عبقرية الدبلوماسي الإماراتي

أن تأتي بعد الإمارات فهذا يعني أنك تسير في الطريق الصحيح، هذه ليست مجرد عبارة فيها إشارة مدح للسياسات الدبلوماسية الإماراتية بمقدار ما تحمل مضموناً أعمق مما تبدو عليه بموجبات مقتضيات المواقف السياسية المتقدمة لدولة الإمارات العربية المتحدة في العقود الثلاثة الأخيرة تحديداً.

فهذه حقبة تاريخية معقدة تلت تحولاً حاداً في السياسات الدولية، حيث شهد العالم متغيرات جذرية مع النظام العالمي أحادي القطبية الذي عرف نمطية استقطاب لها حساسياتها مع تحديات أخرى اشتملت عليها منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بطبيعتها. وهنا تبدو أهمية النظر إلى موقع دولة الإمارات، وما اتخذته منذ نهاية الحرب البادرة نهاية تسعينيات القرن العشرين.

التحدي أن تحافظ على أعلى معايير الأمن والاستقرار لتوفير أقصى معدلات النمو الاقتصادي. إنها معادلة معقدة للغاية باعتبار أن المنطقة شهدت شكلاً آخر من التحديات بتصاعد التطرف الديني، الذي زاد من أزمات المنطقة إلتهاباً على التهاباتها المعروفة عنها، كان لا بد من التعامل عبر دبلوماسية تعتمد على الديناميكية، وأن تجعل من مداميك السياسة متحركة وقادرة على التعامل مع المستجدات بما يضمن الأهداف الوطنية مع كذلك ضمان محددات الأمن القومي العربي كحجر أساس للسياسة التي تأسست عليها البلاد في اليوم الأول لها عام 1971 بمواقف واضحة عبرت عنها بوضوح بمواقف المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله.

الإماراتيون لا يتأخرون في تأكيد منهجهم السياسي المرتكز على احترام القانون الدولي وعدم التدخل في شؤون الآخرين مع احترام سيادة دول العالم، هذه قواعد وإنْ بدت عامة إلا أنها منهج حافظت عليه الدبلوماسية بقدر كبير من الإلتزام الصارم، ومع ذلك كان لا بد من اتخاذ قرارات دائماً كانت تحمل صفة الشجاعة، وهذا يتعلق بالشخصية القيادية لقيادات الدولة، وهنا لا بد من الإشارة لواحد من القرارات الوطنية التي بدت مختلفة عندما بدأت الإمارات في تطهير مؤسساتها من عناصر جماعة «الإخوان» وتعاملت بشدة معها فلقد كان ذلك موقفاً مبكراً، والكل اليوم يدرك أن ما بدأت فيه الإمارات كان الخطوة الصحيحة، وفلولا اتخاذها ذلك الموقف لما استطاعت لعب أدوار متقدمة في مكافحة الإرهاب.

الاستشراف هو السر الكامن في قدرة الدبلوماسية الإماراتية للعب أدوار حيوية في أكثر ملفات العالم صعوبة وتعقيداً، فلدى الإمارات مؤسسات متخصصة في استشراف المستقبل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية وهذه المؤسسات تضع التصورات أمام متخذي القرارات.

فلولا التصورات الواضحة لم تكن هناك قرارات صحيحة أتخذت مبكراً منها ما يتعلق بالعلاقات مع دول الجوار العربي كتركيا وإيران وحتى إسرائيل فهذه قرارات جاءت ضمن استراتيجية ما بعد عقد ما سمي بـ «الربيع العربي» وكان لا بد من خفض التوترات وإطلاق سياسة مدّ الجسور للتهدئة ومنح الفرصة للتنمية الاقتصادية.

وقرار تطبيع العلاقة مع سوريا كان أتخذ منذ عام 2018 فلقد وصلت قناعة بأن الحاجة باتت مهمة لاحتواء النظام السوري وفتح نافذة مباشرة ليعود إلى محيطه العربي. فالحرب الأهلية دفع ثمنها شعب عربي، والأزمة تحولت إلى منطقة توليد لجماعات التطرف والإرهاب.

وكان قرار تدشين علاقات مع إسرائيل حيث لا بد من ضمان عدم ضم كل ما تبقى من الضفة الغربية لمصلحة الشعب الفلسطيني، هنا كان الاستشراف صحيحاً والقرار وإن كان صعباً، فلقد كان شجاعاً. فالدبلوماسي الإماراتي يوازن لتحقيق المستهدفات التي تضمن التهدئة وتوفر الأمن والاستقرار، التحديات تصنع فرص النجاح وهي عقيدة إماراتية نلخصها عبارة: أن المستحيل ليس إماراتياً وأن دولة يقودها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، قادرة على أن تعيش في الفضاء، وتدير ملفات الأرض بإقتدار، فلذلك أنْ تأتي بعد الإمارات، فهذا يعني أنك تسير في الطريق الصحيح.