الجنوب ومتطلبات المرحلة.. الالتفاف حول الحامل السياسي
طالما كان حلم كل جنوبي أن يرى حاملاً سياسيًا يعبرعن تطلعاته بعد مسيرة نضالية سلمية صعبة قدم خلالها شعب الجنوب أغلى التضحيات من دماء أبنائه ومعاناته وآلامه منذ “احتلال” قوات الشمال للجنوب في صيف 94.
لم يكن وجود حامل سياسي مطلبًا وطنيًا جنوبيًا وحسب، بل كان ضرورة سياسية ملحة ليطل من خلاله على العالم في صورة الممثل لتطلعات شعب الجنوب في الإقليم والعالم.
اعتاد العالم والإقليم على رؤية المظاهرات المليونية التي تخرج لتعبر عن أهدافها في استعادة الدولة الجنوبية المختطفة وينضوي في إطارها وتحت مظلتها جميع منتسبي الحراك الشعبي السلمي بمكوناته المختلفة وجميع شرائح المجتمع الجنوبي الأخرى التي تذوب جميعًا في تجمع مذهل ترمي وراءها كل خلافاتها وصراعاتها البينية والذاتية …..لقد كانت جماهير الحراك أشد وعيًا ونضجًا من النخب السياسية الجنوبية لذا وفي لحظة تاريخية فارقة أعلنت في مليونيتها في الرابع من مايو 2017 إعلان عدن التاريخي بالتفويض لإنشاء كيان سياسي جنوبي ليحمل القضية الجنوبية وتلى ذلك مليونية 21 مايو 2017 والإعلان عن قيادة المجلس الانتقالي مفوضًا عن الإرادة الشعبية الجمعية.
هناك خلط بين مهام المجلس الانتقالي ككيان جنوبي يمثل إرادة شعب الجنوب ومهام الشرعية والتي منذ الوهلة الأولى أعلنت رفضها لقيام هذا الكيان ومارست نفوذها في التشويش عليه بل ووضعت أمامه كل العراقيل لإفشاله وتحميله كل فشلها السياسي والعسكري في إدارة المناطق الجنوبية المحررة ….. هذا الموقف ليس بجديد بل كان متوقعًا لسبب بسيط أن هذه الشرعية تعتبر نسخة طبق الأصل لتحالف نظام صنعاء الذي أحرق أخضر الوحدة اليمنية ويابسها في غزوه للجنوب صيف عام 94، والذي تعامل مع الجنوب كغنيمة حرب ويعرف القاصي والداني ما تعرض له الجنوب من تدمير ممنهج لبنيته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما في ذلك ضرب هويته السياسية والاجتماعية وإخراج الجنوب من معادلة الشراكة السياسية نهائيًا والذي كان نتاج ذلك ظهور الحراك الشعبي السلمي الجنوبي معبرًا عن رفضه للاحتلال منتفضًا من أقصى الشرق إلى أقصى غرب الجنوب مقاومًا لوحدة الضم والإلحاق.
ومن المفارقات العجيبة أن يتربع على رأس الشرعية ومفاصلها المختلفة قيادات جنوبية وهنا تكمن المعضلة التي يواجهها الجنوب وهذه القيادات هي التي تتصدى لتطلعات الجنوب خدمة لتحالف صنعاء، وهذا ما يلمسه كل جنوبي ومع كل ذلك فالنخب الشمالية تقول لنا وللعالم إن الشرعية جنوبية وماذا تريدون يا جنوبيين أكثر من ذلك وهم يعرفون أن وضعهم في تلك المواقع ليس لأنهم مختارون بإرادة شعب الجنوب أوغير ذلك ولكن دورهم الأساسي المرسوم كحصان ترواده من أجل إبقاء الجنوب تحت الهيمنة الشمالية وهم ينتسبون لأحزاب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح وينفذون أجندات تلك الأحزاب.
لكن هل سأل أي جنوبي نفسه لماذا جميع الشماليين بمختلف مذاهبهم السياسية يمينية كانت أو يسارية دينية أو طائفية قبلية كانت أوعسكرية مثقفين أو مواطنين عاديين تجارهم مع مشائخهم متوحدون حول الجنوب وقضيته واعتباره جزءًا لا يتجزأ من ممتلكاتهم والجميع متفق على استمرار ضمه وإلحاقه بهم برغم خلافاتهم البينية العميقة إلا أنهم على استعداد لتركها خلفهم من أجل أن يبقى الجنوب تحت إدارتهم، بينما الجنوبيون متفقون على كثير من القضايا بما في ذلك تحقيق هدف استعادة دولتهم لكنهم غارقون في صراعات ثانوية يغلب عليها الطابع الذاتي والمناطقي وتجدهم كالثيران الإسبانية إذا لم يجدوا حلبات للصراع اخترعوا لهم حلبات أخرى بما في ذلك المصارعة في الشوارع كما نشاهد ذلك في الأفلام الإسبانية …..حان الوقت لكي يفيق الجنوبيون من غفلتهم فالمرحله الراهنة حساسة لا تتطلب ضياع الوقت والفرص ويتم تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية والذاتية ومصلحة الوطن على المصالح المناطقية الضيقة.
الكرة الآن كما يقولون في ملعب الجنوبيين، ويتطلب الموقف توجه الجميع نحو هدف استعادة الدولة الجنوبية المستقلة وترك الخلافات الثانوية والخوض في تفاصيلها ودعم الكيان السياسي الذي فوضته الإرادة الشعبية لقيادة المرحلة الانتقالية، وبالمناسبة قد تكون هناك ملاحظات حول التكوين أو عدم استيعاب البعض في تشكيلاته أو تكون هناك ملاحظات حول دور وأداء البعض من القائمين عليه، كل ذلك وغيره يمكن أن يكون موجودًا، وهم بشر مثلهم مثل غيرهم وليسوا ملائكة، وفي هذه الحالة يطلب من الجميع أن يساهم في تقديم النقد البناء وتصحيح أي اعوجاج وهذا حق مشروع لكل مواطن جنوبي وعلى المجلس وقياداته أن تستوعب أية ملاحظات أو اقتراحات لتحسين الأداء واستيعاب البعض وتوسيع المشاركه فيه ليشمل كافة أطياف المجتمع الجنوبي بهدف تفعيل كل الطاقات الجنوبية ولكي يكون المجلس فاعلاً ومؤثرًا في الحياة السياسية وصوته مسموعًا في كل الأرجاء ويتم ذلك بانفتاح ورحابة صدر من الجميع دون شطط أو تخوين من أي كان، فالجنوب بيت الجميع هذا هو الطريق الصحيح والآمن للوصول إلى الهدف المنشود وإن وجد البعض يغرد خارج السرب علينا التعامل معه برفق وعناية بهدف إعادته إلى السرب لكي يغرد داخله وأن نتعلم عمليًا ممارسة احترام الرأي الآخر قولاً وفعلاً، وهنا تقع مسؤلية جسيمة على قيادة المجلس الانتقالي بأن تظل أبوابه مشرعة لأي نقد أو مقترح وعليه أن يضع خارطة طريق يحدد فيها مهامه والأساليب لتنفيذها وأن يعتمد على جماهيره من مكونات الحراك ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والهيئات والمجالس الأخرى التي كانت قائمة وكلها روافد عظيمة تشكل الحاضن الأساسي له يعتمد عليها في تنفيذ المهام ….. نريد أن نخلق توافقًا شعبيًا حول هدفنا الرئيسي وهو استعادة الدولة ولا يعتقد البعض أنه بمجرد قيام المجلس سيتحول إلى مؤسسة بيروقراطية يغرد خارج حاضنته الشعبية وأنه يستطيع أن يصل إلى الهدف …….ولينتبه الجميع، فمازالت هناك مطبات كبيرة وعوائق أمامنا ولن نتخطاها إلا بحشد كل طاقاتنا الجنوبية دون استثناء أحد إلا من أراد أن يغرد خارج سرب الجنوب فهذا شأنه الشخصي.
تشكلت آلة إعلامية ضخمة موجهة ضد الجنوب ومشروعه السياسي وتعمل على مدار الساعة، تنفث سمومها لزرع الخلافات ببن الحنوبيين وتعميقها، وأيضا تزرع الشكوك بقدرة الجنوبيين على إدارة شؤونهم السياسية وتبشر العالم بأن الجنوبيين مختلفون ومسلوبو الإرادة وأنهم غير قادرين على جمع كلمتهم وأنهم يحملون مشروعًا سياسيًا فاشلاً سيسبب كوارث للإقليم والعالم ويروجون لأن يكون الجنوب بؤرة للإرهاب، وفي حال توفرت لديهم دولة سيكونون مصدرين للإرهاب إلى العالم والإقليم وهكذا يتم تسويق بضاعتهم للآخرين وبهدف تخويف الإقليم والعالم من الوقوف مع الجنوب، وآخر تلك الشائعات الرسالة التي أرسلت إلى مجلس الأمن من قبل حكومة الشرعيه تشير إلى وجود مليشيات خارجة عن إطار الدولة في الجنوب وحددت بالاسم وهذا يدل على شمولية الهجمة الإعلامية التابعة لتحالف صنعاء مع توجه الشرعيه ضد الجنوب، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه في توصيف موقف الشرعيه تجاه الجنوب، لهذا نقول نترك الخلافات الجنوبية الجانبية ونتوجه جميعًا إلى لم شمل الجميع في جبهة وطنية موحدة وهذه مسؤلية مشتركة يتصدرها المجلس الانتقالي بصفته يعبر عن الإرادة الشعبية وأيضا بقية المكونات الجنوبية والطيف الاجتماعي الجنوبي قاطبة في تلاحم حقيقي يتم فيه تغليب المصلحه الوطنية على المصالح الضيقة، وفي المقابل لو نظرنا إلى الخارطة السياسية والاجتماعية في الشمال نجدها أكثر تمزقًا واختلافًا وبالذات بعد الانقلاب والسيطرة على الدولة ومقدراتها العسكرية والاقتصادية وتحريك الآلة العسكرية لإعادة السيطرة على اليمن بالقوة العسكرية وفرض نظام طائفي سياسي وثقافي واجتماعي على الشعب اليمني، هذا بحد ذاته يخلق تصدعًا في كامل المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية الشمالية، ويسقط العقد الاجتماعي بين مختلف الفئات، وتعود الأمور إلى نقطة الصفر إلى ما قبل ثورة سبتمبر وما نتج عنها من مخرجات ناهيك عن الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني الأخير، والذي تم نسفه من قبل ذلك التحالف الانقلابي وتم قلب الطاولة على الجميع، و آلت الأمورإلى ما آلت إليه من نتائج تدميرية في الأرواح والممتلكات العامة والخاصه وتشريد الملايين ووقف عملية التنمية ومعيشة المواطنين، وكل هذا يضاف إلى المظالم التي تعرضت لها مجتمعات تهامة وتعز وأب وغيرها من المحفظات الشمالية، لا أحد يتصور مدى الصراع المستقبلي بين الانقلاب الطائفي وبين كل المجتمعات في الشمال وكيف ستتم معالجة هذه الهوة والوصول إلى الحلول التي لاأحد يعلم مداها وسقفها خاصة أن الحرب مازالت مستمره بين الأطراف، ولهذا كل النخب الشمالية تعيش في مأزق حقيقي لكنها تحاول أن ترمي حمولتها على الجنوب ومشروعه السياسي الذي حسم امره وغيرمستعد لأن يتحمل وزر حمل الشمال المليء بالمتناقضات، التي يصعب حل بعضها لأن المكونات الاجتماعيه لا زالت متمسكة بوضع ما قبل الدولة وأثبتت الوقائع الأخيرة ونجاح الانقلاب على الأرض وفشل الشرعية في تحقيق أي نصر يؤكد صحة ذلك وكل محاولات الشرعية طمس هذه الحقيقة بافتعال عراقيل كثيرة في المناطق الجنوبية المحررة والعمل بشتى الطرق لسرقة نصر الجنوب من أهله لن يزيد الجنوبيين إلا إصرارًا على تماسكهم وتحقيق هدفهم.
وفيما يخص التسوية نسمع عن تصريحات تصدرمن هنا وهناك حول طابع التسوية ومصدرها النخب الشمالية في الشرعية بأن تسوية القضية الجنوبية ستتم بعد إعادة الشرعية والقضاء على الانقلابيين وحتى بعض الدول في الإقليم والعالم تتماهى مع هذه النظرية ومع معرفة الجميع بأن الشرعية لم تكن جادة في القضاء على الانقلابيين ولو كانت جادة لما وصلت الحرب إلى سنتها الرابعة، وستظل على هذا المنوال حتى تتمكن من إعادة السيطرة على الجنوب تراوح في مكانها من مرتبة إلى أخرى ومن جبل استراتيجي إلى آخر رغم الدعم المهول الذي تقدمه دول التخالف لها، وهنا نود أن نشير إلى عدم صحة وصوابية ذلك النهج فالجنوب لديه استعداد للاشتراك في المفاوضات المباشره كطرف رئيسي فاعل على الأرض وهناك الكثير من القضايا العالقة وتتطلب حسمًا، منها على سبيل المثال استعادة الجيش والأمن الجنوبي الذي سرح قسراً بعد حرب 94، وهذا لم يكن مطلبًا جنوبيًا بل مطلبًا إقليميًا لخلق توازن القوى كون هناك ثلاثه جيوش في الشمال حال وقف الحرب ستتحد معًا وهي جيش المؤتمر الشعبي العام وجيش الإصلاح في مأرب وجيش الحوثيين في صنعاء في إطار التسوية سيشكل تهديدًا للأمن والسلام الإقليمي، كما أن إعادة آلاف المدنيين الجنوبيين إلى أعمالهم ومصانعهم وشركاتهم التي نهبت عنوة بعد الحرب وإعادة ممتلكات الدولة الحنوبية التي تم التصرف بها خلافًا للقانون وإعادة ممتلكات الجنوبيين الخاصة التي صودرت بعد الحرب الأولى مع التعويض المادي والمعنوي لكل من تضرر من الإجراءات التعسفية التي مارستها سلطة الاحتلال وكثير من القضايا التي سيحملها المفاوض الجنوبي وهي ملفات متنوعة، وفي هذا الصدد يطلب من المجلس وهيئاته البدء الفوري في إعداد الملفات على أن يشرك كل كادر الجنوب المقتدر كل في مجال اختصاصه وتعتبر مثل هذه المهمة من أولياته المباشرة.
إن مستقبل الجنوب المشرق لابد وأن تظهر بشائره في كيفية التعامل فيما بيننا كجنوبيين وأن يستعد الجميع للانخراط في ورشة عمل وطني يساهم كل حسب إمكانياته في رسم خارطة الطريق نحو المستقبل، وبالعمل الدؤوب والمخلص ونكران الذات سنحقق بإذن الله كل أهدافنا المشروعة.