وصية إلى أولادي من بعدي

أبنائي وبناتي الأحباء وفقكم الله في حاضركم ومستقبلكم وسدد خطاكم. 

إني أريد أن ألفت انتباهكم إلى أن لي حقوق مالية عند جامعة عدن تصل إلى مليون ونصف المليون ريال تقريبا، وهي مستحقات الإشراف على طلاب الدراسات العليا ومناقشة رسائلهم وبعض الحقوق الأخرى المتعلقة بحوافز بعض اللجان وتدريس أكثر من فصل في كلية التربية ردفان. 

أحبتي إني أوصيكم بمتابعتها واستلامها فإني أراها بعيدة المنال ولن تخرج على المدى المنظور ما دامت دولة الفساد قائمة، ودولة الجنوب لم تقم بعد، وهذه الوصية ليست شعورا بدنو الأجل فلا تجزعوا، ولكنها تأتي بعد أن يأسنا من الحصول على مستحقات لنا عند الجامعة، خاصة وإننا منذ مطلع 2013م لم نستلم أي مستحقات تخص الإشراف على رسائل طلاب الماجستير والدكتوراه وكذا حقوق المشاركة في المناقشات. 

لقد مرت الشهور ومرت السنوات ولا شيء يبدو في الأفق فأصابنا الإحباط من متابعة الجامعة، فالطلاب الذين تخرجوا على أيدينا في الدكتوراه قد حصلوا على لقب الأستاذ المشارك، وبعضهم قد وصل إلى منصب نائب رئيس جامعة أو عميد كلية وغيرها - وهذا شرف لنا - بيد أن مستحقات الإشراف عليهم ومناقشة رسائلهم لم تطلع بعد مع أن النفوس قد طلعت وبعضها قد انتقلت إلى بارئها. 

رحم الله د. صالح باصرة وطيب ثراه فلم تكن هذه المستحقات تتأخر أكثر من شهرين، وقد كان رحمه الله ينقل الاعتمادات المالية من بند إلى آخر فيسلم للأساتذة حقوقهم حتى تأتي الاعتمادات المخصصة لبند الدراسات العليا فيستعيد ما قدمه من قبل. 

لهذا يا أبنائي الأعزاء لا تفرطوا بهذا الحق ولا يصيبنكم اليأس والإحباط مثلي فقد تستطيعون التعامل مع هذا الزمن أكثر منا، فالناس، كما قيل، يشبهون أيامهم أكثر مما يشبهون آباءهم، وإذا قيل لكم إنكم سوف تستلمون مبلغا كبيرا من النقابة يصرف عادة لكل أسرة متوفى فلا داعي لمستحقات الإشراف والمناقشة والانتداب فلا تصدقوهم فهذا حق وذلك حق. 

وحتى حقوق المتوفين التي تجمعها النقابة بواقع راتب يوم من كل عضو هيئة تعليمية وعضو هيئة مساعدة في كل شهر، فإن دونها متاعب ومتابعات، فلم يسلم من الطوابير حتى الموتى في زمن أضحى الموت فيه هو سيد الموقف وهو اللاعب القوي والمنتصر في الساحة، فانتظروا مع المنتظرين، وتصدقوا مما سوف تستلمون على روح أبيكم، فهو حينها أحوج حتى للريال الواحد، وإذا تعثرت تلك المستحقات حتى بعد الموت فلا تلجؤوا إلى محاكمة الجامعة وإن كان ذلك حقا مشروعا، فالجامعة منا ونحن منها على أية حال. 

لقد دعوت يوما إلى كلية الآداب في جامعة حضرموت لمناقشة رسالة ماجستير، وما أن دخلت قاعة المناقشة حتى سلمني أحدهم بكل احترام ظرفا فيه مستحقات المناقشة ليس قبل أن يجف عرقي؛ ولكن قبل أن تسقط مني قطرة عرق في صيف المكلا الحار، أما في جامعة عدن فحدث ولا حرج، فحين كنت رئيسا لقسم اللغة العربية في كلية التربية عدن من مطلع 2013م إلى آخر 2018م أنجز القسم ما يقرب من ستين رسالة وأطروحة في الماجستير والدكتوراه في علوم اللغة العربية وآدابها، واستقدمنا أساتذة مناقشين خارجيين من جامعة حضرموت والحديدة وصنعاء وتعز وإب وذمار والبيضاء ــ لاحظوا غلبة الجامعات الشمالية ــ وحتى الآن لم يستلم أحد منهم مستحقاته، فإذا سألنا عن نقابة جامعية تطالب بهذه الحقوق لم نجد أمامنا سوى نقابة معتقة قد ذهب أكثر أعضائها إلى مناصب إدارية، وقد تجاوزت العشر السنوات منذ ذلك المؤتمر المزيف الذي حمل هؤلاء الزملاء على أكتافنا عشر سنوات عجاف ولا يزالون كأقدم نقابة عرفها التاريخ. 

إن المستحقات المعتمدة للإشراف والمناقشة مبالغ زهيدة اعتمدت في منتصف التسعينيات، ولم تعد مناسبة اليوم لما يبذل من جهد علمي في عملية الإشراف والمناقشة، ومع هذا كله فإن هذه المستحقات ما تزال معطلة رغم تراكمها الطويل. 

حتى أمكم أيها الأحباء لم تعد تسألني عن تلك المستحقات ولكنها طالما سألتني من قبل، فيبدو أنها يأست كما يأسنا وأحبطت كما أحبطنا في هذا الزمن الرديء. 

ومع أن د. الخضر لصور، رئيس الجامعة، زحزح بعض الملفات المزمنة مثل ملف المنتدبين وملف المتعاقدين وملف أراضي الجمعية السكنية الجديدة وبعض التسويات، إلا إنه لم يقترب من ملف مستحقات الإشراف والمناقشة الذي ينمو كالورم السرطاني مع أن رئيس جامعتنا طبيب جراح معروف. 

المعروف أن أساتذة الجامعات في كل مكان لا يعتمدون في الأساس على رواتبهم فحسب؛ فهناك مهام ينجزونها بين وقت وآخر يتقاضون عليها حوافز مثل الزيارات والمناقشات والإشرافات والساعات الإضافية وعضوية اللجان وغيرها، أما نحن فلا شيء لا شيء غير الراتب، حتى الجنود صاروا يتقاضون راتبا بالسعودي وراتبا باليمني ومصاريف يومية وهم يستحقون ذلك. 

والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه.