الوحدة هي كل المآسي والآلام

وفق كافة المعطيات، القضية الجنوبية تختلف عما سواها من الحركات الانفصالية في الكثير من البلدان، ولا تأتي في هذا السياغ لأن واقعنا مختلف، بمعنى لسنا أقلية عرقية تريد الانفصال عن الوطن الأم كما هو الحال لدى بعض الأقليات العرقية التي تمارس نضالات شاقة منذ زمن لإحقاق حقها في الاستقلال وتقرير المصير. وهو أيضا حق مشروع لها من منظور ما واجهت على مر الأزمنة من سطوة الأنظمة التي تعاطت مع تلك الأقليات العرقية بدرجة عالية من القمع والإقصاء واستخدام الوطأة العسكرية في الكثير من الحالات لقمع نضالاتها..

ناهيك عن حالة التقاطعات الدولية في المصالح التي تمنع عن هؤلاء هذا الحق من زاوية حسابات لا تتصل بمصالح تلك الأقليات، إنما من منظور ما لدى بلدان الجوار من حسابات كما هو الحال بالنسبة لأكراد العراق.
إذن حالتنا تشير إلى دولة كانت قائمة دخلت مع الآخر كشريك إلا أن هذا الآخر تجاوز كل خطوط الاتفاقيات المنظمة، بل تجاوز القيم والأخلاق في كل ما كان تجاه شعب الجنوب وثرواته ومقدراته.. ناهيك عن درجة غير مسبوقة من الإقصاء الذي مورس بحق الطرف الذي كان يفترض أن يكون شريكا فعليا..

ثم تطور كل ذلك إلى ممارسة الحرب ضد الطرف الشريك، وما زلنا حتى اللحظة ندفع فاتورة تلك الغلطة التاريخية التي وقعت في شراكها القيادة السياسية للجنوب.
بمعنى أدق صفحة مآسي الجنوب جراء تلك الغلطة التاريخية لا حدود لها، إن لم تكن قد ألقت عن شعبنا كل معاني الحياة الكريمة وحولته إلى حلقات من مآس متصلة ببعضها جراء سلوكيات الطرف الآخر الذي لا زالت بقايا طعامه السياسي تعبر عن نفس الجوهر والمعنى، وكأن شيئاً لم يحدث.. هكذا يطلقون من منظور مصالحهم التي يراد منها أن يكون الجنوب متنفسها وساحتها التي لا ينبغي أن تعبر عن مصالح شعبها.

وقد لا يدرك العالم ما مارسه نظام صنعاء من بطش بحق الجنوبيين، وما مارس من نهب عقودا خلت من حكم صنعاء حولت الجنوب إلى طعام، في حين تناهش هؤلاء عقارات أراضيه وثرواته على نحو لم يحدث في تاريخه.
هكذا باع القادمون الجدد النفط الخام وهو ما زال في باطن حقوله في محافظات الجنوب، وعلى ذلك يتم قياس سطوة النهب التي طالت الثروات الأخرى كالغاز والذهب. لا بل تعمد تدمير كل شيء جميل وتحويل الجنوب إلى فوضى في زمن قياسي.
نتحدث عن ممارسات سعوا من خلالها لتزوير التاريخ وطمس ثقافة الجنوب وتدمير التعليم وتفريخ الإرهاب الممول في الأصل من قيادة هذا النظام، إن جاز التعبير.

وبالمجمل، نحن نتحدث عن مظالم سلطات تبين للعالم أنها عصية على الإصلاح، بعيدة عن الحضارة والتقدم، سلطة هي ملك القبيلة المسيطرة.. ولهذا السبب تدخل الحرب قريباً عامها الخامس، وسط حيرة العالم وقواه الحية من هذا النمط الفريد من العقليات التي لا أفق في اتجاهاتها لإصلاح حالها.. علاوة على أنها لا تؤمن بحق الآخرين في الحياة.
من هنا كانت ومازالت نضالات شعب الجنوب مستمرة وعاقدة العزم، كل العزم، على الخروج من شرنقة القهر والعبث المستبدة.​