رأي المشهد العربي
كلمات فضفاضة عائمة، وتفاؤل بلا مبرر، وحديث عن نجاحات وهمية، وخلط للأوراق، واستمرار في خدمة الانقلاب.. كلها عبارات يمكن بها وصف إحاطة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة مارك لوكوك، وإحاطة المبعوث الأممي لدى اليمن مارتن غريفيث، أمام جلسة مجلس الأمن الدولي أمس الثلاثاء بخصوص الوضع الإنساني في اليمن، التي شعر الشعب على إثرها بالخذلان، بعدما علّق آمالًا كبيرة على تلك الجلسة لحلحلة جهود الحل السياسي في البلاد.
يستمر المبعوث الأممي في صنع الوهم لليمنيين، ويواصل تستره على الخروقات التي ترتكبها المليشيات الحوثية الانقلابية بحق اتفاق السويد، حيث قدّم غريفيث إحاطة نسخ لصق من إحاطاته السابقة، قائلًا إن المسؤولية كبيرة في البناء على الزخم الناتج عن مشاورات ستوكهولم للمضي قدمًا نحو إنهاء النزاع في اليمن، دون أن يشير بوضوح إلى أن بنود الاتفاق لم تُنفذ حتى الآن بسبب التعنت الحوثي.
وأضاف غريفيث أن طرفي الصراع في اليمن وافقا على إعادة الانتشار في موانئ الصليف ورأس عيسى كخطوة أولى، يليها تنفيذ إعادة الانتشار في ميناء الحديدة ومناطق حيوية في المدينة ذات صلة بالمنشآت الإنسانية كخطوة ثانية، بما يسهل الوصول إلى مطاحن البحر الأحمر، كاشفًا عن اقتراب إطلاق سراح الدفعة الأولى من الأسرى والمعتقلين، منوهًا بأن الأطراف تسعى إلى إطلاق سراح كل الأسرى والمعتقلين من الجانبين طبقًا لمبدأ "الكل مقابل الكل".
كما سار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية على درب غريفيث، حيث قال لوكوك إن العنف تراجع في الحديدة بعد اتفاق ستوكهولم، لكنه تصاعد في محافظة حجة، واليمن يمر بأوضاع إنسانية صعبة، مشيرًا إلى أن الوكالات الإنسانية في اليمن تواجه مشكلات كثيرة وصعوبة في الحصول على تأشيرات الدخول، منوهًا بأن أكثر من ثلاثة ملايين شخص - بينهم مليونا طفل - يعانون من سوء التغذية الحاد.
وألمح لوكوك إلى أن تحديات عملياتية عديدة تواجه الأعمال الإغاثية في اليمن، وأن غياب الالتزام بمبادئ القانون الدولي وتدهور الاقتصاد باليمن يؤثر على الوضع الإنساني، لافتًا إلى أن الوكالات المختلفة تسعى إلى تقديم مساعدات لأكثر من 15 مليون شخص - وهم نصف سكان اليمن - خلال العام الجاري، داعيًا الدول الأعضاء إلى الدعم من خلال المؤتمر الدولي الذي سيُعقد قريبًا في جنيف لتمويل خطة الاستجابة لعام 2019.
من جانبها، انتقدت الحكومة إحاطة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، وعدم إشارته إلى حجم الانتهاكات التي تقوم بها مليشيات الحوثي الانقلابية بحق المساعدات الإغاثية والعراقيل التي تضعها أمام المنظمات الإغاثية الأممية والدولية، معتبرةً العمومية والغموض في البيانات والإحاطات الأممية أمرًا غير مقبول، كما أنها لا تساعد في إيجاد عمل إغاثي فعّال يتسق مع دعوات منظمات الأمم المتحدة اليومية لمساعدة الشعب اليمني مما يعانيه.
وأشار وزير الإدارة المحلية رئيس اللجنة العليا للإغاثة عبد الرقيب فتح إلى أن المليشيات احتجزت 102 شاحنة إغاثية في محافظات الحديدة وإب وصنعاء منذ وصول بعثة المراقبين الأمميين إلى الحديدة بعد اتفاق ستوكهولم، في 23 ديسمبر الماضي، منها 5 شاحنات خاصة بأدوية الكوليرا والملاريا، كما احتجزت وفد برنامج الأغذية العالمي في المدخل الشرقي لمحافظة تعز ومنعته من الدخول إلى المحافظة للاطلاع على الأوضاع الإنسانية فيها.
ولفت فتح إلى استهدف مليشيات الحوثي الإرهابية لمخازن المنظمات الأممية أربع مرات بقذائف الهاون، حيث قصفت مخازن برنامج الغذاء العالمي في الكيلو سبعة بمحافظة الحديدة، وقصفت مطاحن البحر الأحمر ثلاث مرات وأحدثت أضرارًا كبيرة في محتويات تلك المخازن، إضافة إلى احتجازها أكثر من 50 ألف طن من المساعدات الإغاثية في مطاحن البحر الأحمر، ومنع الفرق الإغاثية من الوصول إلى تلك المخازن.
وألمح إلى أن مليشيات الحوثي - المدعومة من إيران - قطعت الطريق السريع بين الحديدة وصنعاء عدة مرات، واحتجزت عددًا من الشاحنات الإغاثية المخصصة لمحافظات صنعاء وعمران والمحويت وصعدة، معتبرًا قيام المليشيات الانقلابية بممارسة هذه الانتهاكات - بحضور فرق المراقبين ولجنة إعادة الانتشار - تحديًا واضحًا للقانون الدولي ولاتفاق ستوكهولم الذي ينص على توفير الممرات الإنسانية للمساعدات، منوهًا بأن تلك الممارسات تُعد في مجملها انتهاكات واضحة للقوانين الدولية والاتفاقيات الإنسانية المختلفة.
وحذر فتح من استمرار صمت المجتمع الدولي حيال هذه الجرائم والانتهاكات، كونها تسهم بشكل مباشر في تردي الوضع الإنساني لسكان محافظة الحديدة، داعيًا المجتمع الدولي إلى ضرورة اتخاذ موقف حازم وصارم يحد من مثل هذه الأعمال مستقبلًا.
كثيرةٌ هي الانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات الحوثية ضد المدنيين منذ الحرب التي أشعلتها في البلاد في صيف عام 2014، ففي وقتٍ سابق من فبراير الجاري، كشفت منظمة العفو الدولية (أمنيستي) عن أنّ مليشيات الحوثي ارتكبت جرائم جسيمة قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب، واستخدام السلطة القضائية لتصفية حساباتها السياسية مع المعارضين في مناطق سيطرتها.
وأصدرت (أمنيستي) تقريرًا فاضحًا بيّن مدى الجرائم الفاشية التي ترتكبها المليشيات الانقلابية، سواء ضد الذكور أو الإناث، منها الإخفاء القسري والتعذيب داخل معتقلاتها، مثل التعليق من السقف لساعات والركل واللكم على الأعضاء التناسلية والتهديد بالاغتصاب والابتزاز المادي.
سوف يظل الشعب اليمني يعاني الأمرَّين - الحرب الحوثية والتجويع الحوثي - ما ظل المبعوث الأممي مارتن غريفيث ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية مارك لوكوك يهادنان الحوثيين ويسعيان إلى استرضائهم في بياناتهما وإحاطاتهما بدلًا من الإدانة الكاملة لأعمالهم المعرقلة لاتفاق ستوكهولم، إذنْ، فإن غريفيث ولوكوك يتحملان المسؤولية الحقيقية عن معاناة الشعب، وما دامت الأمم المتحدة تتصرف على هذا النحو إزاء الحوثيين، فإنها هي التي تتحمل مسؤولية المجاعة في اليمن وليس المليشيات وحدها.