الدولة الوطنية

يتردد خطاب عن تقبيح الدولة الوطنية ، وأن المسلمين كانوا أمة ودولة واحدة ، ويأتي الاستشهاد برموز قوة في التاريخ الإسلامي والانتخاء بها في هذا الزمن الذي لم تعد للإمبراطورية الإسلامية فيه إلا ذكريات تاريخية أو مشاريع لأحزاب تنتخي بذاك التاريخ لتقدم نفسها وارثة له وتأخذ من الميراث الامبراطوري نماذج لإشعال الحماس في نفوس الناس وان بعث ذلك الماضي مضمون اذا التحق الناس بتلك المشاريع.



المسلمون أمة دينها واحد لكن أوطانها متعددة ومختلفه في أجناسها وبلدانها ولغاتها ومصالحها ، ولو أن المؤرخون بحثوا جديا عن تصدع وانهيار الإمبراطورية الإسلامية لوجدوا أن سببا رئيسيا في التصدع هو إنكار الخصوصيات التي تمخض عنها الدول الوطنية في هذه الإمبراطورية . والتي كان يتم معالجتها أما بحد السيف في المتسعات والمساحات التي تؤثر على الإمبراطورية أو باهمالها وتغليب خصوصية مجاورة لها في مساحات أقل تأثير على تلك الإمبراطورية .

وأهم من يعتقد أن الأوطان الحديثة هي من صنع سايكس بيكو، هذه الأوطان في أغلبها كانت سابقة على الإمبراطورية الإسلامية وأصبحت تقسيمات إدارية فيها ، ولم يكن مفهوم الدولة الوطنية في تلك العصور محددا مثل هذه الأيام إذ كان الولاء والهوية الدينية هي الغالبة ثم صارت الهوية الطائفية أكثر ولاء .


لم تكن فكرة هوية الدولة محددة في تلك التقسيمات بل كانت أقرب للانتساب وكانت عمليا أقرب للكنفدراليات الحديثة منها للمركزية الضاغطة لأن وسائل مركزيتها بالشكل المعاصر منتفية .



الإشكالية في الدولة الوطنية العربية الحديثة أن انظمتها أخضعت كل شيء فيها للأمن والسيادة الأمنية أولها أنها تعاملت مع مواطنها انه شيء وليس إنسان ولم تخضع لمصالح مواطينها وماتفرضه المجاورة الوطنية من حقوق للمواطن كانسان وليس المواطن المنتمي لبلد ما.هذا الحق كان مكفولا في الإمبراطورية الإسلامية لأن حركة مواطنها لاتخضع للمعايير الأمنية كمواطن الدولة الوطنية المعاصرة .



هذه الإشكالية محلولة في الدولة الوطنية في اوروبا ومعظم دول العالم وهي أعرق منا في مفهوم الدولة الوطنية وترسيخ حدودها ومصالحها ، وهذه الإشكالية هي التي تتطلب العمل عليها وحلها .


من يعتقد أنه سيحل قضايا الدولة الوطنية بانكارها وأننا شعب لامبراطورية افتراضية كانت الشعوب تتدفق فيها بانسيابية أينما تريد فإنه يبيعنا الوهم فمن ناحية أن هذا العصر لن يسمح بقيام الإمبراطوريات كما ان وسائل ضغط المواطن وكبته ليست أسبابها الدولة الوطنية العربية بل سببها مفهوم نخب حكم هذه الدولة واستخدام وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة وكل المنجزات العلمية في بما يدعم ويرسخ مفهومها الأمني واختزال فكرة المواطن فيه وتهميش سائر الحقوق التي ضمنتها له الأديان والشرائع
وهذه الوسائل لو امتلكتها الإمبراطوريات الإسلامية قديما لما كانت تجربتها مع مواطنها احسن حالا من تجربة الدولة الوطنية . 

صالح علي الدويل