الرصاص الطائش.. طلقات البهجة التي تحوّل أفراح لحج إلى مآتم
"بينما تُقرع الطبول وتُعزف الموسيقى ويتمايل الحاضرون رقصاً وابتهاجاً، يحدث أن ينتهي كل ذلك في لحظة، يعم الصراخ وتذرف الأعين دماءً لا دموعاً.. والسبب رصاصة طائشة".
انتشرت ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في حفلات الزفاف في محافظة لحج بشكل كبير وبصورة وُصفت بـ"العبثية" لم تشهد لها المحافظة مثيل.
توجد هذه الظاهرة في أغلب المدن، وهي من العادات المرافقة لحفلات الزواج، حيث تتسبب عادة في حدوث حالات قتل وإصابات نتيجة سوء الاستخدام وما يسمى بالرصاص الراجع، الذي يعود من أعلى ليستقر في رؤوس وأجساد بعض الحاضرين، إضافة إلى ما ينتج عن ذلك من إزعاج وتعكير لهدوء الأحياء السكنية.
تنضم هذه الطلقات إلى السلاح الذي يكبّد كثيرين حياتهم ثمنا، فمن يحالفه قدر رحيم وحظ سعيد أن ينجو من انتهاك مروع ترتكبه مليشيا الحوثي الانقلابية إن كان قتلاً أو اختطافاً أو تعذيباً، فإنّ ذلك "سعيد الحظ" ربما تنتظره رصاصة مروعة في مناسبة باسمة.
حملت هذه الظاهرة مآسيَ مهولة للكثير من الأسر، وباتت تمثل تهديداً كبيراً للأمن العام، ما أحدث رفضاً مجتمعياً كبيراً لها، ومطالبةً بتدخل عاجل للتخلص منها.
رصاص في كل وقت
"المشهد العربي" رصد حالة الغضب من هذه الظاهرة، غضبٌ أعربت عنه فئات مختلفة، إذ يقول علي حامد السقاف الشاعر والأديب:"نحن في ذهول كبير من إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات المختلفة، في مديرية المخادر إطلاق نار في الزفاف، إطلاق نار في الخطبة، إطلاق نار في الولادة، إطلاق نار حتى في الموت".
ويضيف: "اختلط الحابل بالنابل.. لم نعد نعرف ما المعنى من إطلاق الأعيرة النارية.. هل يعني الفرح أم يعني الحزن؟. هذا الأمر أصبح عادةً عبثية بسبب انتشار الأسلحة في أيدي الجميع".
ويتابع: "الأزمة ضاعفت من معاناة المجتمع في ظل طيش مطلقي الأعيرة النارية فهم لا يضعون اعتبار للغافلين في المنازل من النساء ولا يحترمون المرضى والنائمين ولا يحسبون خوف الأطفال".
ويشير إلى أنّ كل همهم هو إشباع غرائزهم واستعراض رجولتهم في غير مكانها، ويذكر: "مهما كان سبب إطلاق الأعيرة النارية يجب وقف هذه المهزلة دون مراعاة أو محاباة لمكانة المحتفى به".
فوضى وبلطجة
رائد صالح مدير مكتب الشباب والرياضة محافظة لحج يرى أنّ ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية انتشرت في المجتمع مؤخراً بشكل كبير ولافت للنظر, وبرزت هذه الظاهرة أكثر بعد اجتياح مليشيا الحوثي الانقلابية وأنصار الرئيس المخلوع (الراحل) علي عبد الله صالح للمحافظات الجنوبية.
هذه الظاهرة - برأي "صالح" - تُفرز انعكاسات سلبية على واقع المجتمع حيث تؤسّس للفوضة والبلطجة وتبعث بشعور عن انعدام الأمن والاستقرار وغياب الدولة وأجهزتها الأمنية بمختلف مسمياتها، وهو ما يدعو إلى ضرورة نبذ هذه الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها بما يتناسب وحجم الفعل.
موتٌ يستدعي وقفة جادة
الضابط محمد سالم غالب (عقيد في الجيش) يؤكد أنّ ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية أزهقت الكثير من الأرواح البريئة، ويقول: "لا يمر يوم إلا ونسمع أو نقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي عن وفاة طفل أو طفلة هنا أو هناك وذلك بسبب الرصاص الراجع من الجو بعد إطلاقه أثناء الأعراس وغيرها من المناسبات الفرائحية".
ويضيف: "هؤلاء المبتهجون في أعراسهم واحتفالاتهم نسوا أنّ هذه التصرفات تصنع الحزن والوجع في مكان آخر ويزهقون الأنفس البريئة دون أي ذنب.. هذه الظاهرة لن تنتهي ما لم تكن هناك وقفات جادة من مختلف ألوان الطيف الاجتماعي والمؤسسات المعنية ضد مطلقي الأعيرة النارية".
تحرك عسكري
محمود الدبعي مصور صحفي يصف انتشار ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في لحج بأنّها ظاهرة سلبية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويقول: "يجب أن تكون هناك وقفة جادة تجاه مرتكبيها وبخاصةً بعد النتائج الكارثية التي أفرزتها من إزهاق للأرواح وترويع للآمنين وإثارة الفوضة والبلبلة وإعطاب الممتلكات العامة والخاصة".
ويضيف: "هذه الوقفة يجب أن تكون من الجهات الأمنية والعسكرية بتفعيل قراراتها السابقة التي قضت بمنع إطلاق الأعيرة النارية في أي مناسبة من المناسبات باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على منع هذه الظاهرة ومنع مرتكبيها الذين تمادوا كثيراً في أفعالهم".
تطويع القانون
عبده جابر سكرتير محافظ لحج يقول إنّ ظاهرة إطلاق النار في الأعراس أصبحت منتشرة بشكل كبير، وقد تسبّبت في العديد من الوفيات في مختلف مديريات محافظة لحج.
ويوضح: "هذه الظاهرة منشرة أيضاً في العديد من المحافظات المحررة، بعضها قد تخلص منها والبعض الآخر مازال ساكنوها يعانون منها رغم وضع بعض الضوابط، وبسبب عدم وجود قانون ملزم لمنع هذه الظاهرة زاد من تمادي مطلقي الأعيرة رغم نتائجها المرعبة".
ويضيف: "هنا يجب تطويع القانون وفرض عقوبات قاسية عليهم حتى يرتدعوا ويرتدع كل من تسول له نفسه في إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس".