عيال زايد في عدن.. للمجد بقية

كما سجل المصريون تاريخهم في سجل المجد يوم أن عبر جيشهم قناة السويس في حرب العاشر من رمضان ورفعوا علم بلادهم على الضفة الأخرى من القناة، كذلك صنع «عيال زايد» في حرب السابع والعشرين من رمضان يوم خاضوا واحدة من أشرس الحروب في العاصمة الجنوبية عدن.

ما بين حرب أكتوبر 1973 وحرب عدن 2015 حقيقة واحدة أن الأمن القومي العربي كان نقطة الفصل، وإنْ تباعدت التواريخ والأزمنة، إلا أن المصير القومي كان على المحك، وكان الرجال عند الموعد.

حقيقة الأمن القومي العربي تتضمن ارتباط أمن المضائق الخاضعة للبلاد العربية كونها مفاصل هذا التكوين الجيوسياسي، ومن المهم المحافظة على أن تكون في مأمن وتحت سيطرة الدول الوطنية العربية، هذه عقيدة نشأت بحقيقة صنعت ما بعد إعلان الزعيم جمال عبدالناصر تأميم القناة في 1956 وما تلاه من العدوان الثلاثي وهي الحرب التي حددت مفهوم الأمن القومي العربي باعتبارات محددة لا تخضع للتأويلات، من هناك تشكلت عقيدة الأمن القومي العربي وتمحورت حولها الصراعات السياسية والتنافس وبذلك شكلت عدن أهميتها الاستراتيجية التي كان عليها أن تصمد بعد أن تساقطت العواصم العربية من بغداد إلى دمشق وبيروت وصنعاء.
رغم أن أهالي عدن كانوا مجردين من السلاح والعتاد فإنهم شكلوا جسداً أخيراً للدفاع عن المتر الأخير من المدينة التي كانت تقاتل ببسالة حتى جاءت الفزعة من «عيال زايد»، وهذا المصطلح المتداول بين العرب في إشارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الدولة التي تحملت المسؤولية في معركة صعبة ومعقدة للغاية.

الوصول إلى عدن كان صعباً لظروف الهجوم على المدينة من قبل ميليشيات «الحوثي» وقوات الحرس الجمهوري التي طوقت المدينة من كل جانب مما حتم أن تكون عملية الإسناد عبر إنزال القوات الإماراتية الخاصة البرمائية على شواطئ عدن متنكرين بالأزياء الجنوبية.

منذ وصول الإماراتيين كانت المهمة القدرة على تأمين وصول المعدات والمدرعات الثقيلة، وهو ما تم بعد أن استطاعت المقاومة الجنوبية فتح جبهات مختلفة في مديريات عدن لتتمكن القوات الإماراتية من الوصول إلى الأرض، لتبدأ واحدة من أعقد عمليات الانتشار العسكري في التاريخ العسكري الحديث.

الجنوبيون تولوا حرب الشوارع، ومع تحرك القوات الإماراتية بدأت تتغير موازين القوى، فلقد استطاعت المقاومة تحويل الدفاع عن المتر الأخير إلى هجوم مضاد في مديريات عدة من المدينة التي كانت في المقابل تعيش ظروفاً إنسانية صعبة لانقطاع الكهرباء والمياه عن السكان. كان النصف الثاني من شهر رمضان حيوياً بعد أن نجحت المقاومة الجنوبية والقوات الإماراتية في السيطرة على مواقع عدة استخدمها العدو لمضادات الطيران، مما أدخل طائرات الأباتشي في المعارك التي كانت تشهدها كل أحياء المدينة، القتال اشتد مع دخول المدرعات الإماراتية إلى عدن حتى الوصول إلى القصر المدور في مديرية التواهي ودخول الشيخ هاني بن بريك وهاشم السيد والضباط الإماراتيين إليه مما مهد القوات للاتجاه إلى المعركة الفاصلة في مطار عدن الدولي. في السابع والعشرين من رمضان اقتحمت المقاومة الجنوبية والقوات الإماراتية مطار عدن ورفع العلم الجنوبي للمرة الأولى على سارية المطار منذ العام 1994، وبذلك أُعلن عن تحرير المدينة وانتصار العرب برجالهم الأبطال.

وحتى هذا الوقت لم توثق عملية التحرير إلا من خلال اجتهادات فردية، وحتى يأتي ذلك الوقت وما بعده ستظل ذكرى تحرير عدن يوماً مجيداً وخالداً في تاريخنا القومي العربي تتفاخر به الإمارات كما يتفاخر به الجنوبي وكل عربي، فذلك يوم من المجد لا يطال، فيه شهداء أبرار قدموا أرواحهم ودماءهم فداء لأوطانهم. فكلما ذكرت عدن تذكر الإمارات وتذكر أفعال عيال زايد الذين واصلوا المهمة حتى حرروا تراب الجنوب العربي وكانوا رأس الحربة وخير سند وعضد للجنوب وللعرب، ولمجد الإمارات والجنوب بقية ستأتي.