وفاة الشيخ خليفة بن زايد.. قائد عظيم ومسيرة زاخرة
فَقْدٌ مؤلم رافق رحيل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بعد مسيرة زخرت بكل صور العطاء ليس من أجل الإمارات وحسب، لكن من أجل العرب أجمعين.
النبأ المفجع أعلنته وزارة شؤون الرئاسة الإماراتية، التي نعت إلى شعب دولة الإمارات والأمتين العربية والإسلامية، والعالم أجمع، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ودعت الله تعالى أن يتغمّد الفقيد بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته.
وزارة شؤون الرئاسة أعلنت الحداد الرسمي وتنكيس الأعلام على الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مدة 40 يومًا؛ اعتبارًا من اليوم، وتعطيل العمل في الوزارات والدوائر والمؤسسات الاتحادية والمحلية والقطاع الخاص 3 أيام اعتباراً من اليوم.
الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وُلد في 1948 وذلك في قلعة المويجعي بمدينة العين، وهو الابن الأكبر للراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وينتمي إلى قبيلة بني ياس، القبيلة الأم لمعظم القبائل العربية التي استقرت فيما يعرف اليوم باسم دولة الإمارات العربية المتحدة.
الشيخ خليفة عاش مع عائلته في قلعة المويجعي في مدينة العين، وتلقى تعليمه المدرسي في المدينة نفسها بالمدرسة النهيانية التي أنشأها الشيخ زايد، وقضى معظم طفولته في واحات العين، والبريمي، بصحبة والده الذي حكم منطقة العين في ذلك الوقت.
تدرج كبير في مناصب الشيخ خليفة، فعندما انتقل الشيخ زايد آل نهيان إلى مدينة أبوظبي ليصبح حاكم الإمارة في أغسطس 1966، عين نجله الشيخ خليفة الذي كان عمره 18 عاما في ذلك الوقت، ممثلا له في المنطقة الشرقية ورئيس المحاكم فيها، واعتبر هذا التفويض دليلا على ثقة الوالد المؤسس.
سار الشيخ خليفة على خطى والده، ونفّذ الكثير من المشروعات التنموية الكبرى في المنطقة الشرقية، وبخاصة الهادفة لتحسين الزراعة، وقد كان نجاحه الملحوظ في العين بداية حياة مهنية طويلة في خدمة الشعب، وبداية تولي دوره القيادي بسهولة، ومهارة سجلتها إنجازاته الكبرى.
الشيخ خليفة أصبح المسؤول التنفيذي الأول لحكومة والده الشيخ زايد بن سلطان، وتولى مهام الإشراف على تنفيذ جميع المشروعات الكبرى.
بات الشيخ خليفة وليًّا لعهد أبوظبي عام 1969، وفي أول يوليو عام 1971، وكجزء من إعادة هيكلة حكومة أبوظبي، تم تعيينه حاكما لأبوظبي ووزيرا محلياً للدفاع والمالية في الإمارة، وفي 23 ديسمبر 1973، تولى الشيخ خليفة منصب نائب رئيس الوزراء في مجلس الوزراء الثاني.
في 20 يناير 1974، تولّى مهام رئاسة المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، والذي حل محل الحكومة المحلية في الإمارة، وأشرف الشيخ خليفة على المجلس التنفيذي في تحقيق برامج التنمية الشاملة في إمارة أبوظبي، بما في ذلك بناء المساكن، ونظام إمدادات المياه والطرق، والبنية التحتية العامة التي أدت إلى إبراز حداثة مدينة أبوظبي.
بأوامر الشيخ خليفة، تأسّس جهاز أبوظبي للاستثمار عام 1976؛ بهدف إدارة الاستثمارات المالية في الإمارة، لضمان توفير مصدر دخل ثابت للأجيال، فيما تم انتخاب الشيخ خليفة رئيسًا لدولة الإمارات في 3 نوفمبر 2004، في أعقاب وفاة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في 2 نوفمبر 2004.
مسيرة الشيخ خليفة كانت حافلة بالعطاء والعمل من أجل التنمية على صعيد واسع، وقد نالت القوات المسلحة الإماراتية دعمًا كبيرًا وذلك في أعقاب القرار التاريخي للمجلس الأعلى للاتحاد بدمج القوات المسلحة تحت قيادة واحدة وعلم واحد.
اهتمام الشيخ خليفة جعل المؤسسة العسكرية معهدًا كبيرًا متعدد الاختصاصات، يتم فيه إعداد كوادر بشرية مدربة، فأنشأ عدة كليات، وأمر بشراء أحدث المعدات والمنشآت العسكرية.
اقتصاديًّا، أنشأ الشيخ خليفة دائرة أبوظبي للخدمات الاجتماعية والمباني التجارية المعروفة باسم (لجنة خليفة) في عام 1981، ويقدم القسم قروض البناء للمواطنين.
على هذا الصعيد أيضًا، شغل الشيخ خليفة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي منصب قيادة المجلس الأعلى للبترول الذي تم نقل صلاحياته إلى المجلس الأعلى للشؤون المالية والاقتصادية، وشكّلت عملية تطوير المنشآت البتروكيماوية والصناعية في الإمارات جزءاً من برنامج طويل الأمد، يستهدف تنويع اقتصاد البلاد باعتباره من أولوياته.
وبعد انتخابه رئيسًا لدولة الإمارات، أطلق الشيخ خليفة خطته الاستراتيجية الأولى لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، وضمان الرخاء للمواطنين.
أحد أهداف الشيخ خليفة الرئيسية كرئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة كان السير على نهج والده الذي آمن بدور دولة الإمارات الريادي كمنارة تقود شعبها نحو مستقبل مزدهر يسوده الأمن والاستقرار.
السياسات الخارجية للشيخ خليفة كانت نموذجًا يُقتدى به، إذ حرص على انتهاج سياسة خارجية نشطة، تدعم مركز دولة الإمارات كعضو بارز وفعّالل إقليميًّا وعالميًّا، وقد كان أيضًا من أشد المناصرين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويؤمن أن نجاح وإنجازات هذا المجلس تعكس عمق التلاحم بين قادته.
كما أظهر الشيخ خليفة التزامه بتعزيز العلاقات الدولية من خلال استقبال قادة من دول آسيا، وأوروبا، والدول العربية الأخرى، وانتهج كذلك سياسات إغاثية وإنمائية تدعم الدول والشعوب المحتاجة، بالإضافة إلى المساعدات الحكومية لدولة الإمارات.