الوجه الآخر من تعقيدات الأزمة اليمنية

كلما مر الوقت دون حسم عسكري أو سياسي في سبل حل الأزمة اليمنية، التي دخلت في الشهر الماضي عامها الخامس منذ بداية انطلاقة «عاصفة الحزم» في مارس (آذار) 2015، والتي من دونها لكان اليمن الآن تحت سيطرة إيران عبر أداتها المحلية، الحوثيين، ازداد تعقد مشهد الأزمة اليمنية، من مكونات أطراف الصراع الثلاثي اليمني – اليمني، والأممي للأمم المتحدة، والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى بروز تعقيدات جديدة في إطار كل طرف من الأطراف الثلاثة المذكورة، ولعل الأكثر حدة تنحصر بشكل رئيسي في مكونات الطرف اليمني، وفي علاقته مع الأمم المتحدة. وفي الطرف الأممي بدوره بدأ التنافس بين بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بمحاولة روسيا الاتحادية استعادة نفوذها في جنوب اليمن بصفة خاصة، وعدم تركه حكراً على بريطانيا وحدها.

ولعل الأكثر تماسكاً وتوافقاً هو قيادة التحالف العربي. وكأي تحالف لا بد أن تكون هناك بعض تباينات في الرؤى بين الحلفاء، ولكن اتفاقهم الاستراتيجي المطلق يتمثل في صد التمدد الإيراني إلى الخليج والجزيرة العربية عبر بوابة اليمن؛ لأن ذلك يدخل ضمن الأمن القومي العربي كله، وضمان حرية الملاحة في واحد من أهم الممرات الدولية لتصدير النفط للعالم، عبر باب المندب وخليج عدن والمحيط الهندي.

فكل من هذه الأطراف الثلاثة وتفرعاتها، تتداخل فيما بينها ويؤثر بعضها في بعض، سلباً أو إيجاباً.
فعلى مستوى الطرف اليمني، أساس التقسيم يقوم على وجود الشرعية المعترف بها دولياً من جهة، ومن جهة أخرى جماعة الحوثيين من «أنصار الله»، وهما يمثلان طرفي الصراع في اليمن. وبقدر ما يبدو أن الطرف الحوثي في الصراع اليمني متماسك، لشعورهم بأن معركتهم مصيرية في الدفاع عن استيلائهم بالانقلاب على السلطة الشرعية، وهم أصلاً أقلية سكانية ومجتمعية يتوجب عليهم التعاضد والتضامن فيما بينهم، فإن الطرف اليمني الممثل للشرعية، تبدو صورته غامضة وأكثر غموضاً مما هو لدى «أنصار الله»، للتقسيم المناطقي بين من هم من جنوب اليمن ومن هم من شمال اليمن، وبينهما رئيس الجمهورية المارشال عبد ربه منصور هادي الذي يمتلك الشرعية الدستورية بين الكماشتين الجنوبية والشمالية، وسعيه بحكم منصبه للتوفيق بين الطرفين، أو لعب دور الحكم بينهما.

وفي الحقيقة، بحكم أن جميع الأحزاب الممثلة للشرعية، هي وأمنائها العامين هم شماليو المنشأ، بمن فيهم قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، الذي تأسس في الجنوب، فإن توزيع المناصب في الحكومة وفي السفارات يأخذ بعين الاعتبار تلك المعطيات.
فالروابط والتضامن بين أفراد الشرعية تجمع الغالبية بينهما فكرة استمرارية الصراع والحرب أيضاً، لما توفره لهم من مكاسب مادية كبيرة، أشارت إليها منظمة الشفافية الدولية في حجم الفساد في اليمن، في تقريرها الأخير، وذكرناه في مقالنا الأخير.
وبالفعل، يندهش الأجانب في الندوات والمؤتمرات من رؤية ممثلي الحوثيين والنخبة اليمنية المختارة من الأحزاب السياسية والمستقلين، يتسامرون ويتبادلون الأحاديث الودية فيما بينهم، وكأن الحرب وضحاياها الإنسانية لم تحدث في اليمن.
وقد شاهد العالم في نهاية مؤتمر استوكهولم، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومبعوثه الخاص لليمن مارتن غريفيث، مصافحة خالد اليماني وزير الخارجية اليمني رئيس وفد الحوثي في المشاورات السيد عبد السلام، وقال ما معناه: «هذا أخي وليس عدوي». والمشكلة الآن أن اتفاق السويد يواجه تحديات كبيرة في تنفيذ بنوده، التي تم التوافق عليها في ديسمبر (كانون الأول) 2018.


وفي الأيام الماضية، أدلى اليماني بتصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط» (21 مارس) ذكر فيها أن خطة المبعوث الخاص لإعادة الانتشار، هي نفسها التي قدمها الجنرال لوليسغارد في 8 فبراير (شباط) الماضي، والمبادرة التي طرحها الرئيس عبد ربه منصور هادي في اجتماع الخامس من الشهر الماضي، والتي رفضت الميليشيات في ذلك الوقت قبولها، مشدداً على مسؤولية الأمين العام للأمم المتحدة الأخلاقية، والتزامه أمام الرئيس اليمني بأن مؤسسة الدولة ستعود في الحديدة.
ومن تحميل الوزير اليماني الأمين العام للأمم المتحدة المسؤولية التاريخية، يتوجه الوزير نفسه إلى الأمين العام للأمم المتحدة مجدداً بخطاب احتجاجي في 20 مارس الماضي، ضد مبعوثه إلى اليمن مارتن غريفيث وطاقمه الأممي في صنعاء، بسبب تواطئهم مع الميليشيات الحوثية، في موضوع بحث إجراءات نقل آلية التفتيش والتحقق الأممية من جيبوتي إلى ميناء الحديدة، دون علم الحكومة اليمنية! وكان غريفيث في التوقيت ذاته يلتقي في أبوظبي شخصيات قيادية من المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسعى إلى المشاركة كطرف آخر في مشاورات أو مفاوضات السلام حول مستقبل اليمن.

وقد نشط المجلس الانتقالي في الأسابيع الأخيرة بشكل لافت، بذهاب قيادته ممثلة برئيس المجلس السيد عيدروس الزبيدي إلى لقاء في مجلس العموم البريطاني في لندن، للتعريف بالمجلس الانتقالي ونظرته في سبل حل القضية الجنوبية، وفي توقيت لقائه نفسه في لندن قام وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هنت، الذي كان في زيارة للمنطقة بزيارة مفاجئة إلى عدن، العاصمة المؤقتة لليمن.
وتكرر السيناريو ذاته عند ذهاب السيد عيدروس الزبيدي والوفد المرافق له، في زيارة إلى موسكو، التقى فيها نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، وأعضاء من الجمعية الاتحادية الروسية، ورئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما (البرلمان الاتحادي الروسي)؛ حيث سارع بدوره سفير روسيا لدى اليمن فلاديمير ديدوشكين بالتوجه للمرة الأولى في زيارة إلى العاصمة عدن، والتقى فيها شخصيات من المجلس الانتقالي في الجنوب، وأدلى بتصريحات فسرت إعلامياً بتعاطف روسيا مع المجلس الانتقالي، وسرعان ما قام بتوضيح الموقف الروسي المؤيد لوحدة اليمن وعدم تجزئته، مما يعني أن بلاده ليست مع انفصال الجنوب عن الدولة اليمنية.

وصاحب هذا الحراك السياسي والدبلوماسي زيارة السفير الأميركي ماثيو تولر للمرة الأولى لعدن، واجتماعه برئيس وزراء وأعضاء الحكومة اليمنية، وعقد مؤتمراً صحافياً تناول فيه عدة قضايا حول موقف بلاده من الأزمة اليمنية، ومن تعنت الحوثيين وتهديدهم لدول الجوار بالأسلحة الثقيلة، وأكد أن حكومة بلاده «لا تدعم» الجماعات التي تسعى لتقسيم اليمن؛ لأن أميركا والعالم كله يدركون أن مصلحتهم تكمن في يمن موحد وآمن ومستقر.
وما هو لافت للنظر في تصريح السفير الأميركي، أنه لم يقل بصريح العبارة إن بلاده ضد أي مشروع أو توجه لفك الارتباط في اليمن، وإنما اكتفى بالقول، وهو الدبلوماسي المخضرم: «لا تدعم» الجماعات التي تسعى لتقسيم اليمن.
والغائب في هذا الحراك الدبلوماسي للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، غياب دور ممثلي فرنسا والصين.
ومن جانبها، قامت سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، أنتونيا كالفو، بلقاء شخصيات من قيادات المجلس الأعلى للحراك الثوري، وهو أحد المكونات الجنوبية للحراك الجنوبي، وفي لقائها بهم دعتهم إلى توحيد الكيانات الجنوبية الرئيسية لشغر كرسي الجنوب في المفاوضات السياسية اليمنية القادمة، مؤكدة دعمها لجهود المبعوث الدولي غريفيث في هذا الاتجاه.

الرسالة واضحة بتحرك سفراء الدول الرئيسية إلى عدن، لتثبت الشرعية بذلك أنها موجودة في عدن على مستوى الحكومة، وأن الأمن مستتب في العاصمة المؤقتة، بعكس ما تحاول بعض الأطراف الأخرى في الشرعية ومن الحوثيين أن تشيعه، من أن العاصمة عدن ليست مستقرة كما هو الحال في صنعاء، حسب وجهة نظرهم.
والتطور الآخر أن المشاورات أو الحل السياسي للأزمة اليمنية وإيقاف الحرب، لن يقتصر على تداوله فقط بين الشرعية والحوثيين، وإنما الأمر يتطلب الإعداد مبكراً للأطراف الواجب حضورها لإعداد وتحديد مشروع السلام القادم لليمن، بمشاركة جميع مكونات أطراف الأزمة في الحل الشامل، في السلم والسلام والاستقرار لليمن، وللمنطقة كلها.