جيش الجنوب الواحد الموحد

كان الخليفة العباسي هارون الرشيد رحمه الله جالساً يوما في فناء قصره؛  فرأى سحابة تسبح في السماء فقال قولته الشهيرة: (أمطري حيث شئت فإن خراجك يأتي إليّ!) .. هذه العبارة  تذكرني بالتسابق على عسكرة  الجنوبيين منذ تحرير عدن وعدد من المحافظات الجنوبية في ????م فهناك قوى مختلفة  تسجل شباب الجنوب وتكون منهم معسكرات ولكلٍّ من ذلك هدف.

فهناك تشكيلات جنوبية عسكرية تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي وهي امتداد واسع وطبيعي للمقاومة الجنوبية التي أعُلن عنها قبل ????م  لاسيما في الضالع على يد القائد عيدروس الزبيدي.

هذه القوة  قديمها وحديثها قوة جنوبية قيادة وسيادة  وسياسة وهي الآن  تجترح البطولات في الضالع وكرش والمسيمير وشبوة وغيرها من المواقع وهي صمام أمان قضية شعب الجنوب  والأمن العربي في الجنوب. وهنالك قوة  أخرى عسكرية هي قوة المقاومة الجنوبية التي ولدت في أتون حرب الدفاع عن الجنوب وطرد الغزاة المحتلين في ????م هذه القوة  لها قادتها الميدانيون المعروفون فبعضها يحسب على المجلس الانتقالي وبعضها يحسب على الشرعية ولكنها حين يحصحص الحق ويحمى  الوطيس لن تكون إلا مع الجنوب الذي ولدت من معاناته وتشكلت من صلبه. وهنالك قوة  أخرى تسمى بقوات ألوية  الحراسة  الرئاسية .

هذه القوة من حيث قادتها وأهدافها فهي تتبع حزب الإصلاح وزعيمه العسكري والقبلي والأيديولوجي علي محسن الأحمر وتسعى إلى الانقضاض على الجنوب واستعادة  احتلاله وتنطوي هذه القوة على عسكر  شماليين وعلى إرهابيين من دواعش وغيرهم، ولكن يوجد في إطار هذه  القوة جنوبيون كثر ليسوا موالين لقياداتهم وأهدافهم المريضة المتربصة  فهم جنوبيون هوى وهوية وقضية  ومصلحة  ومصيرا،  خاصة مع استمرار العمل السياسي الجنوبي في أوساطهم. فقد  تعسكروا هناك نظراً لظروفهم المعيشية والحاجة للعمل والوظيفة، هؤلاء  يكون عليهم الرهان ليرثوا ذلك السلاح والمعسكرات ويلتحقوا برفاقهم وإخوتهم الجنوبيين في الوقت المناسب، ويصوبوا أسلحتهم ضد أعداء الجنوب.

وهنالك أيضاً قوه عسكرية  جنوبية أخرى تنسب إلى قيادات جنوبية ضمن شرعية عبدربه منصور من هذه  القوة  ما يشكله وزير الداخلية أحمد الميسري حيث لا يخفى على أحد  ذلك التشكيل الحثيث، لكن هذه  القوة  شبابها جنوبيون  ولا نظن  ولا نعتقد أن الميسري يعمل كل ذلك من أجل التصادم مع القوة التي توالي  الانتقالي والجنوب بشكل عام ولكنه قام بذلك كنوع من إثبات الوجود في خضم هذه الاستقطابات والتكتلات شمالا وجنوبا فهو يمثل سلطة  الشرعية ولا يريد أن يكون ضعيفا لا أمام الشماليين ولا أمام الجنوبيين  بمعنى إن هذه  القوة هي ورقة سياسية ضاغطة لترتيب وضع قادم  ومشاركة سياسية سيأتي وقتها ، ولا يريد بها الميسري إعادة  الجنوب إلى باب اليمن. هكذا نعتقد ونحسن الظن  ولو أراد ذلك لا قدر الله فإنه لن يقدر ولن يستطيع لأن أفراد تلك القوة لن يواجهوا إخوانهم الجنوبيين بأي حال من الأحوال .

وأما إخواننا السلفيون فقد أبلوا بلاء  حسنا في طرد الغزو الحوثي ومطاردته وما يزالون  ويقعون الآن ضمن التشكيلة الأولى التي تتبع المجلس الانتقالي فهم سلفيون جنوبيون، الإسلام دينهم والجنوب وطنهم ولكل حق، ونحن معهم في ذلك.

وهنالك قوة عسكرية جنوبية أخرى ولكنها منزوعة السلاح هذه القوة هي جيش الجنوب السابق الذي حله وشرده نظام صنعاء المحتل بعد غزو 94م ذلك الجيش المهني الوطني الجنوبي لم تكن هزيمته سهلة ولكنها كانت بفعل عوامل كثيرة داخلية وخارجية.

فإذا كان اليوم يصعب إعادة ذلك الجيش بعدته وعتاده وتشكيلاته بحكم حركة الزمن والتاريخ فإنه يتحتم الإفادة من كوادره وكفاءاته المجربة في بناء الجيش الجنوبي الجديد فهذا الجيش نفسه هو الذي فجر الحراك السلمي الجنوبي في 2007م من خلال جمعية المتقاعدين العسكريين.

كل هذه التشكيلات التي ذكرتها أعلاه منها سينبثق ميلاد الجيش الجنوبي الجديد الواحد الموحد بعون الله وقدرته.

ومثل هذا الطرح ليس أماني أو عواطف فلنا في تاريخ جيش الجنوب شواهد، فالجيش الجنوبي الذي شكله الإنجليز ذات يوم انتصر في الأخير  للشعب وثورته على الرغم من شطط السياسيين فيما بعد في استبعاد قيادات ذلك الجيش الأصيل.

وحين احتدم الصراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير قبيل الاستقلال تدخل الجيش وحقن الدماء وحسم الأمر وسلم السلطة للمدنيين؛ صحيح سلمها لأحد طرفي الصراع ولكن كان ذلك يعود لملابسات تاريخية تخص تلك المرحلة وكان على السياسيين أنفسهم أن يتحاوروا ويقبلوا بعضهم على قاعدة المصلحة الوطنية للجنوب.

وحتى في يناير 86م رغم فداحة الحدث فإن الجيش الجنوبي حسم الأمر وسلم السلطة للمدنيين في لمح البصر وعاد إلى ثكناته في سابقة حضارية في تاريخ الجيوش العربية.

لقد أراد الله تعالى ثم شعب الجنوب وثورته وحلفاؤه أن يكون للجنوب جيشه الرادع كضرورة تاريخية وطنية وقومية.

والله الغالب على أمره.