فريق أوكسفورد بقيادة سارة غيلبرت يسعى لإنقاذ البشرية من كورونا

السبت 5 سبتمبر 2020 22:44:30
فريق "أوكسفورد" بقيادة سارة غيلبرت يسعى لإنقاذ البشرية من كورونا

تحملت سارة غيلبرت، أستاذة علم اللقاحات وفريقها في جامعة أوكسفورد، الرحلة الشاقة الهادفة ‏إلى تطوير لقاح سيساعد كما يؤمل في توجيه البشرية صوب الخروج من جائحة فيروس كورنا ‏المستجد (كوفيد-19) محوطين بعزلة عن الفوضى والتشويش اللذين أخلا بتوازن العالم، فاهتموا ‏بصبر وجد بالمهمة التي بين أيديهم‎.‎

وفي ضوء تحديات ضخمة، لم يكن ثمة مجال للراحة أو التلهي. وبحسب غيلبرت، "حين لا ‏تكون المهمة ضرورية، يجري إيقافها، وحين يكون المرء في وضع يتطلب القيام بأشياء قد ‏يكون لها أثر مهم، تتوجب على المرء مواصلة العمل‎".‎

ويستند حديثها إلى التجربة أيضاً، إذ إنها خبيرة بارزة في علم اللقاحات، وتملك تجربة 25 سنة ‏في تطوير لقاحات ضد الإنفلونزا ومسببات الأمراض الفيروسية الناشئة، إضافة إلى كونها أماً ‏لتوأم ثلاثي. وفعلاً، فبالرغم من قسوة العام الحالي التي أضنتها وحرمتها النوم، فإنها تعرف جيداً ‏مجالها‎.‎

ووفق غيلبرت (58 سنة)، "لقد تدربت على تلك الأمور، فأنا أم لثلاثة توائم". وتضيف أن ‏أولادها جميعاً باتوا الآن ملتحقين بجامعات. "إذا حصل المرء على أربع ساعات من النوم في ‏الليل، ولديه توأم ثلاثي فذلك جيد جداً. لقد مررت بهذه الحال‎".‎

ومع ذلك، جلب ظهور "سارس-كوف-2" الفيروس المسؤول عن الإصابة بـ "كوفيد-19"، ‏تحديات جديدة وأسئلة جديدة وأموراً غامضة جديدة توجب على غيلبرت وزملائها أن يكشفوها. ‏وعلى غرار كثيرين ممن يعملون في مجال مهنتها حالياً، وجدت غيلبرت نفسها مدفوعة إلى ‏الواجهة في جبهة جديدة‎.‎
إذ لم يحدث يوماً التوصل إلى تطوير لقاح بشري ضد أي من الفيروسات المنتمية إلى عائلة ‏كورونا. وتشير غيلبرت إلى وجود لقاحين بيطريين متكافئين ضد نوعين من فيروسات كورونا، ‏أحدهما يعطي مناعة ضد كورونا الذي يصيب الأبقار، والآخر يوازيه في التأثير بالنسبة للطيور، ‏وفي المقابل لا يمكن إنكار الطبيعة غير المسبوقة للتحدي الذي تواجهه غيلبرت‎.‎

ومع ذلك، فإنها تشدد على أنه "لم تبرز شكوك في شأن ما نحاول فعله" منذ أن تولى الفريق ‏التابع لـ "معهد جينر" في جامعة أوكسفورد العمل للمرة الأولى، ولم يتهدد مساره بالعرقلة إلا في ‏لحظات قليلة‎.‎

ومن المسلم به أن "عقبات تقنية برزت بالتأكيد"، وفي إحدى المرات عندما جرت محاولة إنتاج ‏دفعة ثانية من اللقاح في منشأة التصنيع التابعة لجامعة أوكسفورد باستخدام عملية جديدة للتنقية ‏‏"سارت الأمور في شكل خاطئ"، ولحسن الحظ مكّن عقد مع شركة مصنعة في إيطاليا، كانت ‏بالفعل تصنع دفعة أخرى من اللقاح نفسه، من ألا يتابع ذلك المسار المغلوط سيره إلى النهاية‎.‎

وفي سياق متصل، بعدما انتقل فريق غيلبرت بسلاسة قدر الإمكان من التجارب قبل السريرية ‏إلى المرحلة الأولى فالمرحلة الثانية، وليبلغ الآن المرحلة الثالثة التي يجري فيها قياس فاعلية ‏اللقاح في الحد من انتقال العدوى على مستوى المجتمعات المحلية، بات فريق غيلبرت في طريق ‏ثابت ومستمر في إنتاج لقاحه المسمى "إيه زد دي 1222" بحلول نهاية العام. وفي الوقت نفسه، ‏بدأت "آسترا زينيكا" التي تتشارك مع جامعة أوكسفورد لتصنيع اللقاح في إنتاج جرعات منه، مع ‏التزامها بصنع ملياري جرعة مع حلول الصيف المقبل. وبحسب غيلبرت فإن "الأمور تجري في ‏شكل جيد جداً على صعيد التوسع في الإنتاج‎".‎

وبطبيعة الحال، طرحت أسئلة عن سرعة تحرك غيلبرت وغيرها من علماء اللقاحات، وفي ‏العادة يستغرق تطوير لقاح واختباره والموافقة عليه سنوات عدّة، ومع ذلك كثفت عمليات كهذه ‏كي تنجز في غضون أشهر، وأعلن أحد زملاء غيلبرت هذا الأسبوع أن جامعة أوكسفورد قد ‏تضع البيانات الخاصة بتجربتها أمام الجهات التنظيمية بحلول نهاية العام‎.‎

بالرغم من ذلك، تصر غيلبرت على أن أياً من مراحل اكتشاف وصنع اللقاح لم تحرق، وإذا ‏حصل اللقاح على الموافقة فسيكون قد تجاوز بنجاح الضوابط والتوازنات اللازمة كلها، "لقد ‏تمكنا من إيجاد طرق لتوفير الوقت عند خوض العمليات العادية كلها، إذ عملنا مع الجهات ‏التنظيمية واللجنة الأخلاقية لتقليل الوقت الذي يستغرقه الحصول على الموافقة، لكن الموافقة ‏تشكل موافقة كاملة، ولا تفوت أي جانب"، وفق كلماتها‎.‎

وتشير إلى "إجراءات مسرعة" ساعدت في خفض أوقات الانتظار غير الضرورية. وبحسب ‏رأيها فإنه "عادة لا يمكننا أن نذكر التجربة ونطلب من كل شخص أن يفكر في المشاركة، بل ‏الموافقة على التجربة بالكامل، وهذه المرة سُمح لنا بالإعلان عن التجارب والاتصال بالناس". ‏وفحص الأفراد الذين أعربوا عن اهتمامهم وأُعدوا للتلقيح، ولم يحصل ذلك إلا بعد الحصول على ‏الموافقة، لذلك حصلنا على دفعة من الناس المستعدين للتلقيح، ولا يحدث ذلك في العادة‎".‎

وتوضح غيلبرت أيضاً أن فريقها كان مستعداً جيداً لهذه اللحظة قبل وقت طويل من ظهور ‏‏"كوفيد-19"، فقبل انتشار الوباء، طور مختبرها تكنولوجيا لصنع لقاحات ضد فيروسات قوية، ‏واستخدم هذا النهج فيروساً يصيب الشمبانزي خصوصاً ويحدث فيها نوعًا شائعاً من الأنفلونزا ‏يسمى "الفيروس الغُدّي‎" Adenovirus‎، بعد تعديله وراثياً كي يصير قادراً على نقل عناصر ‏معينة من فيروس ما مضر بالبشر، بهدف تحفيز استجابة مناعية ضرورية لهم‎.‎

وغطت أعمالها فيروسات تشمل تلك التي تسبب حميات "نيباه" و"لاسا" و"الوادي المتصدع‎" ‎Nipah, Lassa and Rift Valley fever، وكذلك وربما الأكثر أهمية بينها "متلازمة الشرق ‏الأوسط التنفسية" وهي مرض قاتل يأتي من أحد فيروسات كورونا. واستطرادً، ترى غيلبرت إن ‏الإطار كان موجوداً فعلاً، ما مكن فريقها العلمي من العمل على "سارس-كوف-2‏‎".‎

وأضافت، "عندما بدأت أرى تقارير عن تفشي المرض في الصين في بداية العام رأيت المرض ‏وفكرت هل سيكون هذا مرضاً ينبغي أن نصنع لقاحاً له؟" وجاء تفكيري ضمن التكنولوجيا ‏الخاصة بنا. وجرت أعمال كثيرة في التخطيط كي نتمكن قبل حلول هذا العام من صنع لقاح ‏لوباء، وأنجزت بحوث كثيرة نستطيع الآن الاستفادة منها، ولأننا نستعد منذ وقت طويل، تمكنا ‏لهذا السبب من أن نعمل بسرعة‎".‎

في المقابل، لم ترغب في أن تحرق المراحل، بل تصر غيلبرت بتواضع على أن "سرعتنا كانت ‏أقل من قدرتنا"، وتضيف، "لم تكن الاستعدادات كلها كاملة ولم يكن الوضع مثالياً، لكننا قمنا ‏بأفضل ما في وسعنا‎".‎

ومن المسائل التي يمكن أن تعرقل نظرياً الجهود الرامية إلى تلقيح البشر، ظهور طفرات جديدة ‏في "سارس-كوف-2". ففي حال حديثة لرجل من هونغ كونغ ثبتت إصابته للمرة الثانية، أثبت ‏العلماء أنه أصيب بسلالتين مختلفتين من مسبب المرض، ووجد تحليل أوثق 24 فارقاً بين ‏الجينوم الفيروسي الأول والثاني‎.‎

ولم يكن ثمة ما يشير إلى أن النسخة الجديدة للفيروس تملك قوة مرضية أكبر أو مقدرة أكثر في ‏نشر العدوى، فبالرغم من كل شيء تشير البيانات الحديثة إلى أن مسبب المرض أصبح أقل فتكاً، ‏لكن من المستحيل معرفة كيف ستتفاعل نسخه المستقبلية مع جسم الإنسان‎.‎

ومع ذلك، فإن غيلبرت واثقة من أن "سارس-كوف-2" لن يتطور إلى درجة تجعل لقاحها غير ‏مجد، وتوضح ذلك الأمر، "تنشأ الطفرات بمعدل منخفض جداً في فيروسات كورونا، ومع كل ‏الطفرات التي عثر عليها حتى الآن، ليس ثمة ما يشير إلى أن الأجسام المضادة المحيّدة (بمعنى ‏إنها تلك التي تعمل على موازنة تأثير تلك التي ينتجها الفيروس) تستمر في قدرتها على تحيّدها، ‏ولا أعتقد بأننا سنرى خلال العام المقبل الفيروس يتغير في تركيبته ويتحور إلى مستوى يمنع ‏اللقاحات من النجاح في التصدي له. قد يتحور كثيراً على مدى سنتين أو ثلاث سنوات، ما ‏يخفض إلى حد ما فاعلية اللقاح الذي يصنع ضد الفيروس المنتشر راهناً، ومن ثم قد نقرر أن ‏تغيير التسلسل في اللقاح سيكون شيئاً جيداً‎".‎

وفي المقابل، لا ينسحب هذا المستوى من التفاؤل تماماً على طول عمر الاستجابة المناعية التي ‏أثارها "إيه زد دي 1222". فبالرغم من أن نتائج التجارب الأولية أظهرت أن اللقاح يدرب ‏الجهاز المناعي للبشر على إنتاج أجسام مضادة وخلايا دم بيضاء قادرة على مكافحة الفيروس، ‏ثمة مخاوف من أن تتلاشى هذه الحماية مع مرور الوقت، ما يسمح بإعادة انتشار "سارس-‏كوف-2" بين الكتل السكانية‏‎.‎

وعلى نحو مماثل، من غير المعروف حالياً ما الذي يشكل الحد الأدنى في مستوى المناعة ‏للوصول إلى الحصانة ضد الفيروس الذي سيجري تجاوزه، إذ لا يوجد مقياس موحد معيارياً ‏لإجراء مقارنات معه‎.‎

وفي الصدد ذاته، تشير غيلبرت إلى أنها "وفريق العمل لا نعرف مستوى الاستجابة المناعية التي ‏نحتاج إليها لحماية أي شخص من الفيروس في المقام الأول، ثمة تأخر في تطوير المقايسات، ‏وعادة يجري توحيد المقايسات قبل بدء المرحلة الثالثة من التجارب حتى نتمكن من قياس ‏الاستجابات المناعية، لكننا لسنا متأكدين مما نقيسه‎".‎

وأضافت، "إذا ثبت أن لقاحاً ما فاعل فسيرغب مطورو اللقاحات جميعاً في مقارنة الاستجابة ‏المناعية التي يحصلون عليها بلقاحاتهم ومعرفة إذا كانت الاستجابة استقرت أو ازدادت أو ‏نقصت، لكن ليست لدينا المقايسات التي تمكننا من المقارنة والتي تعطينا هذه المعلومات في هذه ‏المرحلة. وبمجرد أن نعرف مستوى الحد الأدنى من رد الفعل المناعي الكفيل بتوفير الحماية، ‏يمكننا بعد ذلك متابعة قياس الاستجابة المناعية عبر أخذ عينات من الدم، ونرى الوقت الذي ‏تستغرقه الأجسام المناعية المضادة كي تنخفض إلى ما دون هذا المستوى من الاستجابة‎".‎

وفي الوقت الراهن، تواصل غيلبرت مراقبة التقدم المحرز في تجارب المرحلة الثالثة التي تجري ‏في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والبرازيل وجنوب أفريقيا، بينما تقود البحوث الجارية في ‏جامعة أوكسفورد. ويتمثل القرار الكبير التالي الذي يجب أن تتخذه مع زملائها في تحديد موعد ‏‏"إماطة اللثام عن التجربة"، على حد تعبير العاملين في القطاع‏‎.‎

وفي تلك المرحلة، سيتولى إحصائيون في جامعة أوكسفورد احتساب عدد المشاركين الذين أثبتت ‏الفحوص إصابتهم بـ "كوفيد-19"، وبمجرد أن يعتقد الباحثون أن لديهم ما يكفي من الحالات ‏سيكشف عن الأفراد الذين حقنوا باللقاح، وأولئك الذين تلقوا لقاحاً ضد فيروس التهاب السحايا، ‏بمعنى أن من يتلقى اللقاح لم يكن يعرف أي اللقاحين دخل جسمه. وبالتالي فستكون عملية ‏اكتشاف فاعلية اللقاح أسرع عندما يكون معدل انتقال المرض أعلى في المجتمع المحلي الذي ‏يأتي منه الأفراد الذين يتلقون اللقاح تجريبياً‎.‎

ووفق توضيح غيلبرت، "كلما ازدادت الحالات التي يحصل عليها المرء قبل التدقيق، يزداد تأكده ‏من مدى فاعلية اللقاح، سواء أكانت منخفضة أو مرتفعة. وينتقل المرء من القدرة على القول ‏نعم، يبدو أن اللقاح يؤتي نتيجة لكننا لا نعرف حقاً مقدارها، إلى الدقة الشديدة حول فاعلية اللقاح ‏والقول إنها تبلغ 70 في المئة مثلاً، لكن من غير المسموح للمرء أن يستمر في التدقيق، فهذا ما ‏تنص عليه القواعد‎".‎

وبطرق كثيرة يبدو توقيت موعد "إماطة اللثام" نوعاً من المراهنة، لاسيما مع الاعتماد الشديد ‏على هذه التجربة. وبالرغم من أن الوقت أساسي يحمل إعلان النتائج قبل الأوان إمكان ألا تشعر ‏الجهات التنظيمية بالرضا عن النتائج، وفق غيلبرت. وتضيف، "إن قرار إماطة اللثام قرار ‏صعب، ولم يتخذ بعد في تجربتنا، وثمة منفعة في المعرفة المبكرة بأن اللقاح ينجح أو لا ينجح، ‏والحصول من ثم على ثقة أكبر في المستوى الفعلي من الفاعلية‎".‎

وبالرغم من جهودها في إدارة التوقعات، ثمة ثقة عالية في اللقاح، سواء أكان ذلك صواباً أو ‏خطأً. في ذلك السياق، قدمت المفوضية الأوروبية 336 مليون يورو (401 مليون دولار) قبل ‏أيام كدفعة أولى لتأمين ما لا يقل عن 300 مليون جرعة من اللقاح، وانضمت بذلك إلى دول ‏كالولايات المتحدة وألمانيا والهند في تقديم طلبات مسبقة‎.‎

وغيلبرت نفسها واثقة من أن لقاحها، إلى جانب لقاحات أخرى قيد التطوير، ستثبت في نهاية ‏المطاف فاعليتها. وبحسب غيلبرت، "في ضوء الفرضيات الأولى ثمة احتمال جيد جداً لأن ‏تتوفر لدينا لقاحات متعددة ضد فيروس كورونا" إذا أنجزت جامعة أوكسفورد تلك المهمة، ‏‏"وستنجح لقاحات أخرى أيضاً"، وفق غيلبرت‎.‎

ولا شك في أن إرث هذه الجائحة سيكون عميقاً، إذ سيغير نسيج مجتمعنا لسنوات مقبلة. فقد ‏جرى تعلم دروس، أو لم يجر تعلمها في حال بعض البلدان، وجرى تذكير البشرية بهشاشتها في ‏مواجهة الطبيعة. في المقابل، تشير غيلبرت إلى أن هناك دائماً مزيداً من العمل الذي يتعين ‏النهوض به، ومزيداً من التقدم الذي يتعين إحرازه في هذا المجال‎.‎

وتقول "آمل في أن يكون من الواضح الآن للناس في شكل عام أن اللقاحات تستحق الاستثمار ‏فيها، فقد كان من الصعب الحصول على الاستثمار لصنع لقاحات جديدة ضد مسببات الأمراض ‏المتفشية لأن ثمة دائماً شيئاً آخر يجب إنفاق المال عليه، لكننا رأينا الآن الأثر المدمر الذي يمكن ‏أن يحدثه فيروس، وآمل أن نتمكن من تصحيح الميزان‎".