قتلٌ وانتحار.. نظرة على الآثار النفسية للحرب الحوثية والمؤامرة الإخوانية
خلّفت الحرب العبثية التي أشعلتها المليشيات الحوثية، وغذّتها المليشيات الإخوانية، آثارًا نفسية مرعبة، تُظهِرها الكثير من حوادث الانتحار أو القتل الأسري.
فالمليشيات الحوثية صنعت في المناطق الخاضعة لسيطرتها فقرًا مدقعًا، وزادت من الضغوط على السكان عبر تكثيف اعتداءاتها عليهم، كما أنّ الشرعية الإخوانية عملت هي الأخرى على شن حرب خدمات قاسية على الجنوب، فاقمت من الأعباء على المواطنين.
الفترة القليلة الماضية شهدت تفاقمًا ملحوظًا في حوادث الانتحار، أحدثها قصة الشاب فيصل المخلافي، الطالب بكلية الإعلام بجامعة صنعاء، الذي عثر على جثمانه مشنوقًا مشنوقاً على شجرة داخل الجامعة، منتحرًا بعدما انتابته حالة اكتئاب.
الطالب فيصل انتمى لأسرة كادحة، وعانى من ظروف معيشية قاسية أدى به إلى الانتحار، وقد كان مناهضًا للمليشيات الحوثية التي حاولت إنكار الواقعة من الأساس حتى لا تتحمل المسؤولية السياسية عما جرى.
واقعة أخرى وقعت في مناطق سيطرة الحوثيين، عندما انتحرت فتاة بمدينة المحويت، حيث انتحرت الفتاة شنقًا في ظروف غامضة ولم تعلم أسرتها إلا بعد أن فارقت الحياة.
في محافظة ريمة، انتحر شاب يُدعى باوزير عبده سعد القارص من أبناء عزلة النوبة، شنقًا في قريته بعد أن حاول الانتحار قبل أيام بسم القات، وأسعف وتعافى.
في محافظة ريمة أيضًا، دفعت جبايات مليشيا الحوثي على التلاميذ، بأحد الطلاب إلى الانتحار، ويُدعى زكريا السعيدي، حيث أقدم على الانتحار شنقًا بعد رفض المليشيات قبول عودته إلى المدرسة التي طرد منها، بسبب عدم تسديده ما يسمى بالاشتراك الشهري، والمقدر بنحو 2000 ريال.
وقد حاولت المليشيات التغطية على الحادثة بالزعم أن الطفل انتحر بعد أن رفض والداه ذهابه معهما إلى صنعاء، مرجعةً ذلك إلى ما أسمته بـ"التأثر بالمسلسلات التلفزيونية غير المناسبة مع أعمار الأطفال ومحتواها".
إلى جانب حوادث الانتحار، فقد انتشرت كذلك ظاهرة القتل الأسري بشكل ربما يكون غير مسبوق، على وقع الضغوط النفسية المرتبطة في الأغلب بسوء الوضع الاقتصادي للأسرة يُقدم الكثيرون على ارتكاب جرائم قتل.
حدث ذلك مثلًا عندما أقدم أب يُدعى حاشد الحشطة، على قتل طِفلِه البالغ ثلاث سنوات وفصل رأسه عن جسده بآلة حادة، وقد برر ذلك أنه أراد أن يؤدب زوجته (والدة الطفل).
وأفاد بيان أمني، بتلقي بلاغ عن ارتكاب الجريمة، ونقل المتهم إلى السجن المركزي والتحقيق معه واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضده.
إذا كانت هذه الحوادث وقعت على مدار الأيام القليلة الماضية، فإن حال السنوات الأخيرة لم يكن مغايرًا، فلم تتوقف الأنباء عن حوادث القتل الأسري والانتحار التي يُرجعها محللون إلى الضغوط النفسية الناجمة عن الحرب، وبالتالي تتحمل المليشيات الحوثية والشرعية الإخوانية مسؤولية سياسية عن ذلك.
وهناك عوامل رئيسية تؤدي إلى تفاقم الضغوط النفسية على السكان، بينها الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وتفشي الأمراض والاعتقالات التعسفية والتعذيب وضعف الخدمات العامة، إلى جانب الاعتداءات الحوثية والإخوانية على المدنيين، وبالتالي فهناك ارتباط مباشر بين الحرب وهذه الضغوط.
فالحرب صنعت أكبر حالة طوارئ أمن غذائي في العالم، وقد وقع الملايين ضحية الفقر المدقع، مع تدمير شامل للاقتصاد، وانهيار الخدمات العامة الأساسية، إلى جانب ملايين الموظفين الذين لا يتقاضون رواتب منذ فترة طويلة.
ويتخوف الباحثون والمتخصصون على صحة ملايين الأطفال على وجه التحديد، الذين عاصروا أغلب سنوات عمرهم في خضم الحرب، وبالتالي فإن مستقبل هذه الفئات سيكون مخيفًا لا سيّما في ظل الضغوط النفسية التي أحدثتها الحرب.
هذه الضغوط المروعة يتقاسم الحوثيون والإخوان مسؤوليتها، من خلال عديد الجرائم والانتهاكات التي تم ارتكابها على مدار سنوات الحرب، إذ لم توقِف المليشيات من وتيرة اعتداءاتها الغاشمة ضمانًا لإطالة أمد الحرب، كما تخادمت معها المليشيات الإخوانية لتحقيق الغرض نفسه.