استعادة دولة الجنوب العربي.. بين إرادة الشعب ومتطلبات الأمن الإقليمي
لم تعد قضية استعادة دولة الجنوب العربي مسألة داخلية أو مطلبًا سياسيًا محدود الأثر، بل أصبحت عاملًا محوريًا في معادلة الاستقرار الإقليمي.
وقد أثبتت مختلف التجارب أن تجاهل إرادة الشعوب لا ينتج استقرارًا، بل يفاقم الأزمات ويفتح المجال لصراعات ممتدة. ومن هذا المنطلق، فإن الاعتراف بحق شعب الجنوب في استعادة دولته يمثل شرطًا واقعيًا لتحقيق الأمن، وليس تهديدًا له كما يُصوَّر أحيانًا.
وقد عبَّر شعب الجنوب العربي عن إرادته بوضوح وثبات عبر مسارات متعددة، سياسية ومجتمعية وسلمية، ما يجعل هذه الإرادة حقيقة قائمة لا يمكن تجاوزها أو القفز عليها بترتيبات مؤقتة. فالإرادة الشعبية ليست شعارًا، بل قاعدة قانونية وسياسية تستند إليها الشرعية الدولية في معالجة قضايا تقرير المصير، كما أن كل محاولة لتهميش هذه الحقيقة تؤدي إلى حلول هشة سرعان ما تنهار أمام ضغط الواقع.
وتكتسب قضية شعب الجنوب بعدها الإقليمي من كونها تمس أحد أكثر المواقع حساسية في خارطة الأمن الدولي. فاستمرار الوضع القائم دون معالجة عادلة لجذور القضية يخلق فراغات سياسية وأمنية تستغلها قوى الشر والإرهاب، بينما يتيح قيام دولة جنوبية مستقرة وذات شرعية شعبية بناء شراكات إقليمية مسؤولة قائمة على المصالح المشتركة وضبط الأمن وحماية الممرات الحيوية. وعليه، فإن استعادة الدولة الجنوبية تمثل ركيزة للاستقرار لا عامل زعزعة.
وهناك سردية قانونية لقضية شعب الجنوب، بكونها قضية حق تاريخي وسياسي، لا أزمة صراع على سلطة. فشعب الجنوب لا يطالب بحصة في حكم قائم، بل يسعى لاستعادة كيانه السياسي الذي فقده خارج إرادته. وهذا الفارق الجوهري يضع القضية ضمن إطار حق تقرير المصير المعترف به دوليًا، ويمنحها مشروعية قانونية واضحة لا يمكن اختزالها في خلافات سياسية عابرة.
ويتطلب بناء قناعة دولية راسخة بعدالة قضية الجنوب قراءة واقعية للمشهد، تقوم على احترام إرادة الشعوب وربط الاستقرار بالحلول الجذرية لا المؤقتة. فاستعادة دولة الجنوب العربي ليست قفزًا على القانون الدولي، بل انسجامًا معه، وليست تهديدًا للنظام الإقليمي، بل مساهمة في إعادة توازنه.
وبالتالي فإنَّ تمكين شعب الجنوب من حقه المشروع يشكل فرصة حقيقية لإغلاق أحد أطول ملفات الصراع، وفتح صفحة جديدة قوامها العدالة والاستقرار والشراكة المسؤولة، بما يخدم المنطقة والعالم على حد سواء.