المخدرات.. الوحش المفترس

عبدالقوي الاشول

خلال الفترة الزمنية الماضية شهد واقعنا عدة قضايا أخلاقية واعتداءات على النفوس، ونحوها من الجرائم الغريبة على مجتمعنا أو الدخيلة، إن جاز التعبير.. فهي لم تكن معهوده إلا مقترنة بظهور المخدرات وتعاطيها، التي للأسف لم تقابل بسطوة أمنية وقانونية.

والثابت أننا إزاء وحش مفترس منتهك للكرامة البشرية يتجاوز القيم والأخلاق، وهو الأشد فتكاً على مجتمعنا طالما والتعاطي مع الأمر لا يتعدى معالجات وإجراءات غير جادة وغير صارمة.

مشكلة عانت منها بلدان سبقتنا لذلك ودفعت الثمن غاليا حتى أنها لجأت إلى إصدار قوانين وتشريعات عقابية حادة بحق مروجي ومتعاطيي تلك السموم شديدة الخطورة.

الموجع أن ما برزت إلى السطح من جرائم جراء المخدرات تم التعاطي معها في نطاق الجرائم العادية، وهو الحال الذي فاقم من حدة المشكلة.. فمروجو تلك السموم لا شك استغلوا جوانب كثيرة في أوضاع المجتمع إن لم تكن المسألة موظفة بطريقة يراد عبرها خلق واقع اجتماعي خارج السيطرة وإلهاء فئة الشباب وتدمير عقولهم.

أذكر قبل فترة دعاني أحد الزملاء في إحدى مناطق الريف لقضاء بعض الوقت في مقيله، وحين وصلت المكان فوجئت بأن من يمضغون القات في مقيله هم بين عشر سنوات وثلاثة عشر عاماً وما فوق، منظر أدهشني، عندها سألت صديقي كيف تسمح لهذه الأعمار بتعاطي القات والسجائر في مقيلك، هذا أمر محزن للغاية؟! إلا أن الأولاد الحاضرين ردوا عليّ بأن ذلك يتم بمعرفة آبائهم!.. شيء فضيع لم أستطع معه البقاء في المكان.. خصوصاً وأن هؤلاء الشباب اللامبالين لا يجدون أدنى حرج في ذلك حتى أمام معلميهم. تركت المقيل المليء بتلك الصور المؤلمة جدا، فمن غير المناسب أن نشعر أولئك الصبية أن ما يفعلونه أمراً عادياً. وجهت انتقاداتي الحادة لأولئك الفتية إلا أن ذلك لم يحدث أي تأثير في نفوسهم.

قطعاً تلك ليست الحالة الوحيدة سواء في الأرياف أو في المدن، فالحال بات متشابهاً للغاية، فإلى جانب عدم الاهتمام بالتعليم تظهر هذه السلوكيات المروعة مع رضى الأهل للأسف.. فماذا ينتظر من هؤلاء الصغار أن يكونوا في المستقبل؟! مثل هؤلاء يصعب إصلاحهم.

ثم إذا افترضنا أن القات ليس من المخدرات، فهل من المنطق أن يترك الآباء أبناؤهم ضحية عادات كهذه من المهد؟!، الأمر الذي يقود دون شك إلى تعاطي المخدرات الأخرى طالما وهي موجودة للأسف.

الأمر هنا يقتضي توعية الأهالي بكيفية المحافظة على الأبناء، ثم تأتي الخطوات الأخرى التي تحتاج قطعاً لجهود مكثفة في محاصرة داء المخدرات وعدم التهاون في إنزال أقسى الطرق العقابية تجاه من يسعون لتدمير المجتمع عبر تجارة المخدرات وسمومها التي تفتك بمستقبل الأجيال، وتدمير نواة المجتمع البشري التي يمكن المراهنة عليها.

حال يذكرني هنا بقول الشاعر العربي:
لا تنهَ عن خلق وتأتي بمثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
إذ لا يمكننا أن ننهي عن المخدرات طالما وسمحنا لأطفالنا في سن مبكرة بتعاطي ما يتصل بها من قات وتدخين ونحوهما، لتغدو المخدرات في نهاية المطاف تحصيل حاصل لنسق سلوكي خاطئ وحالة من الانفلات الأخلاقي الذي لا يمكن لجمه طالما وهي أمور لازمتهم منذ الصغر.​


مقالات الكاتب