تحليل: لاعبون قدامى بثياب جديدة في منطقة الشرق الأوسط

الاثنين 19 سبتمبر 2022 23:16:52
تحليل: لاعبون قدامى بثياب جديدة في منطقة الشرق الأوسط

يعتبر الانسحاب الأمريكي التدريجي من منطقة الشرق الأوسط أهم المتغيرات السياسية والاستراتيجية لخريطة التوازنات والمكونات الدولية في المنطقة من حيث إعادة تشكيل خريطة التحالفات والنفوذ الدولي،لسد الفراغ المتوقع حدوثه نتيجة لهذا الانسحاب.

فقد بدأ يبرز في المشهد السياسي في المنطقة عدد من اللاعبين الفاعلين الدوليين الآخرين المنخرطين بشكل أو بآخر في الشرق الأوسط سواء عسكرياً أو اقتصادياً وعلى رأسهم الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، والتي من الممكن رصد وتحليل مواقفهم كالتالي:

روسيا:

ظل الشرق الأوسط تاريخياً بؤرة دائمة للصراع بين المعسكرين السوفييتي والأمريكي في أتون الحرب الباردة، وقد ورثت الدولة الروسية الإرث السوفييتي ولكن تعاملها مع منطقة الشرق الأوسط اختلف بشكل واضح عن التعامل السوفييتي مع المنطقة وخاصة بعد الانسحاب السوفييتي من أفغانستان. ولكن العلاقة بدأت تعود إلى دفئها مرة أخرى في عهد الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين الذي أعاد صياغة العلاقات الروسية – الشرق أوسطية وأرجعها لبؤرة الاهتمام مرة أخرى، وكانت النقطة الأكثر وضوحاً من الناحية الاستراتيجية هو دعم بشار الأسد في عام 2015.وقد نجحت استراتيجية بوتين ولاسيما بفضل تضارب الالتزامات الغربية والأمريكية تجاه المنطقة، وأدى ضعف الدور الأمريكي – خصوصاً في سوريا – على مساعدة روسيا على تحقيق مزيد من النفوذ في الشرق الأوسط، حيث أصبحت سوريا وإيران مركزين للنشاط العسكري والسياسي والاقتصادي لروسيا في المنطقة.

وفي حين تعتبر مصالح موسكو جيوسياسية في المقام الأول، فإن هناك جانباً تجارياً أيضاً، يتعلق بشكل رئيسي بالطاقة والأسلحة. ونجد أن روسيا تحافظ على مصالحها الاقتصادية والعسكرية في الشرق الأوسط مستغلة الإخفاق الأمريكي تجاه الحلفاء في المنطقة، حيث سارعت روسيا بإمداد معداتها العسكرية وأسلحتها وتصديرها إلى الدول العربية ودول الشرق الأوسط بالإضافة إلى صفقات أسلحة أخرى إلى الإمارات والسعودية وليبيا وعدد من دول شمال أفريقيا ضمن سياسات هذه الدول من أجل تنويع مصادر السلاح لديها بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات اقتصادية بين روسيا وهذه الدول خصوصاً في مجال الطاقة النووية.


لذلك فمن المتوقع أن تشهد العلاقات الإقليمية الروسية مع كل من تركيا وإيران ودول الخليج وشمال أفريقيا زخماً أكبر في الفترة المقبلة؛ وذلك لسد الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط وحفاظ روسيا على نفوذها في المنطقة. وذلك في إطار صراع محدود وتكتيكي وهو غير استراتيجي مفتوح باعتبار أن كل طرف يعرف جيداً ما الذي يريده وإلى أي حد ينبغي أن تكون المواجهة بين الطرفين في المنطقة.

الصين:

تزداد منطقة الشرق الأوسط أهمية بالنسبة إلى الصين حيث تحولت المنطقة إلى البؤرة الأكثر أهمية في الشرق الأوسط ويعود ذلك إلى القلق الصيني الكبير من تراجع أمن الطاقة وعدم الاستقرار الداخلي وإدراك أهمية الشرق الأوسط كمنطقة جغرافية استراتيجية أساسية في العالم، حيث تشكل بالنسبة إلى بكين امتداداً للمناطق المتاخمة لحدود الصين الغربية في آسيا الوسطى أي محيط الصين الأوسع.

وتسعى بكين في عهد رئيسها الحالي إلى اعتماد سياسة خارجية وأمنية متوازنة أكثر من الناحية الجغرافية الاستراتيجية، في حين تغير الولايات المتحدة التوزان في منطقة آسيا والمحيط الهادي وتعمل الصين على إعادة فرض التوازن غرباً لتصحيح ما كان أشبه بتركيز مفرط وغير متكافئ على الشرق من ناحية النمو الاقتصادي وحماية الأمن القومي.

وتمر الصين بمرحلة إعادة توزان جغرافية استراتيجية يمكن اعتبارها استكمالاً للجهود المبذولة في صب اهتمام أكبر على الشرق الأوسط منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتزداد أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إلى الصين مع تفاقم مخاوفها من عدم الاستقرار المزمن في المنطقة ولاسيما في سوريا والعراق وتشمل إعادة التوزان اتجاهات واضحة لا بد أن يفهمها صنّاع السياسات الأمريكيون، وتعمل الصين على حماية مصالحها الكبيرة في المنطقة من خلال الاستفادة من العلاقات التي تربطها بقوى إقليمية بارزة في المنطقة مثل السعودية وايران وتركيا.

وتسعى الصين من خلال مبادرة “الحزام والطريق” إلى توسيع رقعة نفوذها في الشرق الأوسط من خلال ذلك المشروع الاقتصادي والاستثماري الطموح الذي سيربط آسيا بأوروبا وأفريقيا؛ وبالفعل فقد وقّعت الصين اتفاقيات مع عدد كبير من دول الشرق الأوسط ضمن هذه المبادرة كالإمارات والسعودية وإيران وتركيا ومصر وهو الأمر الذي حظي باهتمام متبادل خصوصاً من هذه الدول والذي قد يكون على حساب الاتفاقيات الاستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط لأسباب عدة:

أولها القوة الاقتصادية الصينية الكبيرة حيث إن بكين تحظى بثاني أكبر معدل دخل قومي في العالم ومرشحة لتكون صاحبة الدخل القومي الأعلى في العالم عام 2028 بالإضافة إلى أنها دائنة وتقدم قروضاً بفوائد ميسرة إلى عدد كبير من الدول.

ثانياً، إن الصين تختلف اختلافاً كلياً عن الولايات المتحدة الأمريكية في التعاطي مع أزمات الشرق الأوسط حيث تنتهج حلولاً دبلوماسية أكثر سلمية وهي استراتيجية متبعة من قِبل القيادة الصينية تقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول على عكس استراتيجية واشنطن. ولكن يبدو أن السيطرة والشراكة الاستراتيجية مع دول الشرق الأوسط ستقتصر على مبادرات الحزام والطريق وطريق الحرير الجديد والبُعد الاقتصادي، حيث إن تغيير استراتيجية بكين للتحول نحو الشراكة الشاملة بما فيها الشراكة العسكرية يبدو معقداً ويخضع لعدد من المحددات الاستراتيجية والتي لا تريد الصين بموجبها وقوع صدام مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما تنتهج سياسة مزاحمـة تكتيكية للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط فقط .

فرنسا:

الاقتصاد والدبلوماسية النشطان هما أهم أدوات فرنسا من أجل العودة إلى الشرق الأوسط من جديد حيث تلعب باريس دوراً محورياً في الأزمة اللبنانية على الرغم من إخفاقها في وضع حلول جذرية لها، فإنها لاعب رئيسي وفاعل دولي قوي في الأزمة، بالإضافة إلى أنها تعتبر وسيطاً دولياً للغرب في عدد من ملفات الشرق الأوسط الأخرى على رأسها العراق، حيث كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر قمة (دول جوار العراق). وتجمع فرنسا علاقات قوية مع العراق وإقليم كردستان العراق، بالإضافة إلى دورها المحوري في عودة إيران للمفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني، حيث تسعى لتكون فاعلاً دولياً ولاعباً رئيسياً في المنطقة عن طريق الشراكات الاقتصادية وتقديم مشورات وخدمات تدريبية عسكرية لدول الشرق الأوسط؛ وقد قام ماكرون في ديسمبر الجاري بزيارة خليجية شملت الإمارات والسعودية والكويت وقطـر لتعزيز الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية.

بالإضافة إلى ذلك فإن فرنسا لها دور أكثر محورية في شرق المتوسط ولها علاقات تحالف استراتيجي وشبه عسكري مع مصر واليونان وقبرص في مواجهة التهديدات التي تثيرها بعض الدول المطلة على البحر، وقد استفادت فرنسا اقتصادياً أيضاً من وجودها في هذا التحالف من خلال صفقات السلاح لاسيما صفقات الرافال لمصر واليونان وقبرص.

بريطانيا:

الشرق الأوسط بؤرة اهتمام كبير من قِبل بريطانيا خصوصاً في ظل استراتيجيتها لإعادة تقييم علاقاتها الاستراتيجية في أعقاب الـ (بريكست) والخروج من الاتحاد الأوروبي، والتوجه شرقاً لمنطقة الشرق الأوسط حيث كانت بريطانيا تتمتع فيها بنفوذ واسع وهي إحدى أهم مناطق الانخراط الجديدة لبريطانيا وروافد حسابات السياسة الخارجية البريطانية، كما ينظر إليها على أنها إحدى “الأذرع” الرئيسية للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ويتوقع أن تظل كذلك حتى بعد الانسحاب الجزئي المتوقع للولايات المتحدة الأمريكية من الشرق الأوسط، وذلك لتعويض الفراغ السياسي والأمني والعسكري الذي يمكن أن يتركه هذا الانسحاب، ومجابهة تصاعد كل من النفوذين الصيني والروسي في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تواصل بريطانيا دورها في إطار التحالف الدولي ضد "داعش" في العراق وسوريا، وبناء الشراكات الأمنية الوثيقة مع السعودية وإسرائيل، لحماية مصالح المملكة المتحدة في المنطقة بشكل أفضل، حيث تسعى للاستفادة من الفرص الاستثمارية الضخمة في المنطقة،
لقد كانت السياسة البريطانية وما زالت هي الأكثر وضوحاً في المنطقة حتى الآن وهي تحرص على إثبات قدرة بريطانيا على العمل المشترك مع الحلفاء والشركاء، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، والتأكيد على إبراز القوة العسكرية المتطورة لدعم الناتو والأمن البحري الدولي تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء والشركاء الدوليين والإقليميين.

بالإضافة إلى اللاعبين الدوليين السابقين فإن هناك لاعبين آخرين على الساحة السياسية والدبلوماسية للشرق الأوسط ولكن يبقى نهجهم أو دورهم محدوداً في التعاطي مع أزمات المنطقة وأبرزهم ألمانيا وإيطاليا المنخرطتان في الملف الليبي بشكل كبير سواء على المستوى الدبلوماسي أو المستوى الاقتصادي.

العميد/ ثابت حسين صالح

*باحث ومحلل سياسي وعسكري في بوابة المشهد العربي.

الدراسات والتحليل

السبت 20 إبريل 2024 14:36:00