المغرب يتحرك للتحذير من التسلل الإيراني إلى أفريقيا
حرصت المملكة المغربية على تأكيد أن قطع علاقاتها مع إيران ليس خطوة طارئة، وأن الأمر يتعلق بمعارضة استراتيجية إيران في التسلل إلى شمال أفريقيا من بوابات متعددة، ومن ضمنها استهداف أمن المغرب بدعم جبهة البوليساريو، وأنه لم يستجد أي طارئ يمكن أن يجعلها تتراجع عن تلك الخطوة.
يأتي هذا في وقت تتحرك فيه الرباط لإقناع الولايات المتحدة بخطر التمدد الإيراني ليس فقط على أمن المغرب، ولكن أيضا على أمن المنطقة ككل في وقت تسير فيه استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المتشددة ضد إيران، ببطء شديد بسبب اضطراب في المواقف داخل إدارته.
وقالت الحكومة المغربية إن الأسباب الثلاثة التي دفعت الرباط إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران “لا تزال قائمة إلى غاية اليوم”. جاء ذلك على لسان الناطق باسم الحكومة مصطفى الخلفي، خلال مؤتمر صحافي بالرباط، مساء الخميس، حول مستجدات موقف الرباط في هذا الملف.
وأوضح الخلفي أن “العنصر الأول هو اتخاذ القرار قبل أشهر في إطار ما تمليه مقتضيات الدفاع عن الوحدة الترابية”.
وأضاف أن “العنصر الثاني هو أن القرار سيادي، في حين العنصر الثالث جاء بناء على معطيات ملموسة، جرى تقديمها إلى إيران”.
وتأتي تصريحات الخلفي في سياق جدل إيراني مغربي بعد تصريحات أطلقها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خلال زيارة له إلى واشنطن اتهم فيها إيران بأنها تتطلع إلى الاستفادة من دعمها للبوليساريو من أجل توسيع هيمنتها في منطقة شمال وغرب أفريقيا.
وهي تصريحات انتقدها الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي في تصريحات له الثلاثاء، معتبرا أنها ادعاءات غير مسنودة بأدلة.
ويقول مراقبون إن المغرب أثار قضية حساسة طالما سعى المسؤولون الإيرانيون إلى تعويمها خوفا من انكشاف استراتيجيتهم في التسلل إلى شمال أفريقيا، وهي القضية التي سبق أن أثارت جدلا واسعا في الجزائر قبل ذلك، فضلا عن مخاوف في تونس من استقطاب ممنهج تتولاه طهران بين المثقفين والإعلاميين بوجه خاص.
ويحذر المراقبون من أن التهوين من الدور الذي يلعبه حزب الله في استقطاب وتدريب عناصر البوليساريو لاستهداف أمن المغرب قد يتحول مستقبلا إلى خطر أشمل بأن ينجح الحزب، ومن ورائه إيران، في زرع أذرع تابعة له في تونس وليبيا والجزائر، ما يجعل أوروبا على تماه مباشر بالخطر الذي يمثله الحزب، تماما مثل الخطر الذي تواجهه إسرائيل من عمليات التسليح التي يحصل عليها الحزب بشكل مكثف بالرغم من الرقابة الإسرائيلية المشددة.
وعرض بوريطة هذه القضية لأول مرة في زيارة له إلى واشنطن في أبريل الماضي. وحذر كبير الدبلوماسيين المغربيين في اجتماعاته مع الخبراء والمسؤولين من تزايد الإشارات على أن النظام الإيراني قد ضاعف من تدخله في منطقة شمال أفريقيا، بما في ذلك من خلال التواطؤ مع الجهات الإقليمية المتطرفة مثل متمردي جبهة البوليساريو.
لكن البيت الأبيض، الذي كان بصدد عملية تحول كبيرة في الأمن القومي، بسبب قضية تعيين السفير السابق للأمم المتحدة، جون بولتون، كمستشار للأمن القومي بدلا من هربرت ماكماستر، لم يكن جاهزا للاستماع.
ويأمل بوريطة أن تكون الولايات المتحدة أكثر استعدادا للقيام بدورها الآن. فخلال الأشهر القليلة الماضية، تحدث وزير الخارجية المغربي إلى وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك “فوكس نيوز″، للضغط على القضية. وفي الآونة الأخيرة، جلس في مقابلة حصرية مع “برايتبارت نيوز″ من أجل حث واشنطن على تولّي أمر أنشطة إيران التخريبية خارج الشرق الأوسط.
ويقول بوريطة إن إيران “تود أن تسيطر على منطقة شمال أفريقيا. لقد حاولت ترسيخ قدمها في المغرب في الماضي. وهي الآن تكرر الجهود في دول شمال أفريقيا الأخرى”.
ومن الواضح أن مخاوف المغرب تتقاطع مع استراتيجية الولايات المتحدة في الحد من نفوذ إيران، وهي استراتيجية لا تزال محدودة التأثير، وقد تعجز عن مجاراتها، خاصة أن التمدد الإيراني يأخذ أوجها متعددة (اقتصادية وخيرية ودينية) ويتوسع من شمال أفريقيا إلى غربها وجنوبها، فيما يتوقف المسعى الأميركي للحد منه إلى الآن في منطقة الشرق الأوسط.
وقال وزير الخارجية المغربي لصحيفة “برايتبارت”، “نعتقد أن ما يحدث مع البوليساريو ليس سوى جزء من نهج عدواني من جانب إيران تجاه شمال وغرب أفريقيا. لاحظنا من قبل بعض الأنشطة في السنغال، وفي غينيا، وفي كوت ديفوار، وحتى في غينيا بيساو”.
ومطلع مايو الماضي قرر المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، بسبب ما قال إنه “دعم وتدريب عسكري” يقدمهما حزب الله اللبناني المدعوم إيرانيا، لجبهة البوليساريو الانفصالية.
وأعادت الرباط العلاقات مع إيران أواخر 2016 بعد قطيعة دامت زهاء 7 سنوات، على خلفية اتهام المغرب لإيران بنشر التشيّع في البلاد.
وفي مارس 2009، عمدت الرباط إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، جراء ما أسمته “الموقف غير المقبول من جانب إيران ضد المغرب وتدخلها في شؤون البلاد الدينية”.
وأوضح الخلفي، خلال مايو الماضي، أن بلاده “تملك أدلة وحججا تدين إقدام حزب الله على تسليح وتدريب عناصر من البوليساريو”.
واتهم الناطق باسم الحكومة المغربية، حزب الله بتدريب عناصر من البوليساريو على “حرب الشوارع وتكوين عناصر كوماندوز، حيث يكلف بهذا الأمر قياديين وخبراء من الحزب”. فيما نفت وزارة الخارجية الإيرانية “بشدّة”، في الشهر ذاته، الاتهامات المغربية بوجود “تعاون بين سفارة طهران بالجزائر والبوليساريو”.