متاجرة المنظمات وإهمال السلطات.. مآسٍ قاسية تتكالب على نازحي مأرب
تتضاعف معاناة عشرات آلاف النازحين، الهاربين من جحيم مناطق سيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية إلى أطراف نائية من محافظة مأرب، وتزداد حياتهم سوءاً يوما إثر يوم.
يقول النازحون في مخيمات النزوح، في أحاديث منفصلة لـ"المشهد العربي"، إنّهم أضطروا للعيش في مخيمات لا تصلح أن تكون مقراً لحياة يعيش فيها إنسان.
يواجه هؤلاء النازحون، القادمون من مناطق مختلفة، حياة صعبة ومعاناة تتصاعد كل يوم لعدم حصولهم على المساعدات الإنسانية، والسكن الملائم، في ظل غياب دور المنظمات الإنسانية التي لا تسجل أنشطتها سوى في وسائل الإعلام، لتحصل على مزيد من الدعم الخارجي على حساب هؤلاء النازحين.
وتؤكِّد الأسر أنّ 80% من أعمال المنظمات الإنسانية والإغاثة في مأرب لا يتم في الواقع سوى لدقائق أثناء حضور وسائل الإعلام، ومن ثم يختفي النشاط بعد ذلك، وتكشف أنّه تمّ الإعلان أكثر من مرة عن توزيع مساعدات غذائية وإغاثة للمخيمات التي يقطنوها لكنها لا تحصل على هذه المعونات في الحقيقة.
هذا هو الحال لأكثر من مليوني نازح في مدينة مأرب، يعيشون - بحسب إحصائيات رسمية - في 31 مخيم نزوح بالمحافظة، يفتقدون فيها لأبسط مقومات الحياة ويظلون ينتظرون ما تجود به عليهم منظمات غائبة عن دورها من مساعدات.
توضّح الأسر أنّه عند تسجيلها في الكشوفات تحصل على وعود بالحصول على سلة غذائية متكاملة كل شهر، لكنها في الأخير لا تحصل سوى على نصف كيس دقيق وقليل من الأرز، وذلك خلال فترة توزيع تصل لأكثر من ثلاثة إلى أربعة أشهر ما بين عملية توزيع وأخرى.
وتذكر معلومات أنَّ 70% من احتياجات النازحين في مأرب لا يتم الاستجابة لها من قِبل المنظمات، وأنّ كل ما تقدمه المنظمات الإقليمية والدولية للنازحين في مأرب يمثّل 30% من الاحتياج الفعلي لحوالي 148 ألف أسرة نازحة في المحافظة.
يقول "محمد"، أحد النازحين، إنّ عليهم الانتظار طويلاً للحصول على معونات إغاثة من خلال الدور الذي لن يأتي بالقريب، وأنّ فترة الانتظار قد تصل لسنة حتى يستلموا إغاثةً لا تكفي لنصف شهر لأسرة مكونة من خمسة أفراد.
ويضيف: "على النازحين في ظل هذه الأوضاع تحمُّل المعاناة والملاحقة والجوع والتشرد والخضوع لواقع مرير من المعاناة.. الواقع المرير للنازحين في مخيمات النزوح لا يقف عند الحياة المعيشية الصعبة ومواجهة الجوع فحسب بل يمتد إلى الأخطار الدائمة التي تحدق بهم في المخيمات المعرضة لأخطار الرياح الشديدة وسيول الأمطار والحرائق التي تشهدها المخيمات من فينة إلى أخرى."
وظهر الثاني من أغسطس الجاري، التهم حريقٌ هائل مخيم ذنه للنازحين الواقع غربي محافظة مأرب، ليصبح عبدالرحمن حسين ناصر سعدا، النازح من أبناء مديرية بني ضبيان التابعة لمحافظة صنعاء، منذ ذلك اليوم بلا مأوى مع أسرته، بعد أن آلتهمت النيران خيمته.
يتحدث عبدالرحمن، عن معاناة كبيرة عاشها مع 12 أسرة نازحة إلى جانبه فقدوا معها مساكنهم من الخيام التي نزحوا إليها بعد الحريق الذي التهم المخيم، وأدى إلى تدمير سبع خيام كلياً وتضرر ستة أخريات جزئياً، لتصبح 13 أسرة نازحة في غضون دقائق بلا مأوى تعيش التشرد من جديد.
ويؤكد أنّ الحريق أتى على كل ما يمتلكون من مواد إيواء وغذاء تساعدهم على الحياة في مخيم النزوح الذي يفتقد لأبسط مقومات العيش لإنسان في ظل الظهور الكاذب لعشرات المنظمات الإنسانية على وسائل الإعلام تدعي توزيع المعونات والمساعدات على النازحين.
وأوضح: "نزحنا بأرواحنا وبنينا مساكن لنا مما توفر لنا من مواد بسيطة وخيام اشتريناها في ظل غياب المساعدات الإيوائية التي لا نشاهدها سوى في التلفاز ولا أثر لها في الواقع".
ويؤكد أنّهم بعد عدم تمكنوا من الحصول على سكن ملائم في مدينة مأرب، نتيجة ارتفاع إيجارات الشقق السكنية، حيث لا يقل إيجار أصغر شقة في المدينة عن 100 ألف ريال، ويشترط دفع إيجار ستة أشهر مقدماً، اضطره وغيره من آلاف الأسر النازحة للتوجه إلى مخيمات النزوح، حيث استقر به الحال في مخيم ذنه، الذي تعيش فيه أكثر من 500 أسرة نازحة من أبناء محافظة صنعاء، ومحافظات أخرى جميعهم شردتهم الحرب.
أحمد الصالحي، أحد المتضررين، يذكر أنّ الحريق شبّ بعد تطاير النيران من أحد المطابخ التقليدية التي يستخدمها النازحون في خيامهم في تجهيز الطبخ، ساعدتها الرياح الشديدة التي تشهدها المخيمات في المناطق التي نزحوا إليها في الاتساع فلم تمهل شيئاً حتى أحرقت جميع الخيام في غضون دقائق بما فيها من أثاث وممتلكات.
وتسبَّب الحريق في خسائر مادية كبيرة في ممتلكات النازحين، منها احتراق مبلغ 300 ألف ريال كان في إحدى الخيام التي احترقت، إضافةً إلى تدمير أربعة مطابخ بكامل معداتها، وأربعة خزانات مياه، و155 قطعة فرش وبطانيات أسفنج، وكميات كبيرة من الأثاث والمعدات المنزلية.
الحريق الذي التهم المخيم، الذي كان آخر وجهة لنازحين شردتهم الحرب، وضع في غضون دقائق 13 أسرة في معاناة أخرى ومأساة لا تتوقف، فأصبحت جميعها بلا مأوى تعاني التشرد والنزوح من جديد بعد أن دمر الحريق خيامهم بشكل كامل.
وتؤكد مصادر نازحة في المخيم أنّ الحريق تسبَّب في التهام خيام النازحين وإتلاف ممتلكاتهم التي يعتمدون عليها في تدبير حياتهم المعيشية وجعلت منهم ضحايا تشرد من جديد يبحثون عن مأوى، يعانون حياة معيشية صعبة لم يحصلوا معها على أي تدخل أو إغاثات من أي منظمات.
وذكرت أنّ النازحين في المخيم يعانون حياة معيشية صعبة يفتقدون معها لأبسط مقومات النزوح الإيوائية والغذائية، إضافة إلى افتقادهم أبسط وسائل السلامة والتي منها وسائل الطبخ السليمة التي بإمكانها أن تقيهم الحرائق في حال الرياح الشديدة التي تشهدها مناطق أطراف مأرب بشكل مستمر.
وأكدت المصادر أن هذه الحرائق تتكرر في المخيمات بسبب عدم وجود وسائل السلامة والأشياء الأمنة التي يستخدمونها في احتياجاتهم اليومية، لافتةً إلى أن تكرار حدوثها بشكل غير منقطع يجعل النازحين عرضة للخطر.
وتوضح في الوقت ذاته أنَّ الحرائق المتواصلة في مخيمات النزوح تعود أسبابها إلى الرياح الشديدة التي تهب على مواقد الطبخ التقليدية أثناء تجهيز الأكل، أو جراء الشبك العشوائي لأسلاك الكهرباء الذي يتسبب دائماً في التماس كهربائي.
يأتي ذلك في ظل أخطار محدقة تواجه النازحين ووضع مأساوي يعيشه مئات الآلاف، في العديد من مخيمات النزوح في المحافظة الصحراوية، التي تبلغ فيها عدد مخيمات النزوح وفق إحصائيات رسمية 31 مخيماً، جميعها تفتقد لأبسط مقومات الحياة لنازح يمكن أن يعيش بما تتوفر لديه من أشياء بسيطة، أكبرها مخيم الجفينة، الواقع شرقي المدينة، الذي يحوي قرابة 3200 أسرة نازحة، بعدد أفراد نحو 13 ألف نازح.
الجفينة، المخيم الواقع في أطراف مدينة مأرب، يعيش فيه النازحون حياة قاسية مع المعاناة والأخطار التي تواجههم، آخرها غرق عشرات الخيام في سيول أمطار جارفة اجتاحت المنطقة في التاسع عشر من شهر مايو الماضي.
المخيم الذي فرّ إليه النازحون من خطر الموت والحرب، تعرض لموجة سيول غزيرة تسببت بتدمير 50 منزلاً طينياً وخيمة يقطنها نازحون بشكل كلي، إضافةً إلى تعرض 150 منزلاً طينياً وخيمة لتدمير جزئي، وتراوحت نسبة الأضرار فيها ما بين 50 إلى 80 %، وسط صمت من السلطة المحلية في المحافظة التي اكتفت بزيارة مختطفة للمخيم بعد أيام من الحادثة.
لعل أهم الأسباب التي أدّت إلى هذا الدمار الكبير في المخيم، بحسب مصادر متطابقة، هو سماح السلطة المحلية لآلاف الأسر النازحة في مناطق مهددة بالسيول دون توجيه تحذيرات مسبقة لهذه الأسر بأنّ المنطقة مهددة بالغرق في حالة سقوط الأمطار الغزيرة.
ويعد مخيم الجفينة للنازحين من أكبر المخيمات الواقعة على مجرى وادي ومن أكثرها تضرراً من الأمطار والسيول، يمثل فيه البناء العشوائي التحدي الأبرز أمام النازحين، إضافة إلى الربط العشوائي للكهرباء، يفتقر معها المخيم إلى الخدمات الأساسية للنازحين ومشروع الصرف الصحي.
في الشهر نفسه، أدت رياح شديدة مصحوبة بأمطار غزيرة إلى حدوث كارثة مماثلة عاش فصول معاناتها قرابة 100 أسرة في مخيم نزوح آخر غربي المدينة، يبعد عنها قرابة 15 كيلو مترًا.
السيول والأمطار الغزيرة اجتاحت مخيم الميل للنازحين وأغرقت عشرات الخيام، لتأتي معها - حسبما يقول نازحون - رياح شديدة تسببت بتدمير واقتلاع أكثر من 95 خيمة يقطنها النازحين.
هذه الأخطار التدميرية لأماكن النازحين بفعل السيول والرياح يعد بناؤها التقليدي من الطين دون استخدام أي مواد لتقويتها سواء مواد أولية أو ثانوية مثل الأخشاب والحديد، أو الأعمدة، أحد أهم الأسباب التي تشكل خطراً محدقاً بالنازحين.
ويقول نازحون إنّهم اضطروا للبناء دون استخدام هذه المواد نظراً لعدم سماح دخول أي مواد صلبة إلى المخيم، واقتصر البناء على الطين فقط أو رفع خيام، وهي شروطٌ طرحتها عليهم السلطة المحلية حين سمحت لهم بالعيش في هذه المخيمات.
هذه الأسباب جعلت أماكن النازحين عرضة للخراب وتحت التهديد، وتؤكد مصادر أنّه إذا لم يتم التدخل بصورة عاجلة وعمل حلول جذرية تحيل دون حدوث مثل هذه الكوارث، فإنّ الأخطار الكارثية ستظل تحدق بالنازحين وتهدد حياتهم بشكل مستمر.
ويرجع متابعون هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه النازحون في محافظة مأرب إلى إهمال السلطات وزيف وغياب المنظمات الإنسانية، الذي ساهم في تفاقم معاناة النازحين وتردي كبير للوضع الإنساني الذي يعيشونه في المخيمات التي تفتقد الحد الأدنى للخدمات الإنسانية، ومنها الإيوائية.
وخلال الأربع سنوات الماضية، استقبلت محافظة مأرب أكثر من مليوني نازح، انتشر الآلاف منهم في الأودية ومجاري السيول لعدم تمكنهم من دفع تكاليف الإيجارات الباهضة التي تشهد إرتفاع جنوني في هذه المحافظة.