الأحمر وبن دغر والإصلاح يرفضون تشكيل حكومة جديدة وامتصاص الغضب الشعبي في الجنوب
قالت مصادر سياسية يمنية إن تأخر الإعلان عن الحكومة اليمنية الجديدة يرجع إلى ممانعة لازالت تبديها أطراف نافذة في الشرعية تجاه أي مساع لتصويب أداء مؤسسات الشرعية وامتصاص حالة الغضب الشعبي المتفاقمة في جنوب اليمن، جراء ما يعتبره الجنوبيون فسادا مستشريا في مكونات الحكومة الحالية وضعفا في أدائها.
وأشارت المصادر إلى أن حزب الإصلاح ونائب الرئيس اليمني علي محسن صالح الأحمر، إضافة إلى رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، لازالوا يبدون رفضهم لتكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل حكومة كفاءات مصغرة.
وقالت مصادر مطلعة لـ "العرب" إن تصريح "المصدر الرئاسي" المزعوم، الذي روجت له وسائل الإعلام التابعة لحزب الإصلاح، والذي نفى وجود أي تغيير في الحكومة الحالية، لم يصدر بأوامر مباشرة من قبل الرئيس عبدربه منصور هادي، بل عملت على تمريره عناصر إخوانية تعمل في مكتب الرئيس بهدف استفزاز الشارع الجنوبي.
وعلى الرغم من حالة التوافق المحلية والإقليمية على إحداث تغييرات جوهرية في بنية الشرعية اليمنية ومؤسساتها من أجل استيعاب التحولات الأخيرة في المشهد اليمني والدفع باتجاه حسم المعركة مع الحوثيين، إلا أن العديد من الأطراف اليمنية لا تزال تعمل على ترسيخ وجودها التقليدي في مواجهة طموحات اليمنيين ومساعي التحالف العربي، متجاهلة الواقع الجديد على الأرض.
ويتعمد نائب الرئيس علي محسن ورئيس الوزراء بن دغر إطلاق تصريحات توحي بتشبثهما بمنصبيهما وتثبيت حضورهما الإعلامي، ومن ذلك ترويج وسائل الإعلام الحكومية لصدور توجيهات لبن دغر تقضي بصرف الرواتب للموظفين المدنيين والعسكريين، فيما لا يستدعي صرف الرواتب الشهرية مثل هذا الإعلان.
كما عاود الأحمر ظهوره الإعلامي في هذا التوقيت من خلال مقابلات مع وسائل إعلام سعودية تهدف إلى تسويق نفسه كشريك فاعل للتحالف العربي، عقب تسريب أنباء عن اعتزام الرئيس هادي تعيين نائب جنوبي له. ومن غير الواضح ما إذا كان النائب الجنوبي المزمع تعيينه سيحل محل الأحمر أو سيبقى كنائب ثان إلى جانبه.
وقال المحلل السياسي اليمني ياسر اليافعي لـ “العرب” إن هناك مساع يقوم بها بعض رموز الشرعية، وتحديدا علي محسن الأحمر وبن دغر، لعرقلة جهود التحالف العربي وإعادة الأوضاع إلى نقطة الصفر في عدن، وذلك من خلال رفض هؤلاء إحداث أي تغيير حقيقي في بنية الشرعية اليمنية، واستمرارهم في ممارسة الفساد والابتزاز السياسي.
ووصف اليافعي هذه الممارسات بـ“الخطيرة”، لافتا إلى حقيقة أنه “عندما يشعر أبناء عدن بخذلانهم، وبأن التغيير مجرد وعود فقط لامتصاص غضبهم، سيؤدي ذلك إلى تفجر الوضع مجددا في عدن”.
وطالب اليافعي التحالف العربي بسرعة التدخل لتغيير الحكومة “التي أثبتت فشلها في تطبيع الأوضاع في عدن وباقي المحافظات المحررة، كما فشلت في تحرير أي محافظة شمالية”، مضيفا أن “بقاء الحكومة والشرعية بوضعهما الراهن يؤثر سلبا على التحالف العربي ويؤخر الحسم ويعطي مساحة لميليشيا الحوثي للتحرك”.
وتخشى القوى التقليدية التي تحظى بنفوذ كبير داخل الحكومة الشرعية من أي قرارات قد تحد من سيطرتها السياسية والإدارية وتحالفاتها مع بعض القبائل، وتفضي بدخول أطراف فاعلة جديدة، كشريك حقيقي ومنجز كما هو الحال مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي فرض نفسه كقوة أمر واقع على الأرض من خلال شعبيته المتنامية في المحافظات الجنوبية، التي تمثل ما نسبته 90 بالمئة من الأراضي اليمنية المحررة.
*الإصلاح يتشظى
انعكست المتغيّرات العاصفة باليمن على حزب الإصلاح ممثّل جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية محلّيا، والذي لاحت عليه بوادر انقسامات واضحة بفعل تصارع تيارين داخله، أحدهما يحاول التمسّك بالعلاقة مع سلطة الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي والحفاظ على ما أحرزه من مكاسب بفضل تلك العلاقة، فيما لم يستطع الثاني التضحية بالعلاقة مع قطر رغم ما تفرضه عليه من إكراهات أبرزها التعاون مع جماعة الحوثي عدو الإخوان الذي مرّ إلى غزو صنعاء عبر هزيمة القوات المحسوبة عليهم في محافظة عمران شمالي العاصمة.
وتمثّل التيار الثاني الناشطة توكّل كرمان التي أحرجت مواقفها قيادة حزب الإصلاح واضطرّتها للتبرّؤ منها وإصدار قرار بتجميد عضويتها في الحزب.
واقتضت تصفية الحسابات التي مارستها قطر منذ سنة 2011 ضدّ الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتواصل اليوم ممارستها ضدّ دول التحالف العربي، أن تسخّر كرمان لخدمة المشروع الإيراني في اليمن ممثلّا بجماعة الحوثي.
واحتفت الجماعة المسيطرة على صنعاء بالانقسام في صفوف الإصلاح وقالت على لسان محمّد علي الحوثي رئيس ما يسمى "اللجنة الثورية العليا” في تغريدة على تويتر "لا يمكن أن ننسى ما قدمته توكل كرمان ونرجو منها المسامحة على سوء الظنّ. وهي الآن ترجع إلى أحضان الثوار".
وتشير تغريدة الحوثي إلى الدور الذي كانت لعبته الناشطة المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين في التحريض على الرئيس السابق علي عبدالله صالح لدى حصول انتفاضة ضدّ نظامه في فبراير 2011 وذلك إثر حصول تغيير في تونس ومصر في إطار ما سمّي بـ"الربيع العربي".
*خطف ثورة الشباب
وكان دور كرمان، وهي من مديرية شرعب في محافظة تعز، يتمثّل في تمكين الإخوان من خطف الانتفاضة التي كان وراءها شبان متحمّسون وتجييرها لمصلحة الجماعة على غرار ما حصل في تونس ومصر.
ولعبت قطر ومعها تركيا دورا في دفع توكّل كرمان إلى الواجهة وتسليط الضوء عليها من منطلق أنّها امرأة تواجه نظاما موجودا في السلطة منذ ثلاثة وثلاثين عاما، أي منذ العام 1978 تاريخ وصول علي عبدالله صالح إلى الرئاسة في ما كان يعرف باليمن الشمالي.
لكنّ سياسيين يمنيين يدركون تماما من كان يحرّك توكل كرمان، ولماذا حصلت لاحقا مع امرأتين أخريين على جائزة نوبل للسلام، وذلك لأسباب غير واضحة، لكنها تندرج في سياق تلميع قطر لصورتها. ويشير هؤلاء بشكل خاص إلى أنّه كانت لدى قطر حسابات ذات طابع شخصي تريد تصفيتها مع علي عبدالله صالح.
وتعود هذه الحسابات إلى أواخر العام 2008 عندما رفض الرئيس اليمني السابق حضور القمّة العربية التي دعا إليها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر في الدوحة لدعم حركة حماس في قطاع غزّة أثناء عملية “الرصاص المصبوب” الإسرائيلية على القطاع.
*غياب صالح
وحال غياب علي عبدالله صالح عن القمة بعد اتصال هاتفي تلقّاه من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، دون تحقيق المسعى القطري وتمّ تحويل القمّة إلى لقاء غير رسمي.
وكشف موقف صالح وقتذاك عن عجز الدوحة عن الحصول على الأكثرية العربية المطلوبة لتحقيق غايات مرتبطة بدعم المشروع الإخواني في قطاع غزّة وما يتجاوز هذا القطاع، أي في مصر.
وأثار تصرّف الرئيس اليمني السابق غضب حمد بن خليفة الذي توعّد بيوم يصفي فيه حساباته مع علي عبدالله صالح متذرعا بأنّه دعمه في الماضي يوم تخلّى عنه الجميع وأنّه وصل به الأمر في العام 1996 إلى حدّ الدعوة إلى ضمّ اليمن إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وأكّد هؤلاء السياسيون اليمنيون أن كلّ ما فعلته توكّل كرمان منذ العام 2011، وهي السّنة التي تعرّض فيها الرئيس اليمني إلى محاولة اغتيال، صبّ في مصلحة الحوثيين.
وأشاروا في هذا المجال إلى أنّ اضطرار علي عبدالله صالح إلى التنازل عن السلطة لنائبه عبدربّه منصور هادي في فبراير 2012 خلق فراغا سياسيا وعسكريا مكّن الحوثيين في نهاية المطاف من الاستيلاء على صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014. أمّا الحملة التي تشنّها توكل كرمان حاليا على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، فهي تصبّ في الاتجاه ذاته ولا تخدم سوى الحوثيين الذين يشكلون واجهة لإيران في اليمن.