المكلا سيدة مدائن الجنوب ومسكونة في القلوب

غادرت مدينتي عدن (المغلوبة على أمرها) فجر الخميس 14 فبراير، 2019 إلى المكلا، حاضرة محافظة حضرموت للمشاركة في أعمال الدورة الثانية للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، خلال الفترة 16 - 18 فبراير 2019م تحت شعار (استعادة الوطن وبناء الدولة الجنوبية المدنية الفيدرالية المستقلة) ووصلنا إلى الحبيبة المكلا قبل مغرب الخميس.

غمرت السعادة قلبي لأن وصولي إلى المكلا حمل عدة دلالات منها: أنني كنت تواقاً لرؤية المكلا التي قرأت عنها - مع حضرموت- في ظل السلطنتين عطرتي الذكر: «القعيطية والكثيرية» ومنها أن دلالة انعقاد الدورة الثانية في المكلا تحمل رسالة -على السطور وتحت السطور- إلى العالم الخارجي بأن قضية الجنوب اكتملت جغرافياً وعمت الفرحة، لأن حضرموت تعني الشيء الكثير عند الجنوبيين، أرضاً وسكاناً وتاريخاً وثقافة واقتصاداً، وكأننا قد قلنا لجنوب ما بعد 30 نوفمبر 1967م : «باي باي جنوب اندماجي، ومرحباً جنوب فيدرالي» مرحباً أهالي حضرموت سادة على أرضهم، مرحباً أهالي المهرة، سادة على أرضهم، مرحباً أهالي شبوة سادة على أرضهم، مرحباً أهالي أبين ولحج وعدن سادة على أرضهم.

ثم بدت المكلا ساحرة وأنا أطل عليها من بلكونة غرفتي، فقد رأيت المكلا وقد ارتدت عباءة مدينة البندقية الإيطالية، وتميزت عن سائر مدن الجنوب بهذا المنظر الخلاب، وتأكدت بذلك المقولة التاريخية «أن الحضارات قامت على ضفاف الأنهار وشواطئ البحار»

عشت ولا أزال أعيش حالة ذهول، وعاشها معي عشرات القادمين إلى المكلا للمشاركة في أعمال الدورة الثانية وفي مقدمتهم الأحباب: عوض باجرش، تمام باشراحيل، عبدالله الحوثري، ومحمد علي هادي، وقاسم عسكر، ود. صالح الحكم، وفضل الربيعي، والزميلات العزيزات: عيشة عبدالعزيز، وأنيسة طربوش، ونادرة عبدالقدوس.. والقائمة طويلة، وتمثل ذلك الذهول في مشاهد غير مألوفة منها: ألّا وجود للبلاطجة في المكلا.. لا وجود لمسلحين يجوبون المدينة، لانتزاع جبايات من أصحاب البسطات أو العربات كما هو حاصل في عدن.

صدِّقوا أو لا تصدقوا، «إذا خرجت إلى أحد شوارع المكلا أثناء صلاة العصر أو المغرب أو العشاء سترى عشرات العربات (الجواري) وعليها أشتات الخضار والفواكه، ولا أحد بجانبها لأن أصحابها في المسجد، وهذا مشهد غير مألوف في عدن لأنها (أي العربات) ستكون عرضة للسرقة.

رجال الأمن يعاينون السيارات دون أي تأخير؛ أي أن رجل الأمن يعاين عشرين سيارة في عشرين دقيقة، لا ترى رجال أمن وهم يتعاطون قاتاً أو شمة أو زردة، أو مخدر «الحوت» كما هو عندنا في يعدن.

إذا باشر أحد هدم مبنى قديم وبداية إعادة إعماره، لا ترى بلاطجة يظهرون للمطالبة بحق الحماية، على عكس ما هو شائع في عدن، ومنها ما حدث في نهاية هذا الأسبوع عندما أقسم أحد البلاطجة لرجل باشر في بناء مبنى مهدم: «إن لم تدفع لنا حقنا في الحماية سنمنعك من البناء ولن يحميك أحد».
أقولها ويقولها غيري: «إن البيئة في حضرموت نقية؛ لأنها البيئة الحضرمية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الانتماء في المكلا واضح، أن المكلا حضرمية، وهو ينتمي لحضرموت، لكن المقيمين في عدن لا ينتمون لها فكرةً وثقافةً وأخلاقاً، وهو الانتماء السابق للاستقلال.. عدن ما قبل 30 نوفمبر 1967م أرفع قيماً من عدن بعد 30 نوفمبر 1967م.