تركيا وجماعة الإخوان.. ورقة الطلاق

الإجراءات التي اتّخذتها تركيا بحق العناصر الإخوانيّة المتواجدة في تركيا، بدأ من قرار اقتصار القنوات الإخوانيّة على الشأن الثقافي والاجتماعي بعيداً عن الحديث عن الشؤون السياسية، مروراً بتجميد طلبات تجنيس العناصر الإخوانية، وصولاً إلى وضع بعض القيادات الإخوانية قيد الإقامة الجبرية. لا شك أنّه تحوّل مهم في العلاقة بين تركيا والجماعة الإخوانية التي ظلّت أحد أدوات قوة تركيا الناعمة في منطقة الشرق الأوسط، كما قال ذلك ياسين أقطاي، وهو مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. الطلاق

عند النظر لأهمية الجماعة الإخوانيّة بالنسبة لتركيا، بعيداً عن العلاقة التاريخية المتجذّرة لحزب العدالة والتنمية، الذي يعدّ أحد مخرجات جماعة الإخوان في تركيا، والذي انشقّ من حزب الفضيلة الإسلامي الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان، والذي تغذّت هذه الأحزاب على الفكر الإخواني، وبالتالي نجد أنّ جماعة الإخوان بالنسبة لتركيا هي أحد أعمدة مشروعها (الشرق الأوسط الجديد)، الذي تطمح فيه تركيا للسيطرة على الدول العربية التي يحكمها تنظيم الإخوان، وبالتالي مرحلة الطلاق التي تعيشها تركيا والإخوان هي اعتراف من تركيا بفشل مشروعها التوسّعي والوصول إلى قناعة متأخرة، بأنّ إمكانية إيصال الإخوان إلى الحكم مرة أخرى خطوة من الصعوبة تحقيقها.

الأمر الآخر الذي دفع تركيا لأن تكتب “ورقة الطلاق” مع الجماعة الإخوانيّة، هي محاولة إيجاد مخرج من حالة العزلة المتصاعدة التي تعيشها تركيا والأزمات الاقتصاديّة والسياسيّة التي باتت تعيش تحت وطأتها، وبالتالي وجد أردوغان بأنّه لا سبيل من إصلاح علاقات تركيا مع دول الثقل في المنطقة، وهي (السعودية ومصر)، وبالتالي يقدم الإخوان قرباناً للخروج من حالة التدهور السياسي والاقتصادي التي تعيشها تركيا، وبالتالي فهنا تؤكد تركيا بأنّها ليست ندّاً للدول ذات الثقل في المنطقة حتى تستمرّ في التصادم معهم، وأيضاً اعتراف منها بأنّ بناء سياساتها في الفترة السابقة “بالرهان على الإخوان” جعل تركيا تعيش في وضع فاتورته السياسية والاقتصادية باهضه جداً.

الأمر الآخر، تعتقد تركيا بأنّ الانفصال عن الجماعة الإخوانية واتخاذ تدابير قاسية تجاههم، يمكن أن يساهم إلى حد كبير في كسب التودد لدول الثقل العربي (مصر والسعودية)، وبالتالي سيدفعها لأن تنتهج سياسة “أكثر مرونة” اتجاه ملفات إقليمية، مثل الملف الليبي وملف التوترات التركية مع اليابان وقبرص، بخاصة بعد تصاعد الدعم السياسي والعسكري المصري والسعودي لليونان في الفترة الأخيرة. لاشك أنّ ذلك كانت حسابات تركية فاشلة، وهي خطوة أدركت السياسة المصرية حقيقتها السياسية التي قد تهدف لتوظيف الإخوان ورقة سياسية في مقابل ملفات إقليمية أكثر أهمية لتركيا في هذه المرحلة، ما جعل مصر تصرّح بأنّه لن يتم عقد اتفاق مع تركيا في شرق المتوسط قبل حلّ مشكلات تركيا الحدودية مع قبرص واليونان.

أيّاً كانت الأهداف التركية خلف الخطوات التي اتّخذتها تجاه علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين، تبقى هذه الإجراءات انتصاراً للسياسة المصرية، وأيضاً مكسباً، وامتداداً لعدة مكاسب حققتها ثورة الـ30 من يونيو، التي أسقطت جماعة الإخوان وجعلتها (فكرة وتنظيماً) في حكم الماضي لا يمكن أن يكون لها حضور في مستقبل المنطقة، وبالتالي فهذه الخطوات هي اعتراف من قبل نظام أردوغان بشرعيّة النظام المصري القائم برئاسة عبد الفتاح السيسي، بعد أن كانت تركيا تنتهج سياسة كانت قائمة على التشكيك دائماً بشرعية النظام المصري، وتصف ثورة الثلاثين من يونيو 2013، بأنّها (انقلاب عسكري).