تحليل: المتغير في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط
أهمية الشرق الأوسط لدى الأمريكان كانت قد تعاظمت بعد خروج بريطانيا وجلائها من شرق السويس عام 1971، ثم أصبحت أهم بعد حرب أكتوبر 1973 وعام 1979 توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل ثم "الثورة الإيرانية" ودخول "الاتحاد السوفيتي" لأفغانستان، لكن الركيزة الرئيسة لهذا الاهتمام كان بزوغ عصر النفط العربي, حيث كانت أمريكا هي المستفيد الأول مقارنة بالبلدان المنتجة.
السلوك الأمريكي في المنطقة، بما في ذلك الخليج واليمن ، محكوم بما تريده أمريكا من منافع وليس ما تريده دول المنطقة.
حاليا ليس هناك شريك أو حليف لأمريكا إطلاقا في المنطقة سوى إسرائيل... باقي الدول هي موقع استثمار أمريكي عابر متغير إذا تغيرت تلك المصالح، والاستغناء عن أي دولة ممكن في أي لحظة. ما هو باق من اهتمام امريكي تفرضه الممرات المائية وتدفق الطاقة.
بالنسبة لليمن لا يشكل شيئا ذا بال في السياسة الأمريكية، كونها أولا، ليست من الدول المركزية في المنطقة وثانيا، حجم الكلفة والصراع فيها...ما يعني أمريكا في اليمن ثلاث قضايا فقط هي باب المندب وطرق الملاحة، البحر الأحمر وخليج عدن وملف الإرهاب.
باختصار.. من غير المتوقع أن تبذل أمريكا أي مجهود أو عقوبات رادعة للضغط لحل سياسي جذري وعادل في اليمن.
السياسة الخارجية الأمريكية تقاد داخليا عبر لوبيات مالية وإعلامية واستراتيجية، بالإضافة إلى احتياجات المواطن الأمريكي الداخلية وهناك مجموعة شبكات مستقرة يمكن تسميتها مجازا الدولة العميقة التي تجعل مسار أي رئيس محكوم بمسارات محددة ومقيدة وتأتي مواسم الانتخابات بكل مستوياتها المختلفة محطات لضبط إرادة الدولة العميقة إذا رأت أن الرئيس وفريق عمله قد ذهبوا بعيدا عن توجهاتهم المستقرة.
الشرق الأوسط والخليج لم يعد هو الاهتمام الأول لأمريكا فقد تغيرت الأولويات بتقدم صناعة النفط واستخراجه في أمريكا من ناحية وبروز التنين الصيني القادم لإزاحة أمريكا من المركز الأول اقتصاديا بعد سنوات قد لا تطول، ناهيك أن روسيا وحلمها الأوراسي هي الخطر والأولوية الثانية ومع تعاظم تقارب روسيا الصين الهند إيران وكوريا الشمالية وغيرها من دول في آسيا يجعل حسابات الأمريكان تعاد في رسم الأولويات التي تضع الخطوط العريضة لمجالها الحيوي ولمصادر الخطر القادم.
الاستراتيجية الأمريكية القديمة انتهت ولن يتغير مسار العالم ثانية لصالح أمريكا إلا إذا تم سحق الصين أو جرها إلى مستنقع ما, وهذا السيناريو رغم أنه ممكن إلا أنه مستبعد, لإن الصين لن تبدد طموحها الجموح القادم بسرعة الصاروخ.
مرحلة بايدن :
مرحلة بايدن تشبه مرحلة تصريف الأعمال في الحكومات الانتقالية وليس بيده شيء ليقدمه للقضية اليمنية ولا للحلفاء في الخليج والمنطقة أو لا يريد ذلك, وسوف يزداد وضعه تعقيدا وضعفا إذا نجحت روسيا في استهداف أو استنزاف أمريكا وأوروبا في القضية الأوكرانية وسوف يكون ذلك مجالا جديدا لشروق صيني أكثر قوة وسينعكس ذلك علينا حتما في اليمن وفرصة لإيران بدعم أذرعها في المنطقة واليمن بصورة خاصة، كما أن وعود بايدن بإعادة دراسة إدراج الحوثي ضمن الجماعات الإرهابية سوف تذهب أدراج الرياح، وهي خطوة على أهميتها لن تشكل فارقا نوعيا في معركة اليمن ضد إيران والحوثي، لكنها خطوة ذات مردود إيجابي على كل الاحوال.
أمريكا وإيران:
تقوم السياسة الأمريكية نحو إيران على مبدأ الاحتواء وعلى المدى الاستراتيجي البعيد لتحويلها إلى حليف محتمل لا سيما وإيراني كانت أيام الشاة أهم حليف في المنطقة، بالطبع تريد أمريكا إمساك خيوط اللعبة كاملة في المنطقة وهي ليست شريكا مع العرب في حربهم مع إيران إلا حين تطلب منها إسرائيل, كما أن سيناريو حرب إيران وإسرائيل مستبعد باستثناء الحرب الالكترونية وبعض العمليات الاستخباراتية أو الاغتيالات المتبادلة أو الضربات في سورية أو العراق على نطاق محدود.
الخلاصة:
على العرب والتحالف العربي واليمن أن يضعوا نصب اعينهم وهم يواجهون الاستعمار الإيراني ناهيك عن العثماني ونظرية تصدير الثورة أن يدركوا أنه من الأهمية بمكان الاعتماد على خيارات بديلة من ضمنها وأهمها الإمكانات الذاتية العربية مهما كانت فهي إن تجمعت وترشدت وحشدت تشكل قوة قادرة على الصد وحماية الأمن القومي العربي وأمامها فرص وخيارات متاحة لا يستهان بها ومن ضمن تلك الخيارات عقد تحالفات خارج الإطار العربي شرقا.
العميد الركن/ ثابت حسين صالح
*باحث ومحلل سياسي وعسكري في بوابة المشهد العربي.