حربٌ دموية وأخرى اقتصادية.. جرائم فضحت المليشيات أمام المجتمع الدولي

الأربعاء 20 فبراير 2019 22:00:09
حربٌ دموية وأخرى اقتصادية.. جرائم فضحت المليشيات أمام المجتمع الدولي

في الوقت الذي تُتهم فيه مليشيا الحوثي الانقلابية بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب، روّجت أبوابقها الإعلامية - كذباً وتضليلاً - بأنّها تحرص على تخفيف معاناة المواطنين.

حسين مقبولي الذي عيّنته مليشيا الحوثي وزيراً للمالية في حكومتها الانقلابية (غير المعترف بها) التقى الممثل المقيم للأمم المتحدة، منسقة الشؤون الإنسانية ليز جراندي، حيث تمّت مناقشة الأوضاع في الحديدة، وخطة إعادة الانتشار وفقاً للخطة المتفق عليها.

اللافت أنّ القيادي بالمليشيات روّج كذباً بأنّهم يمارسون إجراءات تعسفية بحق القطاع التجاري وقطاع البنوك، وزعم أنّهم يحرصون على التخفيف من المعاناة الإنسانية.

تضمّنت تصريحات القيادي الحوثي أكاذيب في مجالين اثنين، فعلى الصعيد الاقتصادي نالت البنوك قسطاً كبيراً من الانتهاكات الحوثي، فمن أجل تحقيق غايتها في تمويل حربها والإثراء غير المشروع لقادتها، اقتحت المليشيات عدداً من البنوك واعتدت على العاملين فيها كما أودعت ملاكًا لتلك البنوك في السجون، وهددت آخرين بالاعتقال والمصادرة إذا رفضوا توجيهاتها بعدم التعامل مع البنك المركزي في عدن أو تمويل تجارها، وذلك بعد أيّام من تجميد أرصدة كبرى شركات الاتصالات ومطالبتها بدفع مليارات الريالات.

وما بين الحبس والتهديد بالإغلاق والمصادرة والاعتداء على الموظفين، تعيش البنوك التجارية تحت سيطرة مليشيا الحوثي ما أعاق أنشطتها وعملية الاستيراد لصالح تجارة المشتقات النفطية التي يحتكرها قادة المليشيات عبر تهريب النفط من إيران وبيعه بأسعار مضاعفة لتمويل حربها ضد اليمنيين.

في هذا السياق، شنّ موظفو البنوك التجارية إضراباً بعد اقتحام عناصر المليشيات أحد أكبر البنوك والاعتداء على العاملين فيه بسبب رفضهم الاستجابة لأحد تجارهم بإعطائه أسعاراً تفضيلية في شراء العملة الصعبة لاستيراد بضائع دون المرور بالبنك المركزي في عدن.

ومن بعدها، تكشفت نماذج من المعاناة التي تعمل فيها هذه البنوك تحت حكم المليشيات إذ تبين أنها قامت بسجن رئيس مجلس إدارة أحد البنوك لأنّ فرعه في المحافظات المحررة يتعامل مع البنك المركزي في عدن، كما هددت بإغلاق البنك إذا عاد لهذا الأمر مرة أخرى.

الشق الآخر من الكذب الحوثي يتعلق بالصعيد الإنساني، وفي هذا القطاع ارتكبت المليشيات صنوفاً مختلفة من الجرائم في حق الشعب، وقد وصلت إلى حد اعتبارها جرائم حرب.

وضمن عملها على تصعيد الأزمة الإنسانية، كشف عبد الرقيب فتح وزير الإدارة المحلية، رئيس اللجنة العليا للإغاثة - أمس - أنّ مليشيا الحوثي احتجزت 28 شاحنة تحمل مساعدات إغاثية وإنسانية في المدخل الشرقي لمحافظة إب، وسط البلاد.

وأضاف أنّ من بين الشحنات المحتجزة 13 شاحنة قادمة من محافظة عدن، تحمل مساعدات مخصصة لمحافظات الحديدة، وحجة، والمحويت، وريمة، وصعدة، وتعز، مطالبًا منسقة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في اليمن ليزا جراندي، بالتدخُّل العاجل والسريع وممارسة الضغط اللازم للإفراج عن تلك الشاحنات، وإدانة الانتهاكات الإجرامية التي تقوم بها المليشيات الانقلابية يوميًّا، وبخاصةً فيما يتعلق بالمساعدات الإغاثية والإنسانية.

كما دعا فتح، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك، إلى إدانة هذه الأعمال ورفع تقارير إلى مجلس الأمن بهذا الشأن وممارسة جميع الضغوط الكفيلة بإنهاء مثل هذه الانتهاكات، لضمان عدم تكرارها، وعدم الصمت أمام ما تقوم به المليشيات، وتصنيفها كأكبر منتهك للأعمال الإنسانية.

كما طالب، المجتمع الدولي بالوقوف بجدية وحزم أمام الانتهاكات الجسيمة التي تقوم بها مليشيا الحوثي بحق المساعدات الإغاثية، مؤكدًا أنّ هذه الانتهاكات تخالف كل القوانين والمبادئ الدولية والإنسانية وشدد على ضرورة التصرف العاجل والسريع إزائها.

"إب" نفسها كانت قد دفعت ثمناً جرّاء انتهاكات الحوثيين، وكُشف عن ذلك في الخامس من يناير الماضي عندما احتجزت المليشيات 72 شاحنة إغاثية تابعة لبرنامج الأغذية العالمي كانت متجهة إلى المحافظة إب.

وفي مطلع يناير الماضي، اتهمت الحكومة، مليشيا "الحوثي" بنهب واحتجاز نحو 700 شاحنة تحمل مواداً إغاثية، ومنع 88 أخرى من الدخول، خلال أكثر من ثلاث سنوات، منها أكثر من 88 سفينة إغاثية وتجارية ونفطية إلى مينائي الحديدة والصليف بمحافظة الحديدة خلال الفترة من مايو 2015 إلى ديسمبر 2018.

ومن بين السفن، 34 سفينة احتجزتها المليشيات الحوثية لأكثر من ستة أشهر حتى تلفت معظم حمولاتها، إضافةً إلى استهداف سبع سفن إغاثية وتجارية ونفطية بالقصف المباشر، منها أربع سفن سعودية وسفينتين إماراتيتين وسفينة تركية في البحر الأحمر.

كثيرةٌ هي الانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات الحوثية ضد المدنيين منذ الحرب التي أشعلتها في البلاد في صيف 2014، ففي وقتٍ سابق من فبراير الجاري كشفت منظمة العفو الدولية، أنّ مليشيا الحوثي ارتكبت جرائم جسيمة قد يرتقي بعضها إلى جرائم حرب، واستخدام السلطة القضائية لتصفية حساباتها السياسية مع المعارضين في مناطق سيطرتها.

المنظمة الدولية المعروفة بـ"أمنيستي" أصدرت تقريرًا يمكن وصفه بـ"الفاضح"، بيّن مدى الجرائم الفاشية التي ترتكبها الجماعة الانقلابية، سواء ضد الذكور أو الإناث منها الإخفاء القسري والتعذيب داخل معتقلاتها مثل التعليق من السقف لساعات والركل واللكم على الأعضاء التناسلية والتهديد بالاغتصاب والابتزاز المادي.

وأظهر بحثٌ أجرته المنظمة أنّ امرأةً ورجلين قد اختفوا قسراً وتعرّضوا لسوء المعاملة، قبل أن يُحكم عليهم بالإعدام إثر محاكمة بالغة الجور أمام إحدى محاكم صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، بتهمة مساعدة الحكومة والتحالف العربي، وصدر هذا الحكم ضد أسماء العميسي، وسعيد الرويشد، وأحمد باوزير، فيما عوقب ماطر العميسي والد "أسماء" بالسجن 15 عاماً.

وصرحت راوية راجح كبيرة مستشاري برنامج الاستجابة للأزمات بالمنظمة العفو الدولية: "بينما يستمر النزاع المسلح في اليمن، فإنّ المحاكمة الجائرة لأسماء العميسي والمتهمين الثلاثة الآخرين ما هي إلا جزءٌ من نمط أوسع يستخدم فيه الحوثيون السلطة القضائية لتصفية حسابات سياسية".

وأضافت أنّ المحاكمة جاءت بعد ارتكاب مجموعة من الانتهاكات الجسيمة والجرائم بموجب القانون الدولي، قد يرتقي بعضها إلى جرائم حرب، حيث تعرّض المتهمون، في البداية، إلى الاختفاء القسري، واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي، ونقلوا سرًا من مرفق إلى آخر، وتم احتجازهم في وضع مزري لعدة أشهر في فترة ما قبل المحاكمة، كما تعرضوا للابتزاز من أجل الحصول على المال، وأُخضعوا للإذلال المستمر والإيذاء البدني الشديد، وحرموا من الحقوق الأساسية، بما في ذلك الاتصال بمحام والزيارات العائلية.

تفضح هذه الشهادات جانبين مهمين، أولهما ربما لم يعد في حاجة إلى تأكيد وهو يتعلق بكم الجرائم الوحشية من قِبل المليشيات الحوثية التي يُكشف عنها النقاب يومًا بعد يوم، والثاني هو ما يمكن اعتباره تغافلًا من قِبل المجتمع الدولي ممثلًا في الأمم المتحدة في التعامل مع هذه المليشيات الموالية لإيران من أجل كبح جماحها.

والإقرار الصادر عن "أمنيستي" ليس الأول من نوعه على الصعيد الدولي، فالأمم المتحدة كثيرًا ما اعترفت بذات الأمر، ففي أغسطس الماضي قال خبراء بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إنّ مليشيا الحوثي متورطة في انتهاكات تصنف على أنها جرائم حرب.

وأضاف الخبراء في تقرير صدر آنذاك عن الأوضاع في اليمن، أنّ مليشيا الحوثي أطلقوا صواريخ على السعودية ومنعوا توزيع إمدادات في تعز وقصفوا المدينة الاستراتيجية من مواقعهم المرتفعة فضلًا عن سياسة التعذيب المستخدمة ضد معارضيهم، وأنّ المليشيات جنّدت الأطفال وزجّت بهم في المعارك، لكنّ شيئًا لم يحدث على الأرض يشير إلى تحرُّك ضد المليشيات لوقف تلك الجرائم.