همس اليراع

إلى أين تتجه البوصلة؟ 4

بالعودة إلى الحديث عن الأحزاب السياسية اليمنية يمكن التأكيد أن الرهان على هذه الأحزاب المستَهلَكَة المعزولة جماهيرياً الفاشلة سياسياً المفلسة عملياً، الهاربة ليس فقط من مواجهة القوى الانقلابية بل ومن مواجهة جماهيرها ومن تدعي أنها تمثلهم، هذا الرهان إنما هو رهان خاسر لا يخدم أي مشروع وطني أو إقليمي، ويقود الأشقاء في التحالف إلى مزيد من المتاهات وإضاعة الوقت وتبديد الفرص وتنمية المخاطر وتتويه البوصلة التي ينبغي أن تتوجه السياسات باتجاهها.

* * *

كل ما أوردناه أعلاه يؤكده سير الأحداث منذ انطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015م في متاهة غير مأمونة المسالك ولا مضمونة النتائج، فالنجاج الوحيد الذي تحقق في مسار هذه العاصفة تحقق في الجنوب حيث نفوذ القوى التقليدية شبه غائب وحيث تدخل الأحزاب العتيقة والقوى الأيديولوجية شبه منعدم، وحيث ورثة نظام صالح لا وجود لهم وحيث الجماعات الإرهابية لا تنشط ولا تظهر إلى عندما تتلقى الإيعاز من موجهيها في صنعاء ومأرب ووادي وصحراء حضرموت والمهرة أما بقية الجبهات فإن مئات آلاف المقاتلين المقيدين في وزارة الدفاع "الشرعية" قد نسوا تاريخ آخر مرة استخدموا فيها بندقياتهم ضد الجماعة الانقلابية أو حتى ضد جماعات داعش والقاعدة.

وهكذا فإنه وبرغم مرور ما يقارب خمس سنواتٍ على إطلاق عاصفة الحزم فإن البوصلة لم تستقر بعد على اتجاه يمكن القول أنه هو الحاسم والحازم.

وتدور هذه الأيام تسريبات عديدة عن صفقة يجري طبخها على نار هادئة تشمل تسوية بين الشرعية والحوثيين بموافقة الأشقاء في التحالف وربما بدعم وتيسير عمانيين وأمريكيين، ويأتي ذلك متزامنا مع اتفاق تبادل أسرى بين الإخوان في الإصلاح وجماعة الحوثي شملت مجموعة من المتهمين بمحاولة تفجير جامع النهدين ومعظمهم من شباب الإصلاح المشاركين في الثورة الشبابية عام 2011م ، ولم يورد المسربون كثيراً من التفاصيل عن هذه الصفقة وماذا تتضمن من تنازلات متبادلة ويخشى كثيرون من الحريصين على تحقيق أهداف التحالف العربي أن تأتي منتجات هذه الصفقة لتجعل من الجماعة الحوثية فريقا نداً للتحالف العربي وتتحول صنعاء فعلاً إلى عاصمة رابعة تحت تصرف إيران ووكلائها.

هذا فضلا عن حوار جدة، الذي يبدو أنه انتقل إلى الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسود تكتمٌ شديدٌ حول مضامينه واتجاهاته , وإلى اين وصلت مساراته.

ويؤكد معظم الساسة الجنوبيين على إنه لا يمكن أن يفلح هذا الحوار أو غيره في إجبار الجنوب وأبنائه على القبول بمرجعيات لم يكونوا طرفا فيها، أو التنازل عما ضحى من أجله الآلاف من شهدائهم منذ العام 1994م وما قبلها أو التعايش مع من دمر دولتهم وقتل أبناءهم ونهب ثرواتهم وقضى على مستقبل شبابهم.

إذا ما أراد الأشقاء في التحالف العربي أن يبحثو عن اتجاه جديد لمسار البوصلة يمكن أن يؤدي إلى تحقيق نتائج مغايرة لما جرى على مدى خمس سنوات منذ الانقلاب في سبتمبر 2014م، فعليهم البحث في الطريقة التي سارت عليها عملياتهم والتكتيكات التي تعاملوا بها مع شركائهم في مواجهة المشروع الإيراني، ولماذا نجحوا في مكان ما وفشلوا في الأماكن الأكثر أهمية؟ ولماذا تحررت المناطق الأقل سكاناً على أيدي أهلها الأقل مهارةً في استخدام السلاح والأقل تدريبا قتاليا، والأضعف عدةً وعتاداً بينما فشلت المواجهة مع الانقلابيين حيثما يوجد أكثر من 10 ملايين مقاتل، معظمهم إن لم يكن كلهم ماهرون في القتال ومسلحون من نعومة أظافرهم؟ ولماذا صار مئات شركائهم المقيمون في ضيافتهم مليونيرات ومليارديرات، بينما يعلمون أن من حرروا مناطقهم لم ينهبوا دولارا أو درهما من مخصصات المجهود الحربي؟ وليجروا عملية جرد لحسابات الربح والخسارة، وتحديد مواقع وأسباب وعوامل الربح ومواقع وأسباب وعوامل الخسارة.

لا يبدو أن بوصلة الأحداث في اليمن تسير باتجاه محدد يختصر المسافات ويوفر الزمن ويقلل الخسائر ويصنع نتائج محمودة تخدم مشروع التحالف العربي، ويعود السبب في ذلك إلى الاعتماد على فرضيات لا حياة لها على أرض الواقع، ومعطيات مغشوشة ظاهرها الحق المبين وباطنها الباطل الزهوق، وشركاء أساؤوا استخدام الثقة وحولوا الشراكة إلى مشاريع استثمارية تدر عليهم المليارات، ما يولد لديهم المزيد من الرغبة في إطالة أمد الحرب، وكما قال أحد الظرفاء: أمثال هؤلاء حتى لو تطوع لهم الحوثي بتسليمهم الأسلحة والسلطة وكل مؤسسات الدولة والعاصمة صنعاء وكل المحافظات التي يسيطر عليها، وبلا حرب لرفضوا هذا العرض وأصروا على مواصلة الحرب التي لا يطلقون فيها رصاصة واحدة، وكل ما يفعلونه فيها هو استلام المخصصات المالية والعينية ليضيفوها إلى أرصدتهم المالية والمصرفية، والأسلحة والعتاد التي يبيعونها لعدوهم ليحارب بها صديقهم.
ولله الأمر من قبلُ ومن بعد.