تطويق منزل ومنع زيارات.. لماذا وضعت مليشيا الحوثي أحد قادتها تحت الحصار؟
بلغ الصراع الداخلي بين قادة مليشيا الحوثي، تصاعداً لم يسبق له مثيل، لا سيّما في واقعة محمد حسين المقدشي , حيث كشفت واقعة استقالته من منصب محافظ ذمار وما تلاها من أحداث عن حجم الاستطقاب الحاد الذي ضرب المعسكر الحوثي من الداخل.
مصادر لـ"المشهد العربي" قالت إنَّ المليشيات وضعت المقدشي رهن الإقامة الجبرية في صنعاء، وذلك بعدما فضح وقائع فساد كبيرة يرتكبها قادة الانقلابيين.
لم تكتفِ المليشيات بذلك، بل قامت - حسبما بيّنت المصادر - بمنع الزيارات عنه وبات تحت حراسة شبه دائمة، حيث قامت عناصر حوثية بتطويق منزله بشكل كامل.
إقدام المقدشي على تقديم استقالته على إثر وقائع فساد كشف عن حجم الاستقطاب في الداخل الحوثي، عندما اتهم قادة المليشيات بالفساد، وهي حقيقة لم تكن في حاجة لأنْ يؤكِّدها المحافظ الحوثي.
المقدشي في بيان استقالته تحدّث عن دوره في المحافظة، وقال إن جهوده اصطدمت بظهور عوائق وعقبات لا مبرر لها، تصاعدت لتصل لحدود مبالغ فيها، لدرجة افتعال أزمات، وخلق إشكاليات الهدف منها إثارة الفتن والخلافات.
وأضاف: "ظلت الأمور تسير في جهة واحدة نحو المجهول، وظهرت معها عمليات فساد وتحول مفاجئ لأشخاص لهاوية الفساد، وجني مكاسب شخصية، واختلالات في العمل الإداري في المكاتب، وتدخلات غير منطقيه في الاختصاصات، والأخطر من كل ذلك الانحراف الكبير لبعض المديرين والمسؤولين"، في إشارة إلى قادة الجماعة الحوثية القادمين من صعدة.
واتهم المقدشي، القيادات الحوثية بأنهم يعملون لمصلحتهم الشخصية، ويتخلون عن خدمة السكان، وقال إنه أصبح عاجزاً عن القيام بمهامه، ووصلت الأمور معه إلى حد لا يطاق، بعد أن تصاعدت الاختلالات، وأصبحت "خارج المعقول".
وأوضح أنّ كثيراً من مهامه خرجت من صلاحيته، وتفاقم العبث والعشوائية، لدرجة أنه أصبح عاجزاً عن إقالة أو عزل الموظفين الفاسدين، مشيراً إلى تشكل قوى جديدة في المحافظة، في إشارة إلى المنتمين إلى سلالة الحوثي، وقال - بحسب الصحيفة - إنّ هناك قوى استحدثت وتكونت داخل المحافظة لتكوين لوبي فساد للسيطرة والتحكم على موظفي ومسؤولي وقيادة المحافظة، والتحكم في سلطة المحافظة وتسييرها.
في هذا السياق أيضاً، قالت مصادر قبلية إنّ المشرف الحوثي في ذمار فاضل المشرقي ومعه عدد من القيادات المنتمية إلى سلالة زعيم الحوثيين، قاموا بتهميش المقدشي، والإطاحة بالمسؤولين المحليين المحسوبين على حزب المؤتمر الشعبي كافة، وتعيين موالين خلفاً لهم رغماً عن المحافظ المستقيل.
المقدشي يعد من زعماء قبيلة عنس، من كبرى القبائل اليمنية، وهو بخلاف كثير من أبناء عمومته المناصرين لـ"الشرعية"، واختار تقديم الولاء لزعيم المليشيات الحوثية، ظناً منه أنَّه سيستطيع خدمة أبناء محافظته في ظل حكم الانقلاب الحوثي بشكل أفضل، ويحافظ على مصالح قبيلته.
في هذه الفترة، بات لا صوتاً يعلو بركان صراع الأجنحة الذي فجّر المعسكر الحوثي، ولم يتوقف الأمر عند المقدشي، فقبل أيام بلغ هذا الصراع مرحلة بالغة، حيث تعرَّض وزير الدفاع في حكومة المليشيات (غير المعترف بها) اللواء ركن محمد العاطفي لمحاولة اغتيال في صعدة.
صراع الأجنحة قائمٌ حالياً بين قيادات المليشيات بما يسمى "جناح صنعاء" ومشرفي صعدة، وقالت المصادر إنّ مشرفي صعدة بقيادة عبدالله عيضة الرزامي وبدعم من عبدالكريم الحوثي وبتوجيه من عبدالملك الحوثي يسعون لفرض سيطرتهم الكاملة على كل مؤسسات الدولة وإقصاء جناح صنعاء الذي يتهمونه بالولاء للرئيس السابق علي عبد الله صالح وارتكاب قضايا فساد كبيرة والعمالة للشرعية.
وأضافت المصادر أنّ توجيهات عبدالملك الحوثي لأتباعه تقول "لا تثقوا بقيادات صنعاء وقبائلها عسكريين ومدنيين خونة فمن يجري وراء المال ويخون شرفه العسكري غداً سيحصل على المال يخوننا ويجب تصفيتهم قبل أن يتحولوا إلى خنجر".
ويحاول الحوثيون، بحسب المصادر، استدراج القيادات الكبيرة إلى الجبهات المشتعلة وبخاصةً صعدة والضالع بحجة رفع المعنويات المنهارة لمليشياتهم لكنه تتم تصفيتهم بنيران صديقة.
وأجرى وزير الدفاع الانقلابي محمد العاطفي زيارة مؤخراً للمديريات الشرقية لمحافظة صعدة لكنه تفاجأ بقصف لمقاتلات التحالف العربي على موكبه ما أدى إلى مقتل عدد من مرافقيه ونجاته بأعجوبة، وعند خروجه من الأطراف الشرقية لصعدة تعرض موكبه لإطلاق نار من نقاط حوثية وسط تضارب الأنباء عن مصيره، حيث تتحدث مصادر أنه مصاب فيما أخرى تقول إنه قتل، غير أن مقربين من عائلته تحدثوا عن نجاته.
العاطفي كان يشغل قائد ألوية الصواريخ قبل الانقلاب، والمتهم الرئيسي بتسليم الصواريخ التي تمتلكها اليمن للمليشيات عقب السيطرة على صنعاء وكافأته بتعيينه وزيراً للدفاع.
وجاءت المواجهات التي يخوضها مشرفو المليشيات القادمون من صعدة بعد أيام من إعلان رئيس ما يُسمى "المجلس السياسي" مهدي المشاط عن عزم زعيمه عبدالملك الحوثي تصفية المؤسسات اليمنية مما وصفهم بالفاسدين والعملاء.
وكثرت في الآونة الأخيرة الاشتباكات المسلحة التي تندلع بين الانقلابيين فيما بينهم والتي تسقط قتلى كثيرين، وتكشف حجم تصارع الأجنحة الذي يحكم هذا المعسكر الإرهابي.