، إذ كان الموقف من حكومة بن دغر معبراً عنه باحتجاج سلمي لم تصطبر الحكومة على التعامل معه بكياسة، إذ قررت منع الاحتجاج بإعلان مستفز من وزير الداخلية، فلم يكن أمام المقاومة الجنوبية الوجه العسكري للمجلس الانتقالي، إلا أن خاضت معركة خاطفة، كانت تعبيراً عن صوتٍ عالٍ ظل مكتوماً لاعتبارات اللحظة الاستثنائية المرتبطة بمجريات الحرب التي يقودها التحالف الذي كان لدعمه يد في تمكين الجنوبيين من تحرير أرضهم من الحوثي العفاشي وقاعدتهما الإرهابية.
من أصداء ما حدث في عدن من تحول على الأرض، أظهر هشاشة الحكومة الفاسدة، و(مأزقها) في عدن التي أصبحت (ملجأ) لها - بتعبير إحدى الصحف الهولندية - منذ أن (طردها) الحوثيون من صنعاء لينتهي بها الحال محتجزة في القصر الرئاسي مخفورة بقوات التحالف.
مؤلف كتاب ( لندن: مكة المتعددة الثقافات على نهر التايم) فلوريس فان ستراتن محرر الشؤون الآسيوية في صحيفة NRC Handelsblad كتب مقالاً بصيغة سؤال ( هل يتشظى اليمن الآن أيضاً؟) وصف فيه لحظة رفع (الانفصاليين) علم الجنوب أمام قصر الرئيس مشيراً إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي يهدف إلى إقامة دولة جنوبية مستقلة.
وهو ما يهدد اليمن الذي جوعته الحرب بالانقسام شمالاً وجنوباً تماماً كما كان في القرن الماضي. ولا يخفي الكاتب دهشته من استيلاء الانفصاليين - الذين يريدون فك الارتباط عن الشمال - بشكل غير متوقع على معظم مدينة عدن الساحلية الهامة في جنوب البلاد ".
ويضيف:" ولم تتوقف قوات المجلس الانتقالي بعد قتال عنيف - خلّف 36 قتيلاً و185 جريحاً وفقاً للصليب الأحمر الدولي - إلا على عتبة قصر الرئيس هادي الذي أطيح به بالفعل في العاصمة صنعاء، والذي تحدث عن مقر إقامته الطويلة في العاصمة السعودية الرياض عن (انقلاب).."
وعن مصير حكومة بن دغر يقول الكاتب:" مازال رئيس الحكومة عبيد بن دغر وبعض الوزراء في القصر، ويبدو أن الأمر قد تم حسمه" إلا أن الكاتب يلفت إلى أن: " (انتصار الانفصاليين) قوبلَ بحماس من جانب الكثير من السكان على الرغم من المعارك الدموية فقد رقصت المئات ودعوا إلى استعادة دولة الجنوب المستقلة كما كانت بين عامي 1967-1990، وأطلق آخرون الألعاب النارية احتفالاً بهزيمة الحكومة الفاسدة غير المرحّب بها في عدن، والتي تتمتع بشرعية ضئيلة شعبياً رغم أن هادي مازال رئيساً معترفاً به من المجتمع الدولي".
ويضيء الكاتب تداعيات سقوط صنعاء بيد الحوثي عام 2014 وما يسميه طرد الحكومة بالفعل من العاصمة صنعاء ولجوئها إلى عدن، ومحاولة هادي منذ 2015 لاستعادة صنعاء بدعم عسكري سعودي، وما لاح لهادي وحليفته السعودية من أمل في ديسمبر / كانون الأول، عندما أعلن علي صالح، الذي كان حينئذٍ حليفاً للحوثيين، أنه سينتقل إلى معسكر التحالف، لكن الحوثيين - الذين تتهمهم السعودية بأنهم يتلقون دعماً من منافستها الإقليمية إيران - قتلوه قبل أن يتمكن من ذلك.
ويشير الكاتب إلى أن "ما حدث في عدن من تطورات لم يكن مفاجأةً لهادي وحكومته فقط، وإنما للسعودية أيضاً، فهي تهدد ما تبقى من مصداقية الحكومة بالتلاشي، وتزيد الأمر تعقيداً عما كان عليه بالنسبة للسعودية لإخراج الحوثيين من العاصمة صنعاء. ومن المؤلم للسعودية أيضاً أن (الانفصاليين) تدعمهم دولة الإمارات العربية المتحدة الحليفة لهادي والسعودية".
ويختم الكاتب مقاله مستدركاً بقوله :"لكن الجنوبيين لم يستفيدوا كثيراً من الوحدة اليمنية، ولقد حاولوا (الانفصال) بعد أربع سنوات عام 1994، لكن تلك المحاولة لم تنجح. أما الآن فيبدو أنهم أقرب إلى هدفهم".