القيم.. رافعتنا التاريخية للنهوض والوعاء الضامن لوحدة المجتمع!

كما هو معروف فإن القيم الإنسانية والوطنية على تعدد أشكالها ودرجاتها ومجالات فعلها وتأثيرها الضابط لإيقاع الحياة والعلاقات الحاكمة بين الناس، وجدت منذ وقت مبكر من تاريخ البشرية وقبل ظهور القانون وتشكُّل الدول في حياة المجتمعات، ومع ذلك بقت راسخة في حياة الناس وسلوكهم وتمثل لهم روادع وكوابح أخلاقية وقيمية متعددة الأبعاد تمنعهم عن القيام بفعل ما وتحثهم على القيام بأخر، وتجلت وتتجلى في أحد مظاهرها على هيئة ضوابط مجتمعية وعادات وتقاليد وأعراف قبلية والأخيرة، قد اندثرت في بلدان كثيرة بحكم تطورها وتقدمها وبقت فاعلة وبدرجات متفاوتة في بلدان كثيرة أخرى حتى اليوم.
ونكرر القول هنا: بأنهم قد دمروا منظومة القيم في الجنوب وكانت هدفاً رئيسياً لهم بعد حرب 94م العدوانية وجعلوا الناس تتسابق في ميدان البحث عن الذات التي لا ترى الحياة إلا من عين محفظة المال والحصول عليه وبأي شكل كان وخارج القانون أو باسمه، بعد أن سقطت قواعد السلوك المنضبط والمحكوم بالأخلاق والشرف والكرامة.
وعندما يفقد الناس قيمهم الرفيعة ولأسباب وعوامل متعددة وفي ظروف ومراحل مختلفة، وهو ما نعيشه واقعاً مؤلماً في مجتمعنا، تُفسد الأخلاق وتُصبح المُثل والمبادئ مجرد شعارات عند بعض الانتهازيين وعبدة المال وعشاق الشهرة والأضواء، وهم دوماً على استعداد لجعل المال والحصول عليه وبأي ثمن كان هدفاً مقدساً تسقط دونه كل الأهداف حتى وإن كان في ذلك إهدار لكرامتهم الشخصية أو على حساب عذاب ومعاناة الناس وموتهم جوعاً أو قتلاً!
سلوك سياسي كهذا يجعل الوطن والوطنية عند هؤلاء مجرد شعارات وعناوين خادعة ويافطات عريضة في سوق المكر والعهر السياسي، الأمر الذي تضيق معه مساحة التنوير ومعرفة الحقائق عند الناس ويخلط عندهم الأوراق ويجعلهم يفقدون التمييز بين الحق والباطل وبين الصدق والكذب، بل ويفتح ذلك الباب واسعاً للجهل والعصبيات بالانتعاش ويكشف عن أقبح ما فيها ويجعلها تمارس الفساد والإفساد وعلى نحو مدمر لروابط وقيم العمل وشرف وأمانة المسؤولية.
إن كل ذلك يستدعي بالضرورة من المجتمع و(نخبه) المختلفة القيام بخوض معركة حقيقية لاسترجاع قيمنا الإنسانية والوطنية فهي عماد هويتنا، وهي معركة نوعية وبأبعاد وطنية وتاريخية واجتماعية لا تقبل التأجيل، فبها وعبرها سنستعيد تدريجياً عافية مجتمعنا ونحصنه من هذا الانحدار القيمي المدمر لنسيج المجتمع ونستنهض الروح الوطنية المفعمة بقيم العدل والمحبة والإخاء والوفاء والتسامح ونبذ التعصب والكراهية بأنواعها..
غير أن أمثال هؤلاء وغيرهم كثيرون وإن تعددت صفاتهم ومواقعهم، فجميعهم ينسون أو يتناسون بأنه لا شيء يبقى ثابتاً على حاله، وبأن لشمس كل نهار غروب معلوم، وبأن شمس الحرية ستسطع غداً في سماء الجنوب، وشمس الشعوب لا تغيب أبداً وستملأ الأرجاء بنورها، وسيدخلون نفق التاريخ المظلم وهم يحملون الخزي والعار ولعنات الشعب، ولن تسعفهم الأموال المنهوبة ولا الثروات التي تكدست لديهم وبكل الطرق غير الشريفة وعلى حساب الحقوق الطبيعية والمشروعة للناس، بل وسرقوها من جيوبهم وانتزعوها من أفواههم وبطرق دنيئة، كالتحايل عن دفع المرتبات أو الخصم إن دفع جزءاً منها وحرمان المجتمع من الخدمات وبذرائع مفضوحة ومخزية، وهي شهادة دامغة عليهم وعلى مسلكهم المشين الذي لم نشهد له مثيلاً في تاريخنا ولن يفلتوا من العقاب المستحق عاجلاً أم آجلاً!

إن الحقائق والمعطيات والشواهد القائمة في الواقع وفي حياة الناس أكبر من أن يمحوها أو يشوش عليها الإعلام المضلل وبكل وسائله وأدواته القذرة، ولن تفلح كل كتائب النفاق والتلميع الهادفة لتزييف الحقائق أو الإساءة لكل من يرفع صوته عالياً في وجه الظلم والباطل وستبقى الحقائق نابضة في واقع الحياة.​