لم تتحقق الوحدة أصلا ليبكوا عليها!
عبدالقوي الاشول
لا أدري لماذا يشيرون إلى الانفصال كما لو أنه شبح مخيف يخلق الانقسام في جسم المجتمع.. فالوحدة لم تتحقق وفق كافة المعطيات، وفي الأصل كنا دولتين والمنطق الواقعي أن استعادة الوضع إلى ما كان عليه هو الأقرب للحلول التي تخرج الجميع من نطاق الفوضى والاحتراب. فالوحدة بسنواتها المنصرفة لم تكن سوى حالة معاناة لا حدود لها، خصوصاً لدى الطرف الجنوبي الذي دفع أثمانا باهظة جراء تلك الحالة الارتجالية التي تمت بها الوحدة التي تم الغدر بها في مهدها ليمارس الطرف الآخر كل سلوكياته المستخفة تجاه الجنوب وتدمير مقدراته ونهب ثرواته على نحو لم يكن مسبوقا في تاريخه.. ما يعني أن حنينهم للوحدة لا يأتي من ما تحقق في عهدها البائس من استقرار، لأن ذلك لم يحدث بالمطلق بقدر ما كانت سنوات فوضى وحروب وقمع ونهب وإقصاء، وهو الوضع الذي يقترن في ذاكرتنا الجنوبية حين يكون الحديث عن تلك الكارثة التي ارتكبت بحقنا للأسف.. الحال الذي كلفنا أثمانا باهظة من النفوس البشرية جراء تلك الندبة السوداء في التاريخ التي لا يمكن أن تسقط من ذاكرتنا وذاكرة الأجيال.
المثير حقاً أن المدافعين عن الوحدة ينظرون للأمر من زاوية مصالحهم الذاتية أو مصلحة الطرف الذي استأثر بكل شيء، بل إن المدافعين عنها بضراوة هم من لازالت تقع تحت سلطتهم حالات تقاسم الثروات بما فيها البترولية والمعدنية وغيرها من الثروات التي تناهشتها الأطراف المستفيدة.
هؤلاء هم من غدر بالوحدة ودمرها في المهد إلا أنهم يرون أن حالهم الوحدوي يكون شفيعاً لهم في ممارسة النهب والفساد، وهو ما يجعل مطية الوحدة لإثارة المشاعر سبيلاً لقاء سلطتهم رغم أن الأمر لم يعد بتلك الصورة في طبيعة تركيبتهم السياسية الراهنة، إلا أن أحلام بقاء الجنوب تحت سطوتهم مازالت أملاً يراودهم حتى وهم في النزع الأخير.
ربما يتجاهل هؤلاء حقيقة المارد الجنوبي الرافض للتدجين والإخضاع لاعتمادهم على صدى أصوات واهنة خاسئة ربما تمنحهم الأمل أن فكرة العودة إلى المربع الأول ممكنة.
لقد جرت على سطح حياتنا مياه كثيرة وهي حالة لا يمكن معها البناء على الماضي الأليم بالمطلق على الأقل بالنسبة لنا في الجنوب الذي لا يمكن تخيل تعاطيه مع الوضع من منظور أي نمط للعودة إلى الماضي بكل مآسيه.. ما يعني أن فكرة استعادة الدولة هدف سامٍ لكافة أطياف مجتمعنا، وهي استعادة لا تعني الانسلاخ من الجسد الواحد كما يصدر البعض بقدر ما هي طريق الانعتاق للجنوب والتعافي من ويلات عقود خلت طريق معبد بدماء الأوفياء من أبناء شعبنا.