طربال تعز
هاني مسهور
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
- تل أبيب بعد أرامكو.. الحوثي على رقعة الشطرنج
الطربال هو قطعة قماش طويلة مصنوعة من البلاستيك وتستخدم لأغراض مختلفة كساتر في المناسبات العامة أو مفرش على الأرض لتناول الطعام أو غطاء للأثاث وكمظلة شمسية. هذا الطربال وجد في مدينة تعز دوراً يشابه كثيراً دور جدار برلين الذي فصل العاصمة الألمانية بين المعسكرين السوفييتي والغربي في زمن الحرب الباردة، وهذا التشبيه ليس فيه من المبالغة أو السخرية بمقدار ما فعلته قوى الاسلام السياسي في مدينة تعتبر أكثر سكان شمال اليمن تعداداً، وتوصف بحسب التعريف الشمالي اليمني أنها مدينة تقدمية تنويرية ولكنها في الواقع هي الضحية.
من مفارقات مدينة تعز ذات الأغلبية السكانية الشافعية أنها كانت عاصمة المملكة المتوكلية في زمن الإمام أحمد حميد الدين، وعُرفت المدينة خلال فترة حكم الجمهورية العربية اليمنية وما بعدها بولائها لحزب «المؤتمر الشعبي العام»، بل إنها كانت توصف في الانتخابات البرلمانية أنها الخزان البشري لحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وكما لعبت تعز دوراً مضاداً للإمام بعد ما يسمى ثورة 26 سبتمبر 1962 عادت فيما يسمى ثورة 11 فبراير 2011 للعب الدور ذاته، فانحازت إلى الصف المعادي للنظام السياسي وخضعت لإرادة جماعة «الإخوان».
من غير المفهوم الدوافع الحقيقية التي تدفع بمجاميع بشرية لاستبدال مواقفها بهذا التضاد الحاد، خاصة أن السياق التاريخي لا يوفر مقاربات واضحة في ما يمكن أن يُعطي تصورات واضحة حول السيكولوجية القادرة على التغيير بهذا القدر. وفي كل الأحوال، فإن أهالي المدينة الذين خرجوا في الساحات والشوارع دفعوا الثمن عندما استخدم نظام علي صالح القوة الغاشمة للتعامل مع مظاهرات تعز، التي كرست نفوذ «الإخوان» على المقاومة بعد الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014.
وكان لافتاً أن المدينة لم تقف ضد زحف قوات (الحرس الجمهوري) التابعة لـ علي صالح ومليشيات «الحوثي» التي كانت تندفع من المدينة جنوباً باتجاه العاصمة الجنوبية عدن وهي واحدة من الحوادث الصادمة وغير المتوقعة، فلم تحدث مقاومة تُذكر، أو حتى محاولة للتصدي، بينما تصاعدت شعارات الدفاع عن الوحدة اليمنية في تلكم الأيام العصيبة التي خاض فيها الجنوبيون معارك ضارية ضد القوات الشمالية الغازية، ما حدث في تلكم الأيام عمّق إلى أبعد مدى فقدان الثقة بين الجنوبيين عامة واليمن ومدينة تعز التي كان يعتقد أنها ستكون أحدى خطوط الدفاع على الأقل من ناحيتها المذهبية.
تعمقت الحالة في تعز بصعود «الإخوان» إلى مؤسسة الرئاسة مما فتح الباب لعناصر التنظيم الاستحواذ على القرار السياسي والعسكري وهو ما استغله التنظيم في إحكام قبضته على المدينة وتحويلها لنقطة ارتكاز للجماعة، خاصة وأن استقطاباً حاداً كان حاضراً بما مثلته الأزمة الخليجية من استقطابات ليتم توظيف مستقبل تعز ضمن سياسات «الإخوان» المعادية لدول التحالف العربي.
حاولت قوات التحالف العربي من بعد إتمام تحرير عدن أن تكون الخطوة التالية هي تحرير تعز. وبرغم تكرار المحاولات إلا أن «الإخوان» أفشلوا كافة المحاولات وتم الدفع بالحشود الشعبية للخروج في مظاهرات معادية للتحالف وللجنوب وبلغ الحال أبعد ما يمكن عندما خرجت مظاهرات تؤيد تصفية القيادي ابواليمامة الذي اغتالته مليشيات «الحوثي» بعملية إرهابية كبيرة في عدن، غير أن التخادم بين «الإخوان» و«الحوثيين» بلغ ذروته بما جسده «الطربال»، الذي في الحقيقة وضع لابتزاز التحالف والمجتمع الدولي في قضية حصار مفتعلة يمكن إنهائها في دقائق.
فلا يمكن لأفراد يحملون بنادق يدوية أن يحاصروا شعباً تعداده يتجاوز الخمسة مليون إنسان لو حمل كل منهم حجراً لكسر ما يسمى حصاراً. عندما تخضع المجتمعات لإرادة الجماعات الإسلاموية فإنها تتحول إلى قطيع يفقد إرادته، ويظل يردد الشعارات الفارغة التي تبقي الأزمات للاستهلاك كما هو طربال تعز وُجد للاستهلاك الإعلامي وللابتزاز السياسي.