اليمن صار يمنين… والوحدة غلبها غلّاب الواقع
أحمد الجارلله*
- الطلاق بين الشمال والجنوب لم يعد رغبة بل ضرورة اقليمية
- حكومة اليمن والكأس المُرَّة
- طلاق الجنوب والشمال… إنقاذ لليمنيين
بات واضحاً بعد 29 عاماً على توحيد اليمنين أن أي وحدة تقوم لمنافع سياسية صرف ومفتعلة لن تنجح، وسيكتب لها الفشل، فكيف إذا كانت على شاكلة الوحدة اليمنية التي قامت على العواطف الشعاراتية والمنافع السياسية لكلتا القيادتين في عدن وصنعاء؟
ما يجري في جنوب اليمن حالياً هو نتيجة طبيعية لما حاول السياسيون المنتفعون شمالاً وجنوباً تفاديه عبر وحدة مزغولة قائمة على نزيف دائم وغبن وخضوع من طرف إلى الطرف الآخر، هذه هي الحقيقة التي لا يمكن المفر منها، إلا إذا كان المقصود أن يغرق اليمن كله في بحار من الدماء من أجل حفنة سياسيين يسعون إلى مراكمة ثرواتهم على حساب شعبيهما.
القارئ لتاريخ الوحدة بين شطري اليمن يدرك جدياً عدم رسوخها بدليل أنه بعد أربع سنوات من إعلانها تعرضت لأول زلزال عندما طالب في عام 1993 نائب رئيس جمهورية الوحدة علي سالم البيض بحكم ذاتي للجنوب، لتأتي بعدها حرب 20 مايو عام 1994،أي قبل يومين من ذكرى إعلان الوحدة، معبرة بوضوح عن غضب الجنوبيين مما كانوا يتعرضون له من إملاءات شمالية.
في ستينيات القرن الماضي قامت الثورة الشيوعية في الجنوب، وقبلها كانت هناك مفاوضات بين سلاطين المناطق السبعة لتوحدهم في دولة، عرفت فيما بعد باليمن الجنوبي، أو الديمقراطي، غير أن هذه الوحدة لم تصل إلى صنعاء في الشمال، لأن الواقع الثقافي يختلف عما هو في الساحل، خصوصاً أن الحركات الانفصالية لا تزال تنشط إلى يومنا هذا، لا سيما في صعدة، إضافة إلى الصراعات السياسية الداخلية التي عصفت بالشمال طوال القرنين التاسع عشر والعشرين.
عند تبدل الظروف السياسية الدولية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، رأت قيادتا الشمال والجنوب أن الحل لمشكلاتهما الداخلية يكمن في الوحدة بين الشطرين، خصوصاً مع انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتي، واشتداد الصراع على السلطة بين قادة الحزب الحاكم في عدن، لذلك كانت الوحدة المخرج من تلك الأزمة في جانب، وجانب آخر تلبية للشعار الوحدوي الذي كان يهيمن على أذهان العرب من المحيط إلى الخليج.
بين عامي 1994 و2011 ظهرت احتجاجات كثيرة على الممارسات الشمالية في الجنوب، حتى جاءت موجة ما يسمى”الربيع العربي” لتضع الجميع في مواجهة الحقيقة، لا سيما بعدما انقلب علي صالح والحوثيون على المبادرة الخليجية التي كانت خشبة الخلاص للجميع، ما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية، بين المكونات الشمالية بعضها ضد بعض، وفي المقابل حرب مع الجنوب بعدما أعلنت مكوناته رغبتها في العودة إلى دولتها، وفك الارتباط مع صنعاء التي رأت في ذلك فشلاً لمشروعها.
لجأت قوات الحوثيين والانقلابيين إلى غزو الجنوب بعد ذلك، وكانت الحرب في عام 2015 لوقف المشروع التوسعي الإيراني عبر الحوثيين الذين انقلبوا كالعادة على حليفهم الاساسي”حزب المؤتمر الشعبي العام” واغتيال رئيسه علي عبدالله صالح، غير أن التحالف العربي والمقاومة الجنوبية والجيش الوطني دحروا الغزاة من مساحات واسعة من اليمن عموماً، وتحرير الجنوب خصوصاً.
هذه المحصلة التاريخية كان لا بد لها أن تنتج إعلاناً صريحاً بفك الارتباط القائم على العواطف والمنافع الشخصية أكثر منه على وحدة وطنية حقيقية، لذلك ما يجري اليوم من سعي جنوبي إلى التخلص من الفاتورة الباهظة التي تكبدوها بالارتباط مع الشمال هو أمر طبيعي، ولن تستطيع أي دولة في العالم، أو تحالفات أن تمنعهم من تقرير مصيرهم، لذا فان التظاهرات المليونية التي تشهدها عدن حالياً ستستمر حتى يحصل الجنوبيون على دولتهم التي خسروها في لحظة تبدلات سياسية دولية، وبضغط الرغبات الشخصية لبعض قادتهم.
*نقلا عن صحيفة السياسة الكويتية