واشنطن تخنق إيران: عقوبات مشددة لفرض التغيير
من يشتري نفطا في عرض البحر
قالت مندوب واشنطن الدائم لدى الأمم المتحدة، السفيرة نيكي هيلي، إن الولايات المتحدة ستستهدف نفط إيران وإن الأخيرة ستشعر بتأثيرات ذلك بالمعنى الحقيقي، في وقت تفتقد فيه إيران لبدائل حقيقية يمكن أن تعوض خسائر قطاعها النفطي خاصة في ضوء الاستجابة الواسعة التي تبديها دول مهمة مثل الهند وكوريا الجنوبية وشركات أوروبية كانت طهران تراهن على أنها ستتصدى من خلالها للقرار الأميركي.
وأوضحت هيلي خلال مشاركتها في برنامج تلفزيوني على قناة فوكس نيوز الأميركية، الأربعاء، أن “إيران دمّرت سوريا، ونرى أنها تشكل خطرا على إسرائيل.. إيران تنفذ حروبا بالوكالة في الشرق الأوسط، ولأجل ذلك انسحبنا من الاتفاق النووي”.
وتابعت هيلي “كنا نحوّل الأموال إلى إيران، ونسمح لها بمواصلة هذه المواقف السيئة، واليوم فرضنا مجددا العقوبات عليها”.
وبيّنت أن واشنطن ستستهدف من خلال العقوبات، النفط الإيراني، وسيشعر الإيرانيون بتأثيرات ذلك بالمعنى الحقيقي.
وأكّدت أن إيران تشعر بالألم وهي في وضع ضعيف، مضيفة “سنواصل خنقهم حتى يراجعوا مسألة الصواريخ الباليستية ويقطعوا دعمهم للإرهاب”.
ويقول مراقبون إن اعتماد استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة إيران على العقوبات المشددة سيدفع المسؤولين الإيرانيين إلى مراجعة خياراتهم في التمدد الإقليمي، وهي نقطة الخلاف مع واشنطن والسبب المباشر للعقوبات.
وتبدو إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مصممة على إجبار طهران على التراجع عن نفوذها في العراق وسوريا واليمن ولبنان والتوقف عن الاختباء وراء أذرعها الطائفية، وهو نفوذ يهدد مصالح الولايات المتحدة كما مصالح حلفائها الإقليميين مثل السعودية.
وفيما تبدو العقوبات المشددة هي الخطوة الأولى لاختبار ردة فعل إيران، فإن الولايات المتحدة قد تمرّ إلى خطوات أخرى بينها خيار القوة، والذي عكسه اجتماع رؤساء الأركان الذي جمع في الكويت مسؤولين عسكريين أميركيين بارزين بنظرائهم في دول الخليج ومصر والأردن.
ويشير المراقبون إلى أن التشدد الذي أظهرته إدارة ترامب ضد إيران يلاقي استجابة دولية واسعة فاجأت الأميركيين أنفسهم، ما يقلص هامش المناورة أمام طهران ويفشل أساليبها المعهودة في التهرّب من الحظر.
ولن تستمر المكابرة الإيرانية طويلا، خاصة أن العقوبات، التي لا تزال في مرحلتها الأولى، أربكت شركاء إيران ودفعتهم إلى التخلي عن تعهدات سابقة بشراء النفط الإيراني.
وتقف ناقلتان تحملان مكثفات إيرانية، وهي نوع من الخام الخفيف جدا، قبالة الإمارات العربية المتحدة منذ نحو شهر مع انخفاض الطلب على النفط قبل العقوبات الأميركية.
وأفادت عدة مصادر بالقطاع وبيانات ملاحية أن الناقلتين، اللتين تحملان معا نحو 2.4 مليون برميل من مكثفات بارس الجنوبي، تقفان قبالة السواحل الإماراتية منذ أغسطس بعدما أوقفت كوريا الجنوبية وارداتها من إيران بينما انخفض الطلب الصيني خلال الصيف.
كما أظهرت البيانات أن عدد السفن المحملة بالنفط الإيراني وترسو قبالة ميناء التحميل في جزيرة خرج وحقل سوروش النفطي، يرتفع أيضا مع تراجع عدد مشتري الخام الإيراني. وتقف ثلاث ناقلات عملاقة قادرة على حمل مليوني برميل منذ عشرة أيام أو أكثر، بينما تنتظر أربع أخرى منذ أقل من أسبوع.
وكشف تقرير لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الأربعاء، عن تراجع إنتاج إيران النفطي بنحو 150 ألف برميل يوميا في أغسطس الماضي.
وجاء في تقرير المنظمة أن إنتاج طهران تراجع إلى 3.584 مليون برميل يوميا، الشهر الماضي، من 3.734 مليون برميل في يوليو 2018.
وارتفعت حدة التحديات في مايو الماضي، مع إعلان الولايات المتحدة عن انسحابها من الاتفاق النووي مع طهران وإعادة فرض عقوبات عليها.
وانسحبت شركات من إيران خلال الأشهر القليلة الماضية، من بينها نفطية مثل توتال الفرنسية، وميرسك تانكرز الدنماركية، تخوفا من فرض عقوبات أميركية عليها.
ويعد النفط مصدر الدخل الأكبر لإيران، ودونه ستكون طهران عاجزة عن توفير السيولة اللازمة لنفقاتها الجارية.
وتبدي واشنطن تصميمها على خفض صادرات النفط الإيراني “إلى الصفر” متوعدة بممارسة “ضغط مالي غير مسبوق” على هذا البلد، وهي تهدد الشركات أو البلدان التي ستواصل شراء النفط الإيراني.
وأدت الضغوط منذ الآن إلى تراجع مبيعات النفط الإيرانية بنسبة 24 بالمئة بين مايو وأغسطس بحسب وكالة بلومبرغ للأنباء المالية.
وكتبت “مجموعة أوراسيا” للدراسات في مذكرة “أسأنا تقدير مدى امتثال نيودلهي وبكين للمطالب الأميركية”، مستغربة الانخفاض الحاد في واردات النفط الإيراني إلى الهند والصين بنسبة بلغت 49 بالمئة و35 بالمئة على التوالي خلال ثلاثة أشهر بحسب المكتب.
وتتوقع المجموعة هبوط مبيعات النفط الإيراني بمقدار 900 ألف برميل في اليوم وصولا إلى 1.2 مليون برميل في اليوم بحلول نوفمبر، مقابل 2.7 مليون برميل في اليوم في مايو.
ولوحت إيران مؤخرا بإغلاق مضيق هرمز، نقطة العبور الاستراتيجية لتجارة النفط الدولية. غير أن هذه الخطوة ستنعكس سلبا عليها إذ أن غالبية صادراتها النفطية تمر عبر هذا المضيق الذي يتحكم بالمدخل إلى الخليج.
ولا تمتلك طهران أوراقا ذات تأثير تساعدها على كبح التشدد الأميركي، خاصة أن الوعود الأوروبية لم تتجاوز مجرد تسجيل موقف والسعي لاسترضاء واشنطن والبحث عن تعويض خسائر شركاتها، أكثر منه مسعى للجم خيار العقوبات الذي بات يسري على الجميع بمن في ذلك قوى دولية كبرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي نفسه.
وعلى ضوء القوة الرادعة للعقوبات الأميركية، يشكك البعض في قدرة أوروبا على تقديم عرض مقبول لإيران.
وحذر نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مطلع سبتمبر بأنه “إذا لم نتمكن من الحفاظ” على مستوى مبيعات نفطية يفوق مليوني برميل في اليوم “بعد تطبيق التدابير الأوروبية، فسيكون هذا خطا أحمر”.
وسبق أن توعدت إيران بالانسحاب من اتفاق فيينا إذا “لم يعد يحمي مصالحها الوطنية”.