العرب اللندنية: مشاورات جنيف لا تحمل بوادر حل قريب للحرب في اليمن
ستحتضن مدينة جنيف السويسرية في السادس من سبتمبر جولة جديدة من مشاورات السلام اليمنية في ظل ظروف سياسية وميدانية بالغة التعقيد تشير إلى أن التوصل لأي اتفاق بين الفرقاء اليمنيين بات أبعد من أي وقت مضى.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن دبلوماسي أميركي قوله “لا يجب توقع الكثير”. ويبدو توقع الدبلوماسي الأميركي أكثر واقعية من حديث غريفيث، ثالث مبعوث دولي لليمن منذ بداية النزاع، عن أن مشاورات جنيف “ستوفر الفرصة للأطراف (…) لمناقشة إطار عمل للتفاوض، والإجراءات المتصلة ببناء الثقة، وخطط محددة لتحريك العملية قدما”.
وهيمنت الخلافات لأول مرة على طبيعة تمثيل المكونات المشاركة في المشاورات والتي يرى خبراء أنها لم تعد تعكس حقيقة النفوذ على الأرض مع رفض قطاع واسع في حزب المؤتمر الشعبي العام لمشاركة جناح الحزب الواقع تحت هيمنة الحوثيين في المشاورات في وفد مشترك مع الحوثيين، وتعبير المجلس الانتقالي الجنوبي عن عدم التزامه بمخرجات جنيف، نتيجة استبعاده منها بعد أن كان المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث يتجه إلى دعوته للمشاركة كمراقب.
استنكار قيادات المؤتمر
في مؤشر على عمق الأزمة التي تحيط بمشاورات جنيف، توالت بيانات المكونات الرافضة للمشاورات والمشككة في جدواها، حيث أصدرت قيادات المؤتمر الشعبي العام في الخارج والتي تعبر عن موقف القسم الأكبر من قواعد الحزب بيانا جدّدت فيه رفضها لأي نوع من الشراكة مع الميليشيات الحوثية وتمسكها بوصايا مؤسس الحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعلى رأسها فك الارتباط مع جماعة الحوثي.
وأكد البيان على توافق قيادات المؤتمر في الداخل والخارج “على عدم المشاركة في المشاورات المزمع إجراؤها في جنيف برعاية المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ما لم توجه الدعوة إلى المؤتمر للمشاركة بصفته ومن خلال وفد منفرد ومستقل بعيداً عن أي من وفدي الحكومة أو جماعة الحوثي”.
وندد بيان قيادات المؤتمر في الخارج بما وصفه بـ”الضغوط والتهديد والإرهاب التي تمارسها جماعة الحوثي على بعض قادة المؤتمر في الداخل لانتزاع مواقف مخالفة لقناعاتهم ولا تعبر عن إرادتهم”.
وأبدى استغرابه من “التغيير الذي حدث في موقف المبعوث الأممي الذي رفض مشاركة المؤتمر بالمطلق، ومن حيث المبدأ”، قبل أن تتغير قناعاته وبشكل مفاجئ، عبر “العمل على محاولة استدراج المؤتمر من خلال إعادة صياغة الدعوة التي وجهت لسلطة الحوثيين ليتم تمثيله تحت مظلتها ووصايتها في مسعى واضح لشق صف المؤتمر، بناء على رغبة الذين أوعزوا للمبعوث بإعادة إرسال الدعوة بالصيغة الجديدة التي ربما هدفها إعاقة نجاح المشاورات خاصة إذا ما اعتبرت الرسالة مؤشراً لانحياز المبعوث لطرف من الأطراف”.
في ذات السياق عبر المجلس الانتقالي الجنوبي عن موقف مشابه من المشاورات المزمع عقدها في جنيف برعاية الأمم المتحدة، معلنا عدم التزامه بأي مخرجات يتم الاتفاق عليها في مشاورات ليس طرفا فيها، محملا المبعوث الأممي نتائج ذلك.
وحمل بيان المجلس الانتقالي الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مسؤولية تراجع المبعوث الأممي عن دعوة المجلس للمشاركة في المشاورات نتيجة لما وصفه البيان بـ”رفض الرئيس هادي التام لأي حضور لقضية الجنوب على طاولة المفاوضات في جنيف”، والتلويح بانسحاب “الحكومة الشرعية من طاولة المفاوضات إذا تم إدراج قضية الجنوب والمجلس الانتقالي الجنوبي فيها” وهو ذات الموقف الذي تبناه الحوثيون، وفقا للبيان.
وفي ظل هذه الإرهاصات المبكرة التي تسبق انعقاد مشاورات جنيف، تبدو فرص التوصل لأي اتفاق سياسي شبه منعدمة، عوضا عن إمكانية تنفيذ مثل هذه التفاهمات على الأرض، نتيجة لحالة التشظي والانقسام التي تفاقمت في المشهد اليمني منذ انتهاء مشاورات الكويت في منتصف العام 2016 حتى اليوم.
وتعكس القراءة المتأنية لقوائم ممثلي الحكومة الشرعية أو الانقلابيين في مشاورات جنيف عدم الجدية وتراجع حالة الرهان على إمكانية تحقيق أي اختراق في المسار السياسي، حيث غابت الأسماء الفاعلة والمؤثرة في قوائم الوفدين التي غلبت عليها أسماء ما يمكن وصفهم بالموظفين غير المخول لهم اتخاذ أي قرار سياسي.
وهيمن حزب الإصلاح بدرجة لافتة على قوائم وفد الشرعية من خلال مشاركة أربعة من قادة الحزب أو المحسوبين عليه، فيما تم تمثيل حزب المؤتمر بوزير في الحكومة الشرعية والآخر وزير أسبق من الذين تم استقطابهم من جناح المؤتمر التابع لعبدالله صالح، وتكرر ذات الأمر فيما يتعلق بتمثيل الحراك الجنوبي في وفد الشرعية الذي تضمن مشاركة اثنين من المحسوبين على الرئيس عبدربه منصور هادي، كما تمثلت الأحزاب الصغيرة المنخرطة في الشرعية مثل الناصري والاشتراكي والرشاد السلفي بعضو واحد. ويرأس الوفد وزير الخارجية خالد اليماني وهو دبلوماسي مهني لم يخض غمار العمل السياسي والحزبي من قبل، وكان آخر منصب له قبل تعيينه وزيرا للخارجية مندوب لليمن في الأمم المتحدة.
وكما خلا وفد الحكومة الشرعية من أي أسماء سياسية بارزة، تكرر الأمر ذاته في وفد صنعاء الذي يرأسه الناطق باسم الحوثيين محمد عبدالسلام الذي يمسك فعليا بملف العلاقات الخارجية في صنعاء، وتشارك في الوفد أسماء هامشية مع غياب القيادات البارزة ذات الصلة بزعيم الجماعة مهدي المشاط وحمزة الحوثي.
وتم تطعيم الوفد الحوثي بعدد من ممثلي المؤتمر من القيادات الثانوية التي تدين بالولاء للجماعة الحوثية ويمكن التكهن بانصياعها التام للقرار الحوثي، وهو ما يفسر حالة الرفض التي أبدتها قيادات بارزة في حزب المؤتمر لمثل هذه المشاركة التي ترى فيها نوعا من الارتهان التام بالحوثيين واختطاف الصوت السياسي للحزب من خلال إبعاد عناصره الفاعلة في الملف السياسي والتي شاركت في الجولات السابقة للمشاورات، وفرض أسماء جاهزة من قبل الحوثيين.
مشاورات ولكن…
يقول الباحث المتخصص في الشؤون اليمنية فارع المسلمي إن مشاورات جنيف “مهمة لأنها الأولى منذ عامين ولأنها تجري برعاية مبعوث أممي جديد”، متوقعا رغم ذلك ألا تؤدي إلى أي اختراق فعلي خصوصا أن القوى الكبرى غير مستعدة بعد للاستثمار في عملية السلام في اليمن.
ويلقي العديد من الخبراء السياسيين باللائمة على المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في تحمل جزء كبير من مسؤولية الفشل المبكر والمتوقع لمشاورات جنيف نتيجة لمحاولته تغيير المسار السياسي للحوار في اليمن والسعي للانقضاض على المرجعيات واستبدالها بأخرى لا تتوافق مع طبيعة مهامه كوسيط دولي يعمل تحت مظلة القرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن.
وتتهم أطراف سياسية غريفيث بمحاولة تكريس سياسة الأمر الواقع التي تلبي أهداف الميليشيات الحوثية، مع رهانه على فرض حلول جزئية لا تتلاءم مع حقائق التطورات على الأرض، عبر دعم دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي.
ويراهن غريفيث وفقا لمراقبين على استثمار الملف الإنساني وجعله في قائمة أولوياته وممارسة ضغوط متزايدة على التحالف العربي تحت هذه اللافتة، في توافق تام مع التوجهات الحوثية التي تراهن كذلك على عاملي الوقت والأزمة الإنسانية التي كانت سببا رئيسيا في تزايدها.
وبالرغم من تلميح غريفيث إلى أن المشاورات ستحاول الانطلاق من النقطة التي وصلت إليها مشاورات الكويت في العام 2016، إلا أن آليات جنيف2 وجدول أعماله الذي سيركز على بناء الثقة بين الفرقاء اليمنيين عبر سلسلة من الإجراءات الثانوية من بينها ملف الأسرى والمساعدات الإنسانية، إضافة إلى اتباع أسلوب جديد يعتمد على اللقاء غير المباشر للوفدين في المرحلة الأولى، كلها أمور تشير إلى منهج مختلف سيتبعه المبعوث الأممي الجديد في جهوده لحل أزمة في طريقها للمزيد من التعقيد.
وستتم المشاورات بشكل غير مباشر، حيث لن يلتقي أطراف النزاع ممن وافقوا على المشاركة وجها لوجه، بل “ستكون بين ممثلي الطرفين كلّ على حدة، فكل فريق سيبحث مع غريفيث مساعي التوصل إلى السلام في غرفة منفردة، ومن ثم ينقل المبعوث الأممي تلك الآراء إلى الغرفة الأخرى للتوافق عليها”، وفق ما صرح به مصدر بمكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لوكالات الأنباء.
وفشل المبعوث الأممي مارتن غريفيث بعد تعيينه مباشرة في التوصل إلى حل جزئي حول ميناء الحديدة وطريقة إدارته. وتسبب هذا الفشل في عرقلة خطط تحرير المدينة من قبل التحالف العربي وقوات المقاومة المشتركة التي وصلت إلى مشارف الحديدة، ومنح ذلك الميليشيات الحوثية فرصة إعادة ترتيب صفوفها داخل المدينة وبين الأحياء السكنية واستقدام المزيد من التعزيزات العسكرية.
وتثير هذه الصورة قلق بعض المسؤولين في الحكومة الشرعية والتحالف العربي من إمكانية تكرار هذا النهج عبر سلسلة من الحوارات الفاشلة التي يقودها غريفيث ويمكن أن تمنح الحوثيين الفرصة وأفق المناورة لالتقاط أنفاسهم على الصعيدين السياسي والعسكري، مع غياب أي ضمانات دولية يمكن أن تجبر الجماعة الحوثية على الانصياع لأي اتفاق يتم التوصل إليه.
وفي انعكاس لحالة عدم الثقة التي تسود بين الشرعية والتحالف العربي من جهة والحوثيين من جهة أخرى، وعلى وقع الإعداد لمشاورات جنيف، ترتفع وتيرة المواجهات العسكرية في محافظة صعدة معقل الحوثيين في أقصى شمال اليمن، حيث يحرز الجيش الوطني مدعوما بقوات التحالف المزيد من الانتصارات العسكرية، في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير الإعلامية عودة المواجهات إلى جبهات الساحل الغربي بشكل متصاعد، وهي تطورات تبعث برسالة مفادها أن خيار الحسم لا يزال سيد الموقف.