تعرف إلى جحيم سجن.. دخله الآلاف وخرج منه 7 فقط أحياء
ما بين سنتي 1975 و1979، حكم الخمير الحمر ذوو التوجه الشيوعي الماوي (يتبنون أفكار ونظريات القائد الصيني ماو تسي تونغ) دولة كمبوديا جاعلين منها نوعا من معسكرات الاعتقال، حيث صودرت الممتلكات وألغيت الحقوق وأجبر سكان العاصمة المقدر عددهم بنحو مليوني نسمة على مغادرتها من أجل العمل في الحقول ضمن نوع من برامج إعادة التأهيل الجماعي.
في أثناء ذلك، قاد الرجل المعروف ببول بوت حركة الخمير الحمر وحكم كمبوديا بقبضة من حديد طيلة تلك الفترة متسببا في مقتل حوالي مليوني شخص وهو ما يعادل 25 بالمئة من سكان البلاد.
وما بين شهري أبريل سنة 1975 ويناير سنة 1979، انتشرت السجون في مختلف أرجاء كمبوديا. في أثناء ذلك، اعتبر سجن S-21 بالعاصمة بنوم بنه أسوأها، حيث خصص الأخير للأشخاص المتهمين بالخيانة وعائلاتهم، ومن ضمن عشرات الآلاف من المعتقلين الذين مروا بهذا السجن لم يتمكن سوى عدد ضئيل جدا لم يتخط السبعة أشخاص من مغادرة هذا المكان المرعب أحياء.
قبل سنة 1975، كان المبنى الذي شغله سجن S-21 مدرسة حملت اسم تشاو بونهي نسبة إلى أحد الملوك السابقين للمنطقة. لكن مع قدوم الخمير الحمر، تمت مصادرة هذا المبنى ليتحول تدريجيا بحلول شهر أغسطس سنة 1975 إلى واحد من أبشع مراكز الاعتقال على مر تاريخ البشرية.
في حقيقة الأمر، كان نزلاء هذا السجن من المعارضين السياسيين لبول بوت حيث لفقت لهؤلاء تهم بالتخابر مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي وفيتنام. حال قدومهم لسجن S-21، يتعرض المتهمون لتحقيق صارم حول كامل أطوار حياتهم بداية من طفولتهم قبل أن تلتقط لهم صور فوتوغرافية تحتفظ بها إدارة السجن. على إثر ذلك، يتكفل الحراس بتعرية أجساد المساجين من أجل تفتيشهم بشكل دقيق بحثا عن أدوات مثل الأقلام والأدوات الحادة والتي من الممكن أن تستخدم للانتحار، وعقب نهاية كل هذه الإجراءات يقسّم المساجين ليوضعوا داخل غرف ضيقة.
خلال فترات التحقيق يتجه الحرّاس والجلادون إلى اعتماد طرق تعذيب مرعبة تتراوح بين الصعق بالكهرباء والحرق وتكسير العظام والتعليق من الأطراف لفترات طويلة واقتلاع الأظافر. إضافة إلى ذلك، تتعرض بنات وزوجات المتهمين داخل هذا السجن إلى عمليات اغتصاب يومية ومتكررة، فضلا عن كل هذا لم يسلم الأطفال من عمليات التحقيق المرعبة حيث تعرض هؤلاء إلى شتى أنواع التعذيب بهدف انتزاع الاعترافات منهم، فبالنسبة للخمير الحمر كان من العادي أن يتهم طفل لا يتجاوز عمره الست سنوات بالخيانة والتعامل مع أطراف أجنبية في حال اتهم أبواه بذلك.
داخل غرف سجن S-21، لم تتردد الوحدات الطبية الكمبودية في ممارسة تجارب على البشر حيث انتزعت أعضاء المساجين وجربت عليهم بعض العقاقير والأدوية. بالتزامن مع فترات التعذيب اليومية، حظي المساجين بحصص غذائية ضئيلة لا تتعدى أربع ملاعق أرز وأحيانا وبسبب النقص الفادح في الطعام الذي عانت منه دولة كمبوديا أجبر الحراس نزلاء السجن على تناول الفضلات البشرية. إضافة إلى كل ذلك، كان الوضع الصحي داخل سجن S-21 رديئا حيث امتلأت الغرف بالمساجين العراة الذين أجبروا على الوقوف بشكل دائم بسبب ضيق المكان. فضلا عن ذلك لم يتردد المتهمون في قضاء حاجاتهم داخل غرف السجن، حيث منع الحراس المعتقلين من مغادرة غرفهم وبسبب ذلك انتشرت الأمراض الجلدية داخل سجن S-21.
أمام هذا الوضع التعيس، لم يتردد المتهمون سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا في الاعتراف بجميع التهم الملفقة لهم ومن خلال ذلك سعى المساجين إلى إنهاء معاناتهم بأسرع وقت ممكن.
وعقب اعترافهم بكل ما يوجه إليهم، يقدم الجلادون على تنفيذ أحكام الإعدام في حق المساجين قبل أن يلتقطوا صورا لجثثهم كدليل على إغلاق ملف القضية.
تزامنا مع افتتاح سجن S-21، حظي الحرّاس بمكان قريب استخدموه لدفن جثث الضحايا. لكن مع تزايد أعداد المساجين، اتجه أعوان سجن S-21 إلى دفن جثث المعتقلين الموتى بمقابر جماعية عند منطقة Choeung Ek.
مطلع سنة 1979 وبالتزامن مع سيطرتها على العاصمة بنوم بنه خلال الحرب الفيتنامية – الكمبودية، تمكنت القوات الفيتنامية من إخضاع سجن S-21 ليتم على إثر ذلك الكشف عن الصور المرعبة التي احتفظ بها الجلادون، وبناء على بعض التقارير مرّ بسجن S-21 ما بين سنتي 1975 و1979 ما يقارب العشرين ألف سجين (بعض الجلادين قالوا إن العدد يتخطى الثلاثين ألفا)، لم يخرج منهم سوى سبعة فقط على قيد الحياة.