حروب الحوثي.. كارثة تخلّف 13% من اليمنيين لأوجاع الإعاقة
فاقمت الحرب التي تسبب بها انقلاب الحوثيين، واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة، وهي معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في ظل انهيار شبه كلي للخدمات والنظام الصحي.
ويمثل اليمن أعلى نسب الإعاقات في العالم، حيث إن نسبة الإعاقة تتراوح بين 10 و13% من إجمالي السكان الذين يتجاوز عددهم 27 مليون شخص.
وقد خلفت الحرب أكثر من 56 ألف معاق حركياً وذهنياً على الأقل انضموا إلى حوالى 3 ملايين شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة موجودين قبل الانقلاب الحوثي وفقاً لرئيس الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين في اليمن عثمان الصلوى.
وتتصاعد أعداد المعاقين بشكل مخيف، حيث يشير مدير صندوق المعاقين عبدالعزيزالصبري لـ"نيوزيمن" أن هناك ما بين 50 و100 شخص ينضمون يومياً إلى فئة المعاقين في اليمن لأسباب أبرزها الحرب والتقزم وسوء التغذية لدى الأطفال والتشوه الخلقي.
إغلاق أبرز الجمعيات
وتوقفت أكثر من 400 جمعية ومؤسسة تعنى برعاية ذوي الاحتياجات عن تقديم خدماتها التعليمية والتأهيلية والاجتماعية بفعل الحرب واستهداف المليشيات لمراكزها أو توقف الدعم المادي المخصص لها، بالإضافة إلى تجميد بعض المنظمات الدولية لأنشطتها باليمن منذ الانقلاب الحوثي في سبتمبر/أيلول 2014.
وتورطت مليشيا الحوثي في إغلاق العديد من الجمعيات ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة أو تسببت في إغلاقها ومنها جمعية التحدي وجمعية الصم وجمعية الأمان للكفيفات، بالإضافة إلى مركز النور لرعاية المكفوفين.
وبحسب حقوقيين، فإن 250 ألف معاق انقطعت عنهم خدمات التعليم في مختلف أنحاء البلاد، حيث أغلقت عدد من المراكز والجمعيات البالغ عددها نحو 450 جمعية ومركزاً.
ويزداد الوضع المأساوي حدة في المجال الصحي والعلاجي، حيث هدمت العديد من المراكز الصحية نتيجة استهداف مليشيات الحوثي الانقلابية لها مما فاقم الإعاقة الحركية عند هذه الفئة التي يتعذر عليها التنقل للعلاج والعمل للعيش الكريم.
معاناة مضاعفة
مع 4 سنوات من الحرب تضاعفت معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في اليمن في ظل غياب أو عجز المؤسسات الحكومية والمنظمات الإنسانية عن حل مشاكل أكثر من ثلاثة ملايين معاق حرمتهم الحرب من الحصول على أدنى متطلبات الحياة.
وخلفت قذائف ميليشيا الحوثي وألغامها الأرضة مئات المعاقين، وقد كانت محافظة تعز الأكثر تضرراً.
يشعر "طاهر" بالعجز عن تناول وجبة غذائه وهي أمامه؛ لأن قذيفة حوثية أفقدته كلتا يديه.
أما ابتهال ذات ال 8 سنوات فلن تتمكن من ارتداء حذائها؛ لأن لغماً زرعته المليشيات في قريتها بإحدى ضواحي الضباب أفقدها ساقيها.
مروان 13 عاماً فقد اضطر الزحف الإجباري لينتقل من مكان آخر بعد أن فقد كلتا ساقيه من منطقة الفخذ بعد انفجار لغم أرضي زرعته المليشيات في إحدى قرى الوازعية.
ويقول فيصل شائف لـ"نيوزيمن"، إنه انتقل من أرياف تعز للعيش في صنعاء خلال فترة ما قبل سيطرة مليشيات الحوثي على العاصمة لغرض استشفاء ابنته سارا البالغة من العمر خمس سنوات في مركز العلاج الطبيعي والذي كان يتقاضى رسوماً رمزية تبلغ نحو سبعة آلاف ريال شهرياً أي ما يعادل ثلاثين دولاراً أمريكياً.
وبعد الانقلاب الحوثي حاول شائف وعائلته الاستمرار في صنعاء رغم الخوف والرعب القائم، لكن إغلاق هذا المركز المجتمعي والخيري أجبرهم على العودة إلى الريف وحرمت سارا من حقها في العلاج الطبيعي وأصبح مستقبلها الصحي مجهولاً.
الطفل محمد نظير، هو أيضا كان يرتاد مركزاً للعلاج الطبيعي في صنعاء لكونه يعاني ضموراً في المخ أفقده القدرة على المشي على قدميه، لكن هذا المركز أصبح مغلقاً الآن بسبب المليشيات.
وفي الحديدة تقول أم آمنة بأن ابنتها ذات الاثني عشر ربيعا تعاني من إعاقة جسدية وعقلية وحرمت من الاستشفاء بعد دخول ميليشيا الحوثي للمدينة وما خلفته من دمار للمركز المجتمعي والخيري الذي كان يمد لها يد العون في العلاج والترويض الطبي.
قلق نفسي يضاعف أوجاع الإعاقة
في الوقت الذي أصبحت فيه حياة اليمنيين طوابير للماء والغاز وغيرها لا يستطيع ذوو الإعاقة الذين يعولون أسرهم الوقوف في الطوابير الطويلة حتى يحصلوا على احتياجاتهم وهو ما يجعل معاناتهم في ازدياد.
وتسببت المليشيا في تعرض الكثير من ذوي الإعاقة بقلق نفسي جراء عدم تمكنهم من ممارسة حياتهم، فمنهم من توقف عن الدراسة أو ممارسة الرياضة، وآخرون لم يعودوا يذهبون إلى وظائفهم أو عملهم الخاص، فيما انقطع دخل الجميع والذي يقتاتون به وأسرهم.
يقول "نبيل"، وهو أحد المعاقين حركياً، "أصواتنا لم تعد مسموعة، ومعاناتنا الصحية والاجتماعية لم يعد يلتفت إليها وبات الكثير منا غير قادر على الانتقال من مكان إلى مكان آخر أو قضاء حوائجنا اليومية بسبب إعاقاتنا خاصة نحن الذين نستخدم كراسي متحركة وأجهزة تعويضية ولا نستطيع الانتقال من مكان إلى آخر.
وأضاف، أن العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم لم يقدروا حتى على النزوح إلى أماكن أخرى بسبب ظروف الإعاقات الصعبة.
هلال الإمارات لم تغفل المعاقين
لم تغفل هيئة الهلال الأحمر الإماراتي شريحة المعاقين في اليمن، بل إن الإمارات تقدم عبر ذراعها الإنسانية دعماً كبيراً لهذه الفئة، حيث تبنت إعادة تأهيل ودعم جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة للتنمية، وهي الجمعية الوحيدة على مستوى مدينة عدن ويستفيد من خدماتها أكثر من 300 معاق منهم 100 طفل حسب رئيسة الجمعية ليلى أبو بكر باشميلة.
وقالت باشميلة، إن الهلال الأحمر قام بعملية الترميم وإعادة التأهيل لمقر الجمعية وصيانة المباني وإعادة تأهيلها بما يتناسب مع الأنشطة والبرامج التي تقوم بتنفيذها، وبالفعل اكتمل الترميم وبتمويل حصري من (الهلال الأحمر) الإماراتية وبمتابعة يومية لسير العمل من قبل المسؤولين فيه والموجودين في عدن.
المليشيات نسفت حقوق المعاق
المنتدى اليمني للأشخاص ذوي الإعاقة، في بيان صحفي له، ناشد كافة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان أن يتحملوا مسؤوليتهم الإنسانية تجاه ما يمر به أبناء اليمن عامة والأشخاص ذوو الإعاقة الذين يعانون معاناة مضاعفة على وجه الخصوص.
ودعا إلى ضرورة مراعاة احتياجات هذه الفئة التي لا تقتصر على المساعدات الغدائية، بل تحتاج إلى كراسي متحركة أو أطراف صناعية تساعدهم على الحركة والتنقل.
ويقول عبدالمجيد الصوفي ، إن الأشخاص من ذوي الإعاقة هم بأمس الحاجة إلى حملات وفعاليات إنسانية تتبنى معاناتهم بدون أي مزايدات، وإعطائهم أكبر قدر من الاهتمام الذي يستحقونه.
وكانت الحكومة اليمنية أنشأت في العام 2002 صندوقاً لرعاية وتأهيل المعاقين يوفر مصادر مالية تتسم بالاستقرار والثبات لدعم المشاريع المختلفة لرعاية وتأهيل المعاقين من خلال استقطاع مبالغ ثابتة من مبيعات تذاكر الطيران والسجائر والجمارك فضلاً عن الهبات والمساعدات.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة أصدرت قبل نحو 7 سنوات قانون رعاية وتأهيل المعاقين الذي نص على تخصيص 5% من الدرجات الوظيفية الحكومية للمعاقين.
الحروب كارثة تخلف الإعاقات
تقول الدراسات، إن أشد أنواع الإعاقة هي تلك الناتجة عن الحروب والصراعات المسلحة، ويخشى أن تخلف الألغام التي زرعتها المليشيا الحوثية ضحايا مدنيين أكثر من ضحايا الحرب ذاتها.