تحليل: ما أهمية ودلالات القمة العربية الصينية؟

الخميس 8 ديسمبر 2022 16:59:00
تحليل: ما أهمية ودلالات القمة العربية الصينية؟

تتجه الأنظارالآن إلى الزيارة التي يجريها الرئيس الصيني شي جين بينغ للعاصمة السعودية الرياض لعقد 3 قمم: صينية سعودية، وصينية خليجية،وصينية عربية.
برزت الصين التي یتجاوز عدد سكانها الـ 1.4 مليار نسمة، على مدى السنوات الماضية، قوةً اقتصادية عالمية لا يمكن تجاهلها، فاقتصادها يعد حالیًّا أكبر اقتصاد في العالم من ناحیة القوة الشرائیة، والثاني بعد الولایات المتحدة من حیث القیمة السوقیة، ومن المتوقع أن يصبح الأول مع نهاية العقد الحالي.

هذا الأداء المذهل، والتوسع الاقتصادي السريع للصين،أُنجِزا في فترة قصيرة من الزمن، حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للصین منذ انفتاح بكين على العالم الخارجي عام 1979 نحو 50 مرة، من أكثر من 300 مليار دولار إلى نحو 15 تريليون دولار في عام 2021م.

وهنا تشير أحدث بيانات لصندوق النقد الدولي، إلى أن الصين سوف تضيف إلى ناتجها الإجمالي أكثر من 9 تريليونات دولار مع نهاية 2026، أو ما يزيد على الحجم الحالي للاقتصادين الياباني والألماني معا.

هذا الصعود المتواصل لم يعد مفاجئًا لأحد، فقصة نهوض “التنين” الصيني أبهرت العالم بأسره، وأصبحت مصدر إلهام لكثير من الدول، ومبعثًا للقلق لدول أخرى في آن. لكن فيما يخص الدول العربية، بات جليًّا أن صانعي القرار في معظم العواصم العربية يرون، منذ فترة طويلة، وعلى نحو متزايد، الكتابة على الجدار: “الصين قد تصبح القوة العظمى الأولى في المستقبل؛ مما يجعل نسج علاقات إستراتيجية مع هذه القوة الصاعدة قضية حيوية وإستراتيجية”.

في إطار هذه الخلفية الإستراتيجية، تطورت العلاقات العربية الصينية- تطورًا مطًّردًا- خلال العقود القليلة الماضية، حيث أصبحت الصين الآن المشتري الرئيسي للنفط العربي والشريك الاقتصادي الرئيسي للدول العربية، وأكبر مستثمر في المنطقة. ومع إطلاق بكين مبادرة الحزام والطريق عام 2013، طورت الصين شراكات إستراتيجية شاملة مع السعودية، ومصر، والإمارات، والجزائر، في حين زاد نفوذها في إيران بعد توقيعها عام 2021م خطة تعاون مدتها 25 عامًا مع طهران.
ويمكن القول إن هذا التحول حدث نتيجة عاملين رئيسيين؛ الأول هو أن الصعود الاقتصادي المذهل للصين على مدى العقود الثلاثة الماضية أدى إلى زيادة حادة في طلب البلاد على الطاقة. في غضون ذلك، أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي، وهي أكبر مُصدر للنفط والغاز الطبيعي المسال، مركز ثقل النشاط الاقتصادي الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في حين يعكس العامل الثاني حالة عدم اليقين المتزايدة للدول العربية بشأن مسار علاقاتها مع الولايات المتحدة، والانطباع السائد لا سيما في دول الخليج أن واشنطن في طريقها إلى تقليص وجودها في المنطقة للتفرغ لمشكلاتها الداخلية ومواجهة الصعود الصيني.
لقد دفع الوضع الدولي المعقد والمتشابك والذي زاد اليوم تعقيداً، وظهور بوادر أزمات اقتصاديه وبيئية وانتشار الأوبئة والحروب (الأزمة الأكرانية)، والتغيرات المناخية العنيفة، وندرة الموارد والأزمات المتعلقة بنقص الغذاء والطاقة، والنزاعات حول المياه، ونذر الحرب الباردة، دفع قادة الصين والدول العربية لاستكشاف أنماط تعاون جديدة أكثر جاذبية وجذرية واستدامة، فاتجهوا نحو بناء شراكة استراتيجية شاملة تهدف من ضمن أولوياتها بناء مجتمع عربي صيني ذي مصير مشترك.

تنظر الدول العربية إلى الصين على أنها قوة عظمى في طور التكوين، وتتوقع أن تبقى البلاد وجهة رئيسية لصادراتها من الطاقة خلال العقدين المقبلين؛ ومن ثم سيكون من المنطقي للعرب تعزيز العلاقات مع هذه القوة الصاعدة. من ناحية أخرى، من المرجح أن تنمو مصالح الصين ووجودها وتأثيرها في الشرق الأوسط خلال العقدين المقبلين.

مع ذلك، من المستبعد أن تسعى الدول العربية، لا سيما دول الخليج الآن، أو في المستقبل المنظور، إلى استخدام الصين كبديل عسكري للولايات المتحدة، هذا بالطبع في حال قبول الصين أداء هذا الدور أصلا. يظل الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة هدفًا رئيسيًّا للسياسة الخارجية لأغلب دول المنطقة. لكن البلدان العربية/ الخليجية لها مصلحة كذلك في تجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة؛ ومن ثم تعمل دول مثل السعودية، والإمارات، ومصر، على مسارات متوازية: “تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية، وتنويع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع لاعبين خارجيين رئيسيين، خاصةً الصين”.

وعلى هذا الأساس، من المرجح على المدى الطويل أن تتطلع الدول العربية، لا سيما الخليجية، بجدية نحو ترتيبات أمنية سياسية متعددة إذا كانت واشنطن ستضع بعض المسافة بينها وبين الشرق الأوسط، أو إذا اتسع الصدع بين الدول العربية/ الخليجية والولايات المتحدة، وهو تطور قد يدفع بعض الدول العربية إلى تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع الصين، أو استضافة منشآت عسكرية صينية، بما في ذلك القواعد البحرية.

العميد الركن/ ثابت حسين صالح

*باحث ومحلل سياسي وعسكري في بوابة المشهد العربي. 

الدراسات والتحليل

الأحد 21 إبريل 2024 13:51:18
السبت 20 إبريل 2024 14:36:00