الحوثيون وعرقلة المساعدات.. تأزيمٌ إنساني تدفع ثمنه البطون الفقيرة
لا تفوِّت مليشيا الحوثي، فرصةً أمام تأزيم الوضع الإنساني بغية إطالة أمد الأزمة إلى أقصد حد ممكن، في ممارسات تكشف عن الوجه الإرهابي للانقلابيين.
في تحرُّكات جديدة - قديمة، منعت مليشيا الحوثي دخول مساعدات إنسانية مقدمة من برنامج الغذاء العالمي إلى سكان وأهالي مديرية الدريهمي، جنوب الحديدة.
مصادر محلية قالت إنَّ الحوثيين عرقلوا دخلوا قافلة إنسانية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، كان مقرر حركتها إلى مدينة الدريهمي، من خلال تصعيد عسكري أحبط مرور المساعدات.
مدينة الحديدة تدفع ثمناً كبيراً جرّاء الحرب الحوثية، لا تقتصر فقط على المساعدات، بل عملت المليشيات على تفخيخ وتصعيد الوضع العسكري، وذلك منذ سريان الهدنة الأممية لوقف إطلاق النار التي ترعاها الأمم المتحدة التي بدأت في 18 ديسمبر الماضي.
وشنّت مليشيات الحوثي قصفاً عنيفاً على الأحياء السكنية ومنازل المواطنين في مدينة التحيتا جنوب الحديدة، بشكل مكثف عنيف، حيث سقطت قذائف هاون على منازل المواطنين، وأدت إلى تدمير أجزاء واسعة منها، ما اضطر السكان إلى تركها خوفاً من القصف والاستهداف الذي تشنه المليشيات بشكل هستيري.
اللافت أنّ الجُرم الحوثي بعرقلة وصول وتوزيع المساعدات في الحديدة، تزامن مع إعلان برنامج الأغذية العالمي، أمس الجمعة، أنّه سيستأنف توزيع الغذاء بعد أيام، على نحو 850 ألف شخص في صنعاء بعد توقُّف دام شهرين، وذلك بعدما توصّل لاتفاق مع المليشيات الحوثية.
كان البرنامج التابع للأمم المتحدة قد أوقف بعض المساعدات في صنعاء يوم 20 يونيو الماضي، وسط مخاوف من عدم وصول الغذاء إلى مستحقيه، لكنه قال إنه سيواصل برامج تغذية الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والحوامل والمرضعات.
وأوضح البرنامج أنّه سيستأنف توزيع الغذاء بعد عيد الأضحى، وقال الناطق باسمه هيرفي فيرهوسل إنّ عملية تسجيل البيانات الحيوية ستطبق على تسعة ملايين يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين.
وجاء في البيان: "برنامج الأغذية العالمي على ثقة من أن تطبيق قواعد البيانات الحيوية سيضمن وصول الغذاء إلى مستحقيه ويحول دون حياد المساعدات الغذائية عن مسارها".
وصرح فيرهوسل بأنه تم أمس الأول الخميس توقيع مذكرة فنية ملحقة باتفاق مبدئي أبرم الأسبوع الماضي، وأضاف: "المذكرة الفنية الملحقة ستتيح لبرنامج الأغذية العالمي تنفيذ عملية مستقلة تخضع للمساءلة لرصد وتسجيل الأسر الأكثر احتياجا لمساعدات من شأنها إنقاذ الحياة".
ويوماً بعد يوم، يُفضَح حجم التواطؤ المريب بين الأمم المتحدة في تأزيم الوضع الإنساني عبر ممارسات فساد مروِّعة تتقارب مع مليشيا الحوثي الانقلابية.
وثائق حديثة نشرتها وكالة "أسوشيتد برس"، كشفت عن فقدان أطنانٍ من الأغذية والأدوية والوقود المتبرع بها دولياً، وتوظيف غير مؤهلين برواتب مرتفعة، والسماح لقيادي حوثي بالتنقل في مركبات تابعة للأمم المتحدة ما يقيه من الضربات الجوية المحتملة من قِبل قوات التحالف العربي.
الوكالة تحدَّثت عن أنَّ أكثر من عشرة عمال من الإغاثة التابعين للأمم المتحدة، تمّ نشرهم للتعامل مع الأزمة الإنسانية، متهمون بالكسب غير المشروع لإثراء أنفسهم من المواد الغذائية والأدوية والوقود والأموال المتبرع بها دولياً.
في سياق متصل، يجري مدققون من منظمة الصحة العالمية تحقيقاً في تقارير تتحدَّث عن أنَّ أشخاصاً غير مؤهلين تمَّ توظيفهم في وظائف ذات رواتب عالية، كما تمّ إيداع مئات الآلاف من الدولارات في حسابات مصرفية شخصية للعاملين، والموافقة على إبرام عشرات العقود المشبوهة من دون توفر المستندات المناسبة، وفقدان أطنان الأدوية والوقود المتبرع بها.
ويركِّز تحقيقٌ ثانٍ أجرته منظمة تابعة للأمم المتحدة، على موظف سمح لقيادي حوثي بالتنقل في مركبات تابعة للوكالة ما يقيه الضربات الجوية المحتملة من قبل قوات التحالف.
وحسب تقارير تلفزيونية دولية، فإنّ هذا الفساد يهدد شريان الحياة الدولي الذي يعتمد عليه غالبية سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، وفي العام الماضي قالت الأمم المتحدة إنَّ المانحين الدوليين تعهدوا بتقديم ملياري دولار إلى الجهود الإنسانية.
ويتركَّز تحقيق منظمة الصحة العالمية في عملياتها في اليمن على نيفيو زاجاريا، وهو طبيب إيطالي كان يشغل منصب رئيس مكتب المنظمة في صنعاء من 2016 حتى سبتمبر 2018، طبقاً لثلاثة أفراد لديهم معرفة مباشرة في التحقيق.
وجاء الإعلان الوحيد عن التحقيق في جملة مدفونة في 37 صفحة من التقرير السنوي للمدقق الداخلي لعام 2018 للأنشطة في جميع أنحاء العالم، فيما لم يذكر التقرير زاجاريا بالاسم.
ووجد التقرير الصادر في أول مايو الماضي، أنَّ الضوابط المالية والإدارية في مكتب اليمن كانت غير مرضية، وهو أدنى تصنيف لها، وأشار إلى وجود مخالفات في التوظيف وعقود تم إبرامها دون منافسة ونقص في الرقابة على المشتريات.
كما ذكر أربعة موظفين حاليين وسابقين أنَّ مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن تحت قيادة زاجاريا، يعج بالفساد والمحسوبية، وأنَّ زاجاريا استعان بموظفين مبتدئين، عملوا معه في الفلبين، ورقاهم إلى وظائف ذات رواتب مرتفعة رغم أنهم غير مؤهلين.
من بين هؤلاء، طالب جامعي فلبيني وآخر متدرب سابق حصلا على منصبين مرموقين، لكنّ دورهما الوحيد كان ينحصر في الاهتمام برعاية كلب زاجاريا.
كما أكّد مسؤول إغاثي سابق أنّ الموظفين غير المؤهلين الذين يتقاضون رواتب مرتفعة يقوضون نوعية العمل ومراقبة المشروعات، ويخلقون ثغرات كثيرة من أجل الفساد.
ووفقاً للوثائق الداخلية، تمّ الاتفاق مع شركات محلية لتقديم خدمات في مكتب عدن التابع لمنظمة الصحة العالمية تبيَّن أنّها تضم أصدقاء وأفراد عائلات موظفي منظمة الصحة العالمية وبتكلفة إضافية مقابل الخدمات.
وبموجب قواعد منظمة الصحة العالمية، يمكن تحويل أموال المساعدات مباشرة إلى حسابات الموظفين، وهو إجراء يهدف إلى تسريع شراء السلع والخدمات وسط الأزمة.
وتقول المنظمة إنَّ هذا الإجراء ضروري لمواصلة العمليات في المناطق النائية لأن القطاع المصرفي في اليمن لا يعمل بشكل كامل، ونظراً لأنَّه من المفترض أن تكون هذه العملية مقصورة على حالات الطوارئ، فليس هناك شرط بأن يتم تحديد الإنفاق على هذه التحويلات المباشرة فقد وافق زاجاريا على التحويل المباشر للأموال بقيمة إجماليها مليون دولار لبعض الموظفين، كما نصت الوثائق.