احفظوا ألسنتكم لتحافظوا على أرواح الناس ومستقبلهم!


من المؤسف، بل والمثير للقلق المصحوب بتزاحم الأسئلة في رؤوسنا المشحونة أصلاً بالخوف والتوتر والترقب، لما ستسفر عنه الأحداث والتطورات المتسارعة من حولنا، أو التي نشهدها بفعل الحرب الدائرة منذ أكثر من أربع سنوات وتداعياتها الخطيرة وبكل جوانبها وأبعادها ومآلاتها اللاحقة، وخاصة بعد أن غيّر الانقلابيون مسارها الرئيسي ومسرح عملياتها إلى حدود الجنوب وبتعاون وتنسيق وتواطؤ أطراف شمالية عدة محسوبة على شرعية الرئيس هادي.. أن يصعّد البعض من الجنوبيين ومن مواقع وصفات رسمية وشبه رسمية ومن مستويات مختلفة، وفي هذا التوقيت بالذات، من خطابهم السياسي التحريضي ضد الآخر الجنوبي وافتعال المشكلات أو تضخيم بعضها حتى وإن صغر حجمها وكانت قابلة للحل وبسهولة، دون تأويل لها أو استغلالها، واعتماد التصريحات النارية وسيلة وأسلوباً لتوجيه الرسائل المستفزة وبهدف الابتزاز حيناً، واستعراض القوة حيناً آخر، ولإرباك المشهد الوطني العام في كل الأحيان، وهي بالنتيجة تصب في خدمة أعداء المشروع الوطني للجنوب وتمهد للفتنة وتدفع بالجنوب إليها دفعاً، أكان ذلك بوعي وإدراك أصحابها أو بغير ذلك، وهو ما يعني بأن هؤلاء لا يقدرون قيمة الكلمة التي تطلقها ألسنتهم ومدى خطورتها البالغة على النسيج الوطني والمجتمعي والضرر القاتل الذي يلحقه ذلك بالمشروع الوطني ويضعف قوة ومنعة الجنوب وقدرته على الصمود والانتصار لحريته وكرامته الوطنية، واستعادة دولته وسيادته على أرضه، وصيانة تضحياته الجسيمة التي قدمت من أجل كل ذلك وما زالت تقدم حتى اليوم على الحدود وفي مختلف الجبهات، بل وفي الداخل الجنوبي وبصور وأشكال كثيرة ومتنوعة يقف خلفها وينفذها أولئك الذين يعملون على زعزعة الأمن والاستقرار في الجنوب، وصولاً للفوضى المدمرة وخاصة في عاصمة الجنوب (عدن).

إن الفتنة إذا ما اشتعل فتيلها، وهو ما تبحث عنه وتعمل من أجله وبكل السبل القوى المتربصة بالجنوب وأهله شراً، فحينها لن ينجو هؤلاء من جحيمها ولا غيرهم، حتى وإن حُسم الأمر لصالح طرف من الأطراف، لأنه ببساطة، سيخرج ضعيفاً ومتحملاً لإرث ثقيل لا يقوى على حمله وعلى مواجهة التداعيات اللاحقة والتحديات المختلفة، وسيهزم الجنوبيون في هذه الحالة أنفسَهم بأنفسهِم، وسيدفعون الثمن نيابة عن عدوهم.

ولهؤلاء نقول: احفظوا ألسنتكم لتحافظوا على أرواح الناس ومستقبلهم وتجنبون بذلك الأبرياء من دفع ثمن حماقاتكم، وعليكم أن تعلموا علم اليقين: أن هناك طرفا ثالثا جاهزا على الدوام، وأكثر من أي وقت مضى، للقيام بالمهمة نيابة عنكم، وما عليكم إلا إشعال الفتيل! 
لذلك نقولها هنا وبوضوح: إن الانتصار للجنوب لن يأتي محمولاً على أشلاء الضحايا، ولن تزفه إلينا الفواجع وأشكال الدمار المرعبة، ولن تتحول أعمدة الدخان الناتجة عن الحرائق المشتعلة إلى بخور يبارك مهنئاً لمن غرز خنجره القاتل في صدر أخيه وشريكه في الوطن حاضراً ومستقبلاً، وبأن الحوار والحوار وحده، هو السبيل المضمون للخروج من هذا الوضع المحتقن.. وهو ما يجعل من دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي للحوار مع كل القوى والكيانات والشخصيات السياسية والمجتمعية للوصول إلى صيغة للتفاهم والوفاق أمرا في غاية الأهمية إنقاذاً للجنوب وانتصاراً لإرادته، وسيكون ذلك ممكناً عندما يتحلى الجميع بالمسؤولية الوطنية العالية وتسوده لغة الصدق والوضوح والصراحة مع النفس ومع الآخر كذلك، وعندما يكون ذلك سائداً وعلى قاعدة الحوار الأخوي البناء فإن الثقة المتبادلة ستسود كذلك، وهي القاعدة الذهبية لتقديم التنازلات المتبادلة، وفيها يتحقق الموقف الوطني الموحد والمسؤول لكل من يحرص على مصلحة الجنوب العليا ومستقبل أجياله القادمة دون اختلاق للأعذار والمبررات غير المقبولة وطنياً وسياسياً!​