العرب اللندنية: قراءات قطرية خاطئة للملف اليمني
لى مدى سنوات طويلة، عملت قطر في صمت على اختراق اليمن، إلى أن نجحت في سنة 2007، في تحقيق نقلة نوعية من خلال ما عرف بالوساطة القطرية في الحرب بين الدولة والمتمردين الحوثيين.
وحتى بعد أحداث 2011، وسقوط نظام علي عبدالله صالح، ظل الالتباس والعمل في سرية مسيطرين على طبيعة الدور القطري في اليمن، إلى أن انقلب الوضع في اليمن بعد عاصفة الحزم وتدخل التحالف العربي، بقيادة السعودية، لاستعادة الشرعية من الحوثيين.
في ذلك كانت قطر تلعب لعبة مزدوجة، حليفة إيران، وبالتالي الحوثيين، وعضو في التحالف العربي. لكن، لم يدم الحال طويلا حيث وانكشفت قراءات قطر الخاطئة للوضع في اليمن، بعد أن أعلن التحالف العربي إنهاء مشاركة قطر، لتأتي بعد ذلك مقاطعة الرياض وأبوظبي والبحرين والقاهرة للدوحة وتتوضح فصول خفية من تآمر النظام القطري على جيرانه ورهاناته المتعددة لزعزعة أمن المنطقة وشيطنة دول المقاطعة.
تكشف الكثير من التقارير والمعلومات عن استثمار النظام القطري في عدد من الملفات التي اعتبرها رهاناته في إلحاق الضرر بالتحالف العربي، متجاوزا بذلك كل حدود الخلاف السياسي وناقلا الأزمة إلى صراع كسر عظم، مستخدما العديد من الوسائل لتحقيق تلك المعادلة غير المنطقية التي يؤكد العديد من المراقبين أنها تتجاوز حقائق السياسة والجغرافيا.
وتمحور الرهان القطري حول أربعة ملفات أساسية استثمرت فيها الدوحة الأموال الطائلة على أمل أن تكون أوراقا رابحة ضد خصومهما.
- اختلاق حقوقي: منذ الوهلة الأولى لطردها من التحالف العربي في يوليو 2017 أخذ الخطاب السياسي والإعلامي القطري منحى مختلفا، يتسم بالانتهازية ومحاولة تضخيم حجم المعاناة الإنسانية التي خلفتها الحرب الحوثية وتحميل التحالف مسؤوليتها.
وبالرغم من التناقض الواضح في خطابات المسؤولين القطريين، الذين كانوا حتى أشهر مضت أعضاء في التحالف، إلا أن ذلك لم يمنعهم من إطلاق التصريحات التي تدين الحرب وتتلبس دور المحايد، ولكن الأمر في حقيقته لم يكن كذلك، حيث وضعت الدوحة نصب عينيها هدفا تمثل في استثمار الملف الإنساني والحقوقي والعمل على حياكة ونسج الكثير من القصص التي تبدأ من تسييس القضايا الإنسانية مثل المجاعة وانتشار الأوبئة وربطها في الغالب بتحركات التحالف العربي السياسية والعسكرية كما حدث في معارك الساحل الغربي التي كانت كلما اقتربت من تحقيق إنجاز عسكري على الأرض تصاعدت وسائل الإعلام الحوثية بالحديث عن انتشار مرض الكوليرا في المحافظة وهي الأخبار التي كان الجزء الأكبر منها مختلقا ومجافيا للواقع أو أنه من نتاج الممارسات الحوثية التي طالما غض الإعلام القطري الطرف عنها.
وتجاوز النظام القطري في هوسه بشيطنة خصومه الحد الذي جعل الإعلام القطري ينسب جرائم قامت بها الميليشيات الحوثية للتحالف العربي كما حدث عند قصف الحوثيين لمستشفى الثورة وسوق السمك في مدينة الحديدة وهي الحادثة التي اعترفت الأمم المتحدة لاحقا بمسؤولية الميليشيات الحوثية عنها. كما حولت الدوحة منظماتها العاملة في المجال الإنساني إلى أدوات لتمرير الأموال للميليشيات الحوثية واستخدامها كغطاء لتسريب تلك الأموال وهو ما يفسر إعلان مؤسسة قطر الخيرية عن استئناف أعمالها في صنعاء خلال الآونة الأخيرة.
ويشير رئيس رابطة المعونة لحقوق الإنسان والهجرة في نيويورك محمد علي علاو، في تصريح لـ”العرب” إلى أن المال القطري يقف خلف العديد من التقارير الحقوقية التي استهدفت التحالف العربي وأبدت انحيازا مفضوحا للحوثيين.
ولا يستبعد علاو وجود بصمات قطرية في التقرير المثير للجدل الصادر عن فريق الخبراء التابع لمفوضية حقوق الإنسان. ويؤكد أن قطر تنتقم من اليمن ودول الخليج العربي من خلال تسويقها لتقرير جنيف الهزيل، بينما تستمر في ذات الوقت في تمويل الإرهاب عبر جماعات الإسلام السياسي في المنطقة بالشراكة مع إيران وتركيا.
- تكثيف إعلامي: يعد الإعلام أحد أبرز رهانات النظام القطري في صراعه مع محيطه الخليجي، وترتكز استراتيجية الدوحة في هذا الجانب على تكثيف حالة التشويه الإعلامي الموجهة نحو دول التحالف بهدف تكريس صورة نمطية في الداخل اليمني وفي العالم للتحالف وتصويره بشكل الطامع في ثروات اليمن أو الساعي لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية من حربه في اليمن، إضافة إلى بث سلسلة متواترة من الأكاذيب التي تعمد لتشويه أي عمل تقوم به دول التحالف بما في ذلك الأعمال الإنسانية والإغاثية.
ولم يتوقف الأمر عند استثمار قطر لوسائل إعلامها من أجل تحقيق هذا الهدف بل تجاوزه لخلق منابر مضللة تتبع الدوحة وتبث من عواصم غربية وتسويق ما ينشر فيه باعتباره موقف الصحافة الغربية من الحرب في اليمن.
وقامت قطر بخلق منابر إعلامية جديدة في المشهد اليمني تتبنى الخطاب المناهض للتحالف ومن ذلك دعم تأسيس قنوات حوثية وتمويل قنوات إخوانية تحاول تضخيم الصوت المعادي للتحالف في اليمن.
ويؤكد الباحث اليمني ورئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات نجيب غلاب أن إعلام قطر الرسمي وإعلام الظل التابع الممول من حكومة قطر وخلايا الناشطين التابعين للدوحة تدير حربا إعلامية منظمة وممنهجة ضد التحالف العربي في اليمن بحيث أصبحت هذه الحرب تتبنى وتتكامل مع استراتيجية إيران وحزب الله والحوثية وتهدف إلى تفكيك منظومة الشرعية وتفجيرها من داخلها وتشويه دور التحالف والسعي لتخريب علاقة الشرعية بالتحالف لإنقاذ الانقلاب الحوثي.
- اللعب على المتناقضات: لا شيء يجاري في قائمة الرهانات القطرية التحفز الدائم لالتقاط التناقضات في المشهد اليمني واللعب عليها بما ينسجم مع رغبة الدوحة في إلحاق الأذى بخصومها، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
ومنذ إنهاء مشاركتها في التحالف العربي، انهمكت الدوحة في فتح العشرات من الملفات اليمنية والعبث بعناصرها ومكوناتها لصالح أجندتها المشبوهة، فتارة تسلط الضوء على الصراع في عدن وتمنحه بعدا جهويا وتارة أخرى تسعى لإحياء نسخة ميتة من الحراك الجنوبي مقربة من إيران لإرباك حالة التجانس بين مكونات الحراك الجنوبي وفصائل المقاومة الجنوبية التي أعلنت مساندتها لأهداف التحالف العربي لدعم الشرعية.
كما عمل النظام القطري على اللعب بملفات أخرى ساخنة مثل ملف جزيرة سقطرى من خلال محاولة إظهار التواجد الإماراتي الداعم لسكان الجزيرة بأنه احتلال مستفيدة من بعض عناصرها المتواجدين في مؤسسات الشرعية الذين تحركهم في بعض المراحل.
وتكرر الأمر في محافظة المهرة أقصى شرق اليمن، حيث عملت الدوحة إعلاميا وسياسيا وماليا على اختلاق مشهد غاضب من تواجد القوات السعودية التي أتت للمحافظة بموافقة الحكومة الشرعية لإيقاف عمليات تدفق السلاح عبر شواطئ المحافظة الممتدة على بحر العرب.
وفي تكرار لتجربتها في المشهد الليبي، حضرت قطر مجددا في محافظة تعز اليمنية ذات الأهمية الجيوسياسية الكبيرة، حيث عملت على تمويل احتجاجات مفتعلة ضد محافظ المحافظة والتحالف العربي، إلى جانب التورط في دعم فصائل مسلحة محسوبة على جماعة الإخوان في المحافظة والدفع باتجاه خلق حالة صراع مسلح مع فصائل أخرى ذات توجهات قومية وسلفية بهدف خلق مشهد متناقض يحول دول تنفيذ خطط التحالف والشرعية الرامية إلى استكمال تحرير محافظة تعز وخلق نموذج مثالي للمناطق المحررة.
ويذهب الباحث السياسي السعودي علي عريشي إلى أن التحالف العربي استطاع الحدّ من تأثير الكثير من عمليات الدوحة السوداء وفضح دورها في اليمن بعد طرد قطر من منظومة تحالف عاصفة الحزم.
ويضيف في تصريح لـ”العرب” قائلا “أعتقد أن قطر أيضا شاركت بكشف نفسها وأهدافها في اليمن بعد خروجها من التحالف وعزلها بالمقاطعة، والحقيقة أن هذا لم يكن تحولا في الموقف القطري بقدر ما كان سقوطا للقناع الذي كانت تغطي به وجهها، حيث ظلت تلعب الدور القذر نفسه عبر توابعها من حركات الإسلام السياسي وممثله في اليمن حزب الإصلاح، وتلعب المتناقضات بضخ الأموال والدعم الاستخباراتي للحوثيين، وتوجه الجميع نحو هدف واحد وهو إفشال التحالف العربي في اليمن عسكريا وسياسيا وعلى كل المستويات، وتقود في الوقت نفسه عملية منظمة ومتدرجة لتوحيد أهداف الحوثيين والإخوان ومنع أي مواجهة عسكرية حقيقية بينهما”. ويشير عريشي إلى أن البصمة القطرية ما زالت حاضرة وبقوة في اليمن، وما زالت الدوحة تلعب على المتناقضات وتقامر بمستقبل اليمن واليمنيين عبر أدواتها هناك.
- انتظار ما لا يأتي: لا يبدو أفق الرهانات القطرية واضح المعالم، ولا تتضح حدود المغامرة التي تخوضها الدوحة وإلى أي مدى يمكن أن تواصل تعميق الخلاف مع محيطها الخليجي وإبحارها باتجاه الضفة الأخرى من الخليج نحو حلفاء غير مأموني الجانب مثل إيران وتركيا.
لكن القراءة المتأنية لطريقة التفكير القطرية واستشراف رهاناتها المستقبلية في الصراع يمكن القول إنها قائمة في مجملها على انتظار ما لا يأتي من تحولات عاصفة قد تضرب دول يبدو أنها أكثر تماسكا من النظام القطري ذاته الذي تحاصره التناقضات الداخلية والقراءات الخاطئة للمستقبل والرهانات التي تنتمي إلى ذهنية الجماعات الراديكالية التي باتت تساهم بدرجة غير مسبوقة في إنتاج المواقف التي يتبناها النظام القطري المقامر.