المليشيات وسرقة المساعدات.. القصة الكاملة لجريمة فتك البطون

الثلاثاء 9 يوليو 2019 23:41:56
المليشيات وسرقة المساعدات.. القصة الكاملة لجريمة "فتك البطون"

يوماً بعد يوم، يضيق الخناق على مليشيا الحوثي جرّاء فضائح جرائم الفساد التي تطال قادتها والتي تكشف عن الوجه الحقيقي للانقلابيين الذين تسبّبوا في أزمة إنسانية يشهدها اليمن، ولا مثيل لها على مستوى العالم.

مليشيا الحوثي أوقفت تحقيقاً داخلياً بعد أن توصّل إلى فساد عدد من قادتها ونهب المساعدات الإنسانية، حسبما كشفت مصادر حزبية في صنعاء، تحدَّثت لصحيفة الشرق الأوسط، قائلةً إنَّ رئيس حكومة الانقلابيين (غير المعترف بها) عبد العزيز بن حبتور كان قد اتفق مع المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية ليز جراندي، على تشكيل لجنة للتحقيق في اتهامات سرقة المساعدات الغذائية.

إلا أنّ قيادياً رفيعاً في المليشيات سارع إلى وقف عمل اللجنة ومصادرة وثائقها بعد أن أثبتت تورط قادة حوثيين كبار في عمليات سرقة المساعدات الغذائية.

بالتزامن مع ذلك، لا تزال أطنان المساعدات الغذائية المقدمة من المنظمات الإنسانية الدولية مكدسة في مخازن تقع بأماكن متفرقة من صنعاء تتبع بطريقة مباشرة وغير مباشرة قيادات في المليشيات الحوثية.

يأتي هذا فيما كشف سكانٌ في صنعاء عن استخدام المليشيات قاعات وفصولاً ومكاتب في عدد من المدارس والمؤسسات الحكومية مخازن لإخفاء المساعدات الغذائية، حيث تقوم المليشيات بإخفاء هذه المساعدات ثم تبيعها بشكل تدريجي في الأسواق.

وبحسب أحد التجار، فإنّ هناك أكثر من 15 ألف كيس قمح و18 ألف علبة زيت ومواد غذائية أخرى حالياً بمخازن أحد التجار المقربين من المليشيات الحوثية في صنعاء، وقال: "جميع هذه المواد عليها شعارات الأمم المتحدة ومقدمة مساعدات للنازحين والفقراء والمساكين في صنعاء، في حين يواصل العاملون في مخزن التاجر الحوثي حالياً ومنذ ثلاثة أيام تغيير شعارات الأمم المتحدة بعلامة تجارية أخرى محلية الصنع، ليتمكنوا من بيعها في السوق المحلية على أنها مواد صادرة من شركات تجارية محلية".

وقبل أيام، صرّح مدير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي بأنَّ هناك متشددين داخل المليشيات الحوثية لا يعبأون إلا بتحقيق المكاسب وزعزعة الاستقرار، لافتاً إلى أنّ مساعدات غذائية شهرية تبلغ قيمتها 175 مليون دولار جرى توجيهها في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين للمساعدة في تمويل الصراع.

وأضاف أنّه يأمل أن تسود النوايا الطيبة للحوثيين حتى يتسنى للبرنامج رفع تعليق جزئي للمساعدات في اليمن وتفادي انهيار النظام الإنساني بالكامل.

تصريحات بيزلي جاءت لتوضيح أسباب اتخاذ قرار بتعليق جزئي لتوزيع المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات، وذلك بسبب الجرائم التي يرتكبها الانقلابيون في هذا السياق.

هذا القرار يؤثر على 850 ألف شخص في صنعاء من بين أكثر من عشرة ملايين شخص، يعتمدون على الغذاء الذي يوفره البرنامج، إلا أنّ ما لفت الأنظار في تصريحات بيزلي زعمه أنّ قائد المليشيات عبد الملك الحوثي وشقيقه بذلا جهوداً للتوصُّل إلى حل، وأرجع سبب تفاقم الأزمة إلى "متشددين" في صفوف الانقلابيين، ما يشير ضمنياً أنّ عبد الملك لا يسيطر على الأمور بشكل كامل لدى المليشيات، وأنّ سيطرته قد انفرط عقدها أمام من وصفهم المسؤول الدولي بـ"المتشددين".

لم يُحدِّد بيزلي من هم هؤلاء المتشددين، لكنّ ما قاله يكشف حجم الانقسامات التي ضربت معسكر الحوثيين، وذلك بافتراض أنّ عبد الملك وشقيقه يسعيان لحل الأزمة.

إجمالاً، يمكن القول إنَّ سنوات الحرب التي أشعلها الحوثيون منذ صيف 2014، شهدت اعترافات أممية بين حينٍ وآخر بالجرائم التي ترتكبها المليشيات، ومنها نهب المساعدات وبيعها في السوق السوداء وقصر توزيعها على عناصرها دون أن تقود هذه الاعترافات إلى نتائج تردع الانقلابيين.

إلا أنّه هذه المرة، نفّذ برنامج الأغذية العالمي تهديده بوقف توزيع المساعدات في مناطق سيطرة المليشيات، وذلك حتى يقبل الحوثيون بنظام البصمة الذي يضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها وعدم تحويرها أو سرقتها.

الانقلابيون حاولوا الضغط على البرنامج بطرقٍ عدة للاستمرار في تقديم المساعدات، نظراً للمكاسب الهائلة التي تحقِّقها من جرَّاء ذلك، لكنّ ذلك لم يُغيِّر من حقيقة الواقع شيئاً.

وسبق أن رفضت المليشيات الموالية لإيران بشكل قاطع نظام البصمة الذي يسعى برنامج الأغذية العالمي لاعتماده في مناطق سيطرة الانقلابيين للحد من سرقات المساعدات الإنسانية، ولوّح كبار قادتها بإيقاف عمل البرنامج نهائيا إذا لم يخضع لآلية المليشيات في توزيع المساعدات.

وقبل أسابيع، التقى وزير الخارجية (في حكومة الانقلابيين غير المعترف بها) هشام شرف القائم بأعمال الممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي بصنعاء علي رضا، وأنه خلال اللقاء تسلم منه وثائق ترشيح الممثل المقيم الجديد لليمن، كما جرى مناقشة ترتيبات صرف المساعدات للمستفيدين بشكل عاجل.