سرقة المساعدات والصرخة المعهودة.. متى تتحرّك الأمم المتحدة لوقف العبث الحوثي؟
واصلت الأمم المتحدة إتباع ما يمكن وصفها بـ"سياسة الصراخ والعويل" جرّاء ممارسات مليشيا الحوثي فيما يتعلق بملف المساعدات، التي تتعرّض للسرقة من قِبل الانقلابيين، دون تدخُّل حازم حاسم.
الأمم المتحدة إنّ اليمنيين سيموتون إذا لم تتلقَ برامجها التي تنفذها في اليمن التمويل من المانحين، في وقت تؤكد تقارير وكالاتها العاملة في اليمن أنّ المساعدات الإغاثية ينهبها الحوثيون، ولا تصل للمحتاجين، وتورط موظفي الأمم المتحدة بممارسة الفساد والإثراء غير المشروع من الإغاثة في اليمن.
وأوضح مكتب المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن في بيانٍ له، أنّه حتى الآن تم استلام أقل من نصف المبلغ الذي تعهدت بها البلدان المانحة في20 فبراير الماضي لتمويل الأزمة الإنسانية في اليمن، بتقديم 2.6 مليار دولار.
وأضاف البيان أنّ ثلاثة برامج فقط من أصل 34 برنامجاً إنسانياً رئيسيا للأمم المتحدة في اليمن تم تمويلها كاملاً، مؤكداً أنّ العديد من هذه البرامج أجبرت على الإغلاق في الأسابيع الأخيرة، وسيتم إغلاق 22 برنامجاً منقذاً للأرواح في الشهرين المقبلين ما لم يتم تلقي التمويل.
وتراجع زخم دعم المانحين خلال العام الجاري 201لتمويل متطلبات خطة الاستجابة الإنسانية لليمن التي تتبانها الأمم المتحدة، في ظل تأكيدات تقارير أممية أن غالبية المساعدات التي تدخل اليمن تذهب لتمويل مليشيا الحوثي ولا تصل للجياع، بالإضافة إلى تحقيقات تجريها الأمم المتحدة مع منظماتها العاملة في اليمن تثبت استشراء الفساد بين مسؤوليها.
جانب كبير من المساعدات الإغاثية يطالُها النهب والفساد من قِبل المليشيات الحوثية، لكن في الوقت نفسه فإنّ موظفين تابعين للأمم المتحدة تورّطوا في جرائم فساد كشفتها العديد من التقارير.
وعلى الرغم من "افتضاح" أمر هذه الممارسات إلا أنّ تحرُّكاً دولياً لم يحدث إلى الآن، ما فُسِّر بأنّه تواطؤ عبر صمتٍ قاتل مُروّع لا يقل خطراً عما يرتكبه الانقلابيون.
وقبل أيام، كشفت وثائق نشرتها وكالة "أسوشيتد برس"، عن فقدان أطنانٍ من الأغذية والأدوية والوقود المتبرع بها دولياً، وتوظيف غير مؤهلين برواتب مرتفعة، والسماح لقيادي حوثي بالتنقل في مركبات تابعة للأمم المتحدة ما يقيه من الضربات الجوية المحتملة من قِبل قوات التحالف العربي.
الوكالة تحدَّثت عن أنَّ أكثر من عشرة عمال من الإغاثة التابعين للأمم المتحدة، تمّ نشرهم للتعامل مع الأزمة الإنسانية، متهمون بالكسب غير المشروع لإثراء أنفسهم من المواد الغذائية والأدوية والوقود والأموال المتبرع بها دولياً.
ويجري مدققون من منظمة الصحة العالمية تحقيقاً في تقارير تتحدَّث عن أنَّ أشخاصاً غير مؤهلين تمَّ توظيفهم في وظائف ذات رواتب عالية، كما تمّ إيداع مئات الآلاف من الدولارات في حسابات مصرفية شخصية للعاملين، والموافقة على إبرام عشرات العقود المشبوهة من دون توفر المستندات المناسبة، وفقدان أطنان الأدوية والوقود المتبرع بها.
ويركِّز تحقيقٌ ثانٍ أجرته منظمة تابعة للأمم المتحدة، على موظف سمح لقيادي حوثي بالتنقل في مركبات تابعة للوكالة ما يقيه الضربات الجوية المحتملة من قبل قوات التحالف.
هذا الفساد يهدد شريان الحياة الدولي الذي يعتمد عليه غالبية سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، وفي العام الماضي قالت الأمم المتحدة إنَّ المانحين الدوليين تعهدوا بتقديم ملياري دولار إلى الجهود الإنسانية.
ويتركَّز تحقيق منظمة الصحة العالمية في عملياتها في اليمن على نيفيو زاجاريا، وهو طبيب إيطالي كان يشغل منصب رئيس مكتب المنظمة في صنعاء من 2016 حتى سبتمبر 2018، طبقاً لثلاثة أفراد لديهم معرفة مباشرة في التحقيق.
وجاء الإعلان الوحيد عن التحقيق في جملة مدفونة في 37 صفحة من التقرير السنوي للمدقق الداخلي لعام 2018 للأنشطة في جميع أنحاء العالم، فيما لم يذكر التقرير زاجاريا بالاسم.
ووجد التقرير الصادر في أول مايو الماضي، أنَّ الضوابط المالية والإدارية في مكتب اليمن كانت غير مرضية، وهو أدنى تصنيف لها، وأشار إلى وجود مخالفات في التوظيف وعقود تم إبرامها دون منافسة ونقص في الرقابة على المشتريات.
كما ذكر أربعة موظفين حاليين وسابقين أنَّ مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن تحت قيادة زاجاريا، يعج بالفساد والمحسوبية، وأنَّ زاجاريا استعان بموظفين مبتدئين، عملوا معه في الفلبين، ورقاهم إلى وظائف ذات رواتب مرتفعة رغم أنهم غير مؤهلين.
من بين هؤلاء، طالب جامعي فلبيني وآخر متدرب سابق حصلا على منصبين مرموقين، لكنّ دورهما الوحيد كان ينحصر في الاهتمام برعاية كلب زاجاريا.
كما أكّد مسؤول إغاثي سابق أنّ الموظفين غير المؤهلين الذين يتقاضون رواتب مرتفعة يقوضون نوعية العمل ومراقبة المشروعات، ويخلقون ثغرات كثيرة من أجل الفساد.
ووفقاً للوثائق الداخلية، تمّ الاتفاق مع شركات محلية لتقديم خدمات في مكتب عدن التابع لمنظمة الصحة العالمية تبيَّن أنّها تضم أصدقاء وأفراد عائلات موظفي منظمة الصحة العالمية وبتكلفة إضافية مقابل الخدمات.
وبموجب قواعد منظمة الصحة العالمية، يمكن تحويل أموال المساعدات مباشرة إلى حسابات الموظفين، وهو إجراء يهدف إلى تسريع شراء السلع والخدمات وسط الأزمة.
وتقول المنظمة إنَّ هذا الإجراء ضروري لمواصلة العمليات في المناطق النائية لأن القطاع المصرفي في اليمن لا يعمل بشكل كامل، ونظراً لأنَّه من المفترض أن تكون هذه العملية مقصورة على حالات الطوارئ، فليس هناك شرط بأن يتم تحديد الإنفاق على هذه التحويلات المباشرة فقد وافق زاجاريا على التحويل المباشر للأموال بقيمة إجماليها مليون دولار لبعض الموظفين، كما نصت الوثائق.
وتنظر "اليونيسف"، وهي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة تعمل في اليمن، في مزاعم ارتكاب موظفيها مخالفات في اليمن، وبحسب ثلاثة أشخاص على دراية بالتحقيق، يجري مراقبون في اليونيسف تحقيقاً مع خورام جاويد، مواطن باكستاني يشتبه في سماحه لمسؤول حوثي كبير باستخدام مركبة تابعة للوكالة، حيث منح ذلك الحوثي حماية رسمية من الغارات الجوية التي يشنها التحالف.
وتراجع اليونيسف تحركات سياراتها مع التحالف لضمان سلامتهم، وقد عبر المسؤولون عن مخاوفهم من إمكانية استهداف مركبات الوكالة في حال ظنت قوات التحالف أنها تستخدم لحماية المتمردين الحوثيين.
كان جاويد معروفاً بصلاته الوثيقة مع أجهزة الأمن التابعة للحوثيين. وقال زميل سابق له ومسؤول إغاثة إنه تفاخر باستخدام علاقته لمنع مراقبي اليونيسف من دخول البلاد، حتى أن المتمردين الحوثيين أقاموا لوحة كبيرة له في أحد شوارع صنعاء، لشكره على خدماته.
وارتكبت المليشيات الحوثية الكثير من جرائم سرقة المساعدات، تكشف عن الوجه الحقيقي للانقلابيين الذين تسبّبوا في أزمة إنسانية يشهدها اليمن، ولا مثيل لها على مستوى العالم.
وكانت مليشيا الحوثي قد أوقفت تحقيقاً داخلياً بعد أن توصّل إلى فساد عدد من قادتها ونهب المساعدات الإنسانية، حسبما كشفت مصادر حزبية في صنعاء، قائلةً إنَّ رئيس حكومة الانقلابيين (غير المعترف بها) عبد العزيز بن حبتور كان قد اتفق مع المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية ليز جراندي، على تشكيل لجنة للتحقيق في اتهامات سرقة المساعدات الغذائية.
إلا أنّ قيادياً رفيعاً في المليشيات سارع إلى وقف عمل اللجنة ومصادرة وثائقها بعد أن أثبتت تورط قادة حوثيين كبار في عمليات سرقة المساعدات الغذائية.
وسبق أن كشف سكانٌ في صنعاء عن استخدام المليشيات قاعات وفصولاً ومكاتب في عدد من المدارس والمؤسسات الحكومية مخازن لإخفاء المساعدات الغذائية، حيث تقوم المليشيات بإخفاء هذه المساعدات ثم تبيعها بشكل تدريجي في الأسواق.