لن يقبل الانتقالي بلعب دور الأقلية في الوضع الراهن


جاءت  الحرب اليمنية الأخيرة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وحركة أنصار الله (الحوثيين) والوضع في اليمن في حالة حرب باردة أحيانا ومشتعلة أحيانا أخرى، فانتقلت المنطقة جميعها إلى حالة الحرب المشتعلة حتى أصبحت إقليمية وواضحة المعالم، فقد توسعت جغرافيا وتولدت حروب متعددة، فلم تعد الحكومة اليمنية والحوثيون لوحدهم في الساحة اليمنية، بل ظهرت قوى سياسية وعسكرية جديدة (المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته المسلحة + المؤتمر الشعبي جناح أحمد علي وقوات طارق  + انشقاق الحكومة اليمنية بين الرياض وإسطنبول/قطر).

وفي نفس الوقت برزت خلافات في إطار التحالف العربي (أبرزها الخلاف مع قطر) وظهرت تحالفات جديدة إلى درجة أن الأطراف الأولى للحرب كادت أن تصل إلى درجة التحالفات فيما بينها (الحوثيين وإخوان اليمن) فجاءت بوارق أمل في عمليات سياسية هنا وهناك (الكويت، ستوكهولم، الرياض)، وحوارات  داخلية جمعت متناقضات مكونة منها أطراف متحالفة ومتناقضة في آن واحد تحاور أطراف أخرى متشظية متعاونة، فتعددت الأجندات والأهداف وتشعبت الرؤى، فتعقدت العملية السياسية وتشددت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا على أن لا تكون شرعية إلا هي وترفض أي شريك يتشرعن، بينما شرعيتها تتآكل، فأصبحنا أمام مشهد يصعب قراءته، ففي الشمال الحوثي وفي الجنوب الانتقالي وفي الشمال الغربي طارق وفي الشمال الشرقي والوسط إخوان اليمن وداخل كل جهة تشظيات.

 وتعددت الحروب لكن أهمها هي تلك الجنوبية الشمالية، ففي الشمال الإخوان مصدر الإرهاب والحوثي متحدان في الأجندة ضد الجنوب الذي يناضل من أجل حريته واستقلاله بقيادة مجلسه الانتقالي، فإن ظهر الحوثي ظهر معه العداء للجنوب، وإن ظهر الإخوان أصحاب مشروع عابر القارات الذي لا يرى وطنا ولا أوطانا إلا وطن الإسلام السياسي الواحد ظهر معهم العداء للجنوب، وإن طل علينا طارق من الشمال الغربي وعلى استحياء فلا يرى إلا الوحدة أو الموت.

وإن للتدخلات الإقليمية أيضا مظاهر متعددة فإن ظهر العثمانيون في شبوة أو المهرة أو شمال حضرموت أو أطلوا علينا من القرن الأفريقي أو شمال أفريقيا أو الفرس في صنعاء أو بيروت أو دمشق أو بغداد  ظهروا مكشرين على الجنوب العربي منكرين عنه وطنه وهويته طامعين في سواحله وممراته المائية.

وإن ظهرت الصين ومشرعها العظيم طريق الحرير نسمع الدبلوماسية الصينية في كل مرة تقابل قيادات في المنطقة تتحدث عن أهمية عدن وسقطرى (التي جن جنون دول إقليمية وقوى سياسية يمنية حين عادت سقطرى إلى حضن الوطن الجنوبي، ولازال أملهم في ميناء عدن وبقية موانئ الجنوب على بحر العرب القريبة من ميناء جوادر) وبنبرة وملامح لا تخفي  طموحات بلدها في المنطقة التي نتمنى أن تكون طموحات مشروعة مبنية على تبادل المصالح.

 وإن ظهرت أمريكا بأنيابها ومخالبها وكأنها تقول هنا منطقة نفوذنا،  ولا نعلم  عن صحة ما قيل عن  المناورات الروسية الصينية في خليج عدن.
وإن ظهر حليف أو نصير للجنوبيين تتعالى الصيحات لأعداء الجنوب عن أن هناك عودة للاستعمار القديم أو سحب شجرة دم الأخوين.

ومن على بعد نرى سد النهضة الحبشي وما يسببه من إشكالات لدول المصب مصر والسودان ويذوب ريقنا لستة آلاف ميجاوات التي سيولدها السد، وهل سيصلنا منها نفع؟ وهل سنشيد مدينتي النور على ضفتي باب المندب؟ وهل سنرى زوال مراكز النفوذ المتعددة عند الجيران وتأسيس دولة مؤسسات نستطع أن نتعامل معها ولا نكون ضحية لتجاذبات مراكز القوى أمام هذا الوضع؟ فلن يقبل المجلس الانتقالي أن يلعب دور الأقلية.
والسؤال الآن: هل الرياض ستضع المنطقة أمام عملية سياسية شاملة بمشاركة الكل لإنتاج حل شامل مستدام في جوهره استعادة الدولة الجنوبية المستقلة كاملة السيادة على حدود ما قبل 22 مايو 1990م؟
هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة.