في الذكرى الأولى لاغتياله: الشهيد النبيل..له من اسمه نصيب
د. علي صالح الخلاقي
- أهمية وصول الرئيس عيدروس الزبيدي إلى مركز القرار الدولي
- (أبو اليمامة) القائد الشهيد الأكثر حضوراً
- لا تغضب
- تهانينا للمَهْرَةِ بولادة جامعتها
الشهيد نبيل القعيطي- الذي نالته رصاصات الغدر أمام منزله في الثاني من شهر يونيو 2020م، عن عمر لم يَتَعَدَّ 34 عاماً- له من اسمه نصيب فقد عُرف بنُبله وسُمُوّ أخلاقه، وبوجهه البشوش الذي لا تفارقه الابتسامة التلقائية المحببة وغير المصطنعة، وبتواضعه الجم ونقاء سريرته بشهادة كل من عرفه أو عايشه أو عمل معه من زملائه، وهو ما انعكس في الكم الهائل من غُصَصَ الحزن والأسى التي تركها رحيله في نفوس الجميع وما برحت تخيم على كل محبيه- وما أكثرهم- كلما ذُكر اسم نبيل، رحمة الله تغشاه وطيَّب ثراه.
الشهيد نبيل القعيطي.. حفر اسمه في ذاكرة الصحافة المحلية والعربية والعالمية، حياً وهو يصول ويجول بكاميرته التي اختارها لينقل الحقائق، ثم اشتهر أكثر وذاع صيتُه بعد اغتياله غدراً، بما أثاره استشهاده من موجة استياء واستنكار على نطاق واسع محلياً وعربياً ودولياً، لم يسبق لغيره أن بلغ رحيله مثل هذا التأثير..إذ تردد صدى استشهاده في كثير من الصحف العربية والعالمية وبالقنوات الفضائية وبلغات عديدة، تعكس عظم المصاب الجلل، والخسارة الفادحة التي تركها الشهيد باستشهاده غدراً أمام منزله وبالقرب من أسرته وأطفاله، وهو ما لم يكن يتوقعه أحد، فالعدسة التي يحملها لا تمثل خطراً قاتلاً، وليست فوهة مدفعية أو دبابة، وقلب حاملها لا يحمل الضغينة لأحد، بل يبادل الناس ابتسامته المعهودة التي لا تفارق شفتيه.
لكن يبدو أن هناك من رأى في عدسة كاميرته أقوى من فوهة مدفع لما لها من أثر في إظهار الحقيقة التي لا يريدون لها الظهور، لا سيما من جبهات القتال التي كان يتنقل فيها في الخطوط الأمامية بجسارة وإقدام، غير عابئ بالمخاطر، لينقل الحقيقة إلى قنوات العالم، وظلت مادته الإعلامية مصدراً تتناقله القنوات.
نبيل القعيطي..شاب جنوبي، متواضع، لم تتح له الفرصة لإكمال تعليمه، فشق طريق النجاح بعصاميته ومثابرته، وعمل في أعمال خاصة لإعاشة الأسرة، حيث التحق للعمل في محل لبيع قطع غيار سيارات، وبيع وشراء الحديد الخردة، لكنه مثل كل شباب الجنوب لم يقف متفرجاً أو مكتوف الأيدي حينما هبت انتفاضة الشعب الجنوبي السلمية، فاتجه إلى الساحات، وتقدم الصفوف ليوثق بعدسة تلفونه البسيط عنفوان الشعب وغضبه وما رافق ذلك من جرائم الاحتلال وصنوف القمع تجاه انتفاضة شعبنا السلمية منذ عام 2007م، وحينما رأى أهمية وتأثير ما كان يقوم به من نقل مباشر للصور الحية في وسائل التواصل على مستوى الداخل والخارج لإيصال صوت شعبنا المطالب بحريته واستقلاله واستعادة دولته من براثن عصابة الغدر في صنعاء، حتى تشجع أكثر، وأتيح له الالتحاق بعدة دورات تدريبية في فن التصوير، صقلت موهبته، واتخذ من التصوير حرفة له ومن الكاميرا سلاحاً فعالاً في وجه سلاح الاحتلال وقواته القمعية. وتمكن من خلال الممارسة العملية من تطوير نفسه وصقل ملكته في فن التصوير وتعلم كيف ومتى يوجه عدسته وفي أي لحظة يضغط على مهمازها لينقل تفاصيل الأحداث بصورة جعلت منه مصوراً محترفاً، تتسابق المواقع على نشر صوره، بل وجذب اهتمام القنوات والوكالات العربية والدولية، وحظي بشهرة أكثر مع غزو الجنوب عام 2015م من قبل الحوثيين والعفاشيين وهزيمتهم، إذ برز نجم نبيل مع الشباب المقاوم وهو يوثق بعدسته المآثر البطولية لصناع النصر من أبطال المقاومة الجنوبية وهم يدحرون جحافل الغزاة الحوثيين والعفاشيين بدعم تام من التحالف العربي، وحاز في ذلك العام على عقد عمل كمراسل ومصور فيديو حربي محترف، مع وكالة الأنباء الفرنسية (AFP)، ومتعاوناً مع تلفزيون ربتلي، وسكاي نيوز عربية، والعربية والحدث. ثم استمر نبيل في أداء مهمته بذات الحماس والحب والإخلاص مع القوات الجنوبية التي ظل لصيقاً بها حتى آخر لحظة من حياته في المواجهات مع جحافل الجماعات الإرهابية، ورأيناه بجانب الشهيد القائد أبى اليمامة في كثير من المواقع وخنادق القتال، ثم مع أبطال القوات المسلحة الجنوبية في مواجهاتها البطولية في الشيخ سالم والطرية حتى اللحظات الأخيرة قبيل استشهاده، حيث كان – كعادته- مصدراً رئيسياً لنقل الحقائق المصورة من أرض المعركة والتي تتلقفها الوسائل الإعلامية والقنوات الفضائية.
كان نبيل القعيطي مصوراً بارعاً، والأهم من ذلك صاحب موقف مع قضية شعبه واستقلاله وحريته، لم يتراجع عنه لحظة، وحينما تم الإعلان عن قيام المجلس الانتقالي الجنوبي بتفويض من غالبية شعب الجنوب، كحامل لقضيته الرئيسية، انحاز نبيل مع خيار شعبه، وكان حضوره الإعلامي قوياً في كل نشاطاته التي وثقها ونقلها للفضاء الإعلامي، وخسر الانتقالي وشعب الجنوب أحد رموزه الإعلامية المتميزة، وتعبيراً عن عِظَم تلك الخسارة التي لا تعوض، ازدانت قناة عدن المستقلة، لسان حال المجلس الانتقالي الجنوبي بصورة الشهيد في واجهتها خلال أيام العزاء، وكرّست له حيزاً كبيراً من برامجها.
ويعرف القاصي والداني أن نبيل لم يقبل أن يسخر كاميرته ومواقفه للكسب الرخيص على حساب قضايا شعبه أو الاتجار بدماء الشهداء، ورفض بحزم كل الاغراءات المادية الكبيرة، التي يسيل له لعاب المتاجرين بمواقفهم، ولم يرضخ لكل العروض المغرية من قبل بعض القنوات المعادية لقضية شعبنا، إذ كان موقفه منها واضحاً وحاسماً، ومن حسن الحظ أنه سجل بصوته وبنبرته الصادقة موقفه الرافض لتلك الإغراءات، وهو الموقف الذي جعله يكبر في قلوب كل أبناء شعبه.
ويكفي الشهيد النبيل فخراً ومجداً، أنه حاز على الكثير من التكريمات المحلية والدولية في حياته، وازاد تكريمه بعد استشهاده. ففي حياته الزاخرة بالنجاح حصد العديد من الجوائز والشهادات التقديرية في زمن قياسي بما في ذلك العالمية، ومن أهمها جائزة "روري بيك" البريطانية في نسختها لعام 2016م، وهي جائزة سنوية تمنح لأفضل مصوري الحرب وصحافيي الفيديو المستقلين حول العالم، وقد رفعته إلى مصاف المصورين العالميين، نظير جسارته وإقدامه كمصور حربي من طراز الشجعان. كما كرمته وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس AFP) بجائزة عينية. كما حاز على الكثير من الشهادات التقديرية من جهات وهيئات محلية وعربية وأجنبية عن دوره المتميز كمراسل حربي، ومنها شهادات تقديرية عن دوره الإنساني من كل من الصليب الأحمر الدولي، والهلال الأحمر اليمني، والهلال الأحمر الإماراتي لثلاث مرات، كما مُنح درع الإخوة والوفاء كمراسل مستقل لقناة سكاي نيوز عربية، ودرع الإخوة والوفاء بصفته الشخصية، "لجهوده الفاعلة في إنجاح عام زايد، 2017م".
لا يمكن لنا حصر أو جرد أعمال ومآثر الشهيد نبيل لكثرتها، ويكفيه فخراً أن تقاريره المصورة كانت مادة رئيسية طوال سنوات عمله مصوراً حربيا ومراسلاً لقنوات ووكالات دولية، كما خلّف لنا ارشيفاً مصوراً ثرياً يخلد نضالات شعبنا وتضحياته الجسام، لا بد من الاعتناء به والاستفادة منه لقيمته التاريخية.
وختاماً فقد حرصنا في هذا الكتاب على رصد أهم جوانب سيرته وحياته المشرفة، الحافلة بالعطاء، والزاخرة بالنجاحات التي تردد صداها عربياً وعالمياً، بما لم يحققه أحد من زملائه.
ويظل الشهيد نبيل القعيطي بابتسامته المحببة، وبمواقفه النبيلة، رمزاً من رموز نضالنا الوطني، وأكثر حضوراً في ذاكرة ووجدان شعبنا مع كل الشهداء الأبرار.