قال ان الصراع على السلطة «عقدة» المشكلة اليمنية
الرئيس علي ناصر محمد : لــ الغد تقدمت بمبادرة من ثماني نقاط لحل الأزمة اليمنية
الاثنين 20 نوفمبر 2017 17:34:32
المشهد العربي / متابعات
* مؤشرات الاستقرار في اليمن تكاد تكون منعدمة.. وبؤر التوتر تتنامى
* هدفي الأول هو وقف الحرب ثم الدخول في حوار لحل كل المشاكل العالقة
* الوحدة اليمنية في عام 1990 قامت على اقتسام السلطة والثروة بين الطرفين ولم تقم على أسس سليمة
أكد الرئيس اليمني الأسبق، علي ناصر محمد، في حوار مطول مع قناة الغد، أن الاستقرار في اليمن بعيد المنال ما لم يوجد حل سياسي شامل للأزمة شمالا وجنوبا، وأنه أجرى اتصالات ومشاورات مع كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وتقدم بعدها بمبادرة من ثمان نقاط لحل الأزمة اليمنية.. موضحا أن هدفه الأول هو وقف الحرب ثم الدخول في حوار لحل كل المشاكل العالقة..
وكشف الرئيس اليمني الأسبق، عن تضاريس الواقع في اليمن، وبدايات الصراع والنزاعات، مؤكد أن الصراع على السلطة « عقدة» المشكلة اليمنية.. قائلا: أنا دعوت الرئيس صالح في العام 2005 إلى مغادرة المشهد مبكرا وقلت له بإن خسارة السلطة ليست نهاية الحياة كان ذلك عندما أعلن عدم ترشحه للرئاسة مجددا ولكنه عاد عن قراره إلى أن جاءت رياح التغيير بدءا من الحراك الجنوبي 2007 مرورا بثورة الشباب 2011 وصولا إلى الحرب الراهنة والقائمة منذ 2014 بدخول الحوثيين صنعاء وانطلاق عاصفة الحزم 2015 .
وعرض الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، حقائق كثيرة عن بدايات التحرك باتجاه الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب، ودوره بدوافع قومية عربية لاتمام الوحدة.. وصولا إلى الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال..والأسباب والأهداف على مسار الوحدة اليمنية.. " المشهد العربي " يعيد نشر نص الحوار :
ما هي رؤيتكم لمستقبل الأوضاع في اليمن .. في ظل أزمة تزداد اشتعالا وتعقيدا ؟!
** باختصار لا توجد مؤشرات استقرار بالمعنى التام.. هناك متغيرات يومية تؤثر على الواقع، وهذا يعني ان الاستقرار بعيد المنال ما لم يوجد حل سياسي شامل للأزمة في اليمن شمالا وجنوبا.. على الأقل في المدى المنظور.. ونحن ندعم مساعي الحل السياسي في اليمن..الحل من وجهة نظرنا هو حل سياسي شامل للأزمة وهذا ما تحدثنا عنه أكثر من مرة مع كافة الأطراف ومع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ وما يجري اليوم يذكرنا بحروب الملكيين والجمهوريين في الستينيات وفشل كل المساعي السلمية حينها بما في ذلك مؤتمر ( حرض 1965 ) بين الملكيين والجمهوريين والذي استمر لأكثر من أسبوعين وهم يناقشون جدول الأعمال، وانفض المؤتمر واتفقوا على ألا يتفقوا، لأن تجار الحروب كانوا لايريدون نهاية لهذه الحرب إلى أن حسم مصير الحرب الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل في مؤتمر الخرطوم عام 1967 بعد أن خسرت مصر رجالها والسعودية مالها واستقرارها.
أليست هناك مؤشرات تنبىء باقتراب حل الأزمة اليمنية.. أم أن موازين القوى لا تزال غائبة داخل ساحة المواجهة؟
** من يتابع ويرصد الأوضاع في اليمن، سواء من السياسيين أو المراقبين، أو حتى على مستوى الإعلام ،يقول بأن مؤشرات الاستقرار تكاد تكون منعدمة وأن بؤر التوتر تتنامى وهو عين ماحذرنا منه قبل اجتياح قوات «الحوثي ـ صالح» لعدن وبعدها. كما أن الجماعات المتطرفة استغلت ظروف الحرب واستفحلت..أما عن موازين القوى، على الأرض، فهي لا يحكمها البعد الجغرافي فقط، فما هو تحت سيطرة السلطة الشرعية لاشك أنه الأكبر جغرافيا.. ولا ننسى أن الجنوب مساحته أوسع من الشمال، وأن الشمال يتمتع بأكثرية سكانية .. العاصمة صنعاء ومدينة الحديدة بيد الحوثيين وأنصار صالح .. وتعز لاتزال محل نزاع وحرب ضروس وهي تمثل مساحة كبيرة من جهة وكثافة سكانية هي الأكبر بين المحافظات على الإطلاق..الأهمية ذاتها ليست ذات صلة بالحجم الجغرافي فهناك مأرب خرجت من سيطرة الحوثيين وتتشكل اليوم كإقليم مستقل وتحظى بالدعم الخارجي وتمتلك ثروة نفطية وموارد مختلفة، ولكنها في المقابل لا تبدو منسجمة مع عدن ن مع انهما يواليان الشرعية .. إنها مشكلة بنيوية عميقة، لأن ثمة شرخ يعبر عن حالة غير متوازنة تعيشها اليمن بسبب العديد من التراكمات التاريخية، والتدخلات الخارجية.
كيف انفجرت الأوضاع في اليمن..هل هناك أسباب متراكمة دفعت لاشتعال الأزمة الراهنة ؟
** الصراع على السلطة هو «عقدة» وأساس المشكلة اليمنية ..هذه الحقيقة التي كان آخرها محاولة علي صالح توريث و«تصفير العداد» كما كان يقال ، فضلا عن إقصائه للجنوب الذي كان دولة وشعبا ، والحروب التي نشبت خلال فترة حكمه وانقلبت وبالا عليه ، وهناك سباب أخرى مثل غياب الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة إضافة إلى الموقع الاستراتيجي لليمن.. وهناك أيضا تصفية حسابات بين مراكز القوى في السلطة وخارجها ، وقلت في حينها بأن دخول عدن والجنوب خط أحمر، وطالبت مرارا بوقف الحرب من حين إعلانها ومازلت أطالب بوقفها، فالبعض كان يعتقد أنها نزهة وستستمر لمدة شهر أو شهر ونصف على أبعد تقدير، بينما كنت أرى أنها ستستمر لسنوات وهذا ما يحدث الآن حيث دخلت عامها الثالث ومازالت مستمرة، ويمكننا الاستشهادج بما جرى في العام 1962 عندما أرسلت مصر قوات رمزية لدعم الثورة ورئيسها المشير السلال لفترة قصيرة لمواجهة أعداء الثورة والعودة إلى مصر، ولكنها استمرت لسبع سنوات ودفعت مصر قوات عسكرية بسبعين ألف وضحت بالآلاف من الشهداء والجرحى لأن تجار الحروب كانوا لايريدون نهاية لها ، وأنا في تحذيراتي كنت حريصا على الشعب في اليمن شماله وجنوبه أولا ثم المنطقة ثانيا ، فاالعنف لايولد إلا العنف، ولهذا نصحت بحكم معرفتي بالشأن اليمني وطبيعة الأوضاع فيها باللجوء إلى الحوار لحل المشاكل بدلا من اللجوء إلى السلاح أما آثار الحرب الحالية فهي شاهد للعيان تمثلت في الدمار للإنسان وممتلكاته وللبني التحتية التي تتطلب سنوات طويلة وموارد كبيرة لإعادة البناء وبناء الثقة بين المواطنين ولكن تجار الحروب لايريدوا نهاية لها محليا وإقليميا ودوليا .
تطالبون بالحل السياسي بعيدا عن الحل العسكري للأزمة اليمنية .. هل بادرتم بالتدخل لوضع حدا لاشتعال الموقف وإنقاذ اليمن من الدمار ؟
** لقد قمت بمقابلات ولقاءات كثيرة مع كل القوى اليمنية، لأن هدفي الأول هو وقف الحرب ثم الدخول في حوار لحل كل المشاكل العالقة، ولسوء الحظ هناك من وجد في الحرب فرصة لتصفية حسابات أو الاستفادة الشخصية المباشرة وبالتأكيد على حساب شعبنا في الشمال والجنوب.. كما التقيت بممثلي بعض دول التحالف العربي أكثر من مرة أخص بالذكر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وجمهورية مصر العربية وسلطنة عمان والأردن ولبنان وإيران ، كما التقيت بعدد من سفراء الدول الغربية وممثلين عن المؤسسات الأمريكية المؤثرة في القرار السياسي الرسمي . وممثلي الاتحاد الأوروبي وممثلين عن حكومة روسيا الاتحادية والأمين العام السابق واللاحق لجامعة الدول العربية وكذلك ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن ( جمال بنعمر وإسماعيل ولد الشيخ ) وكان ضمن أهداف اللقاءات هو وقف الحرب في اليمن.
وكيف يتحقق وقف الحرب في اليمن وحل الأزمة ؟
** لقد تقدمت بمبادرة أهم ماجاء فيها : العمل على وقف إطلاق النار بالتنسيق والتعاون مع الدول الإقليمية والأمم المتحدة .. وتشكيل مجلس رئاسي مؤقت حتى تجرى الانتخابات لاختيار قيادة جديدة ودستور جديد.. وتشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية.. وتجهيز قوة عسكرية وأمنية جنوبية من اللذين سرحوا من جيش الجنوب وغيرهم قوامها ( 20 ألف ) لتحل محل أنصار الله وأنصار صالح وتشكيل قيادة عسكرية وسياسية يتفق بشأنها مع الجهات المعنية في الجنوب.. وانسحاب أنصار الله وأنصار صالح من المدن الجنوبية.. والعمل على وجه السرعة في إيصال الإغاثة الإنسانية لمختلف المحافظات .. والعمل على إعادة النازحين إلى قراهم ومدنهم بأسرع وقت.. والتواصل مع كافة القوى السياسية اليمنية والإقليمية والدولية للعودة إلى الحوار اليمني ـ اليمني في المكان والزمان المتفق عليه بين كافة الأطراف ، والتأكيد على قيام دولة اتحادية بإقليمين بحدود 21 مايو 1990 لفترة مزمّنة .. وتشكيل لجنة «تنسيق ومتابعة» من الأطراف الموقعة على هذا الاتفاق للإشراف على تنفيذ بنوده والتشاور بشأن أي مستجدات لاحقة.
هل تواصلتم مع الأطراف والقوى اليمنية لحقن الدماء ووقف الحرب ؟
** التقيت مع أنصار الله في سلطنة عمان في العام 2015 ، والتقيت بمعظم القوى والقيادات السياسية في اليمن شمالا وجنوبا، ولعل أكثر اللقاءات بهم تمت في مدينة القاهرة، وكانت لقاءاتي معهم معلنة ، منهم وفد حزب المؤتمر، وفد حزب اليمن للإصلاح، الجزب الاشتراكي اليمني، الحزب الناصري، والتجمع الوحدوي اليمني، وشخصيات وأعيان يمنية، وحزب رابطة أبناء الجنوب العربي الحر، والحراك السلمي الجنوبي بقيادة كل من السيدين البيض وباعوم في بيروت، وقيادة مؤتمر شعب الجنوب، كان هدفي الأساسي والرئيسي هو إيقاف الحرب وحقن دماء أبناء شعبنا وإجراء الحوار لتثبيت حل سلمي يؤدي إلى تشكيل مجلس رئاسة وحكومة وطنية وبناء مؤسسات الدولة بعد تسليم الأسلحة من كافة الأطراف إلى وزارة الدفاع الوطنية فالبلد بحاجة إلى رئيس واحد وحكومة واحدة ،كما أكدت على حل القضية الجنوبية حلا عادلا بقيام دولة اتحادية بإقليمين شمالا وجنوبا .
وما هو دور إيران في اشتعال الموقف وعدم الاستقرار في اليمن ؟
** إيران مثلها مثل اللاعبين الآخرين في المنطقة، واليمن جزء من هذه المنطقة، لاسيما وأنها لصيقة جغرافيا وتاريخيا وسياسيا بغريمتها المملكة العربية السعودية .. إيران تبدو مستفيدة من الصراع في اليمن أكثر منها متورطة، فلا نرى لها في الأرقام ( الخسائر العسكرية والمدنية والإنسانية والمالية ) أي حضور.. نراها متورطة إعلاميا مع تقديم دعم معنوي وخبرات واستشارات في الأساس وهذا يعني أنها مستفيدة، إنها لعبة الأمم البسيطة والمركبة، لاسيما حينما يكون اللاعبون المحليون لايرون أيعد من أنوفهم .. فمثلا كانت المناورات التي أجراها الحوثيون على الحدود السعودية خطأ كبيرا يتماهى مع اللعبة.. وللعلم فقد نصحت أنصار الله «الحوثيين» مبكرا بتشكيل حزب سياسي.. وعندما سيطروا على السلطة نصحتهم بعدم الاقتراب من أربع محظورات وهي : عدم الاقتراب من الحدود مع السعودية.. عدم الاقتراب من عدن والجنوب.. عدم الاقتراب من باب المندب وطريق الملاحة الدولية.. وعدم المساس بشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.. ولم يستفيدوا من النصائح الأربع، ويحصدون نتائج إصرارهم على ذلك.
لماذا يحيط الغموض بفكر «الحوثيين».. وأهدافهم ؟
** لقد نصحتهم بتشكيل حزب سياسي.. كان الأفضل أن يشكلوا حزبا سياسيا ليكون منصة لظهورهم كأفكار ومعتقدات ويحاكمها الناس، ولكنه كمشروع أظهر الكثير من علامات كونه خليطا بمعنى أنه يتكئ على الأيدلوجي لنيل السياسي، وأنه ربما يخشى الدولة التي عنفته ويريد أن يلوي عنقها كثأر تاريخي .
لماذا نرى حلم الوحدة العربية معرضا للإنكسار والانفصال.. وأقصد هنا الوحدة اليمنية (شمالا وجنوبا) ؟!
** حلم الوحدة العربية باق ولن يموت.. وحين نتكلم عن الوحدة اليمنية، فإننا في فترة النضال السياسي والمد القومي آمنا بأن الوحدة العربية هي السد المانع ضد وصول الأعداء وتحقيق أطماعهم.. وتضمن ميثاق الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن عام 1965، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فيما بعد، النضال من أجل تحقيق الوحدة اليمنية على طريق الوحدة العربية.. ولكن الطريق إلى الوحدة لم تكن معبدة بالورود بل شهدت خلافات في داخل الدولة نفسها وصراعات مسلحة على حدود الدولتين اليمن الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية في الأعوام 1972 و1979 وحروب المنطقة الوسطى 1972 ـ 1982 أبرمت على أثرها اتفاقية الوحدة في عام 1972 ثم بيان طرابلس ـ ليبيا ومباحثات الكويت الشهيرة خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي ..وفي العام 1981 أنجزنا دستور دولة الوحدة وتشكيل المجلس اليمني الأعلى وتأسيس المشاريع المشتركة في جميع المجالات، وأقرينا بعض مناهج التعليم المشتركة كالجغرافيا والتاريخ التي بدأت في فترة الرئيسين سالم ربيع وإبراهيم الحمدي.. وأتذكر أن وزيري التربية والتعليم في عدن وصنعاء اختلفا حينها على «الأسود العنسي»، هل هو «ثائر أم مرتد»، وتأجل الشروع في تدريس المناهج لأكثر من عام، وعندما علمت بهذا الموضوع طلبت منهما أن يتركا الأسود العنسي في قبره بعد 1400 سنة من وفاته، ويشطب من المناهج، وأن يبدأوا في تدريس بقية المناهج.. وكان موضوع الخلاف الثاني أن يكتب بعد إسم الرسول محمد «صلعم» أو «صلى الله عليه وسلم » وقلت لهم أن يكتب «صلى الله عليه وسلم »ن وهو نفس المعنى..وتمت هذه الخطوات المتدرجة على طريق الوحدة، وكنا متفقين بأن الوحدة لو تمت يجب أن تتم عبر استفتاء شعبي وفقا لدستور الوحدة، وهو مالم يتم.
وأضاف الرئيس اليمني الأسبق، علي ناصر محمد: اتهمت في حينها بأنني فرطت في الثورة اليمنية، والجبهة الوطنية، كما فرطت بالأسود العنسي وثورة عمان، لأنني كنت أطالب بالاحتكام للحوار لتحقيق الوحدة بدلا من الحروب التي جربناها ، بينما دخلت القيادة التي تولت السلطة في الجنوب بعد 1986 الوحدة بطريقة اندماجية مخالفة للدستور وبدون إجراء استفتاء من قبل الشعب على الوحدة، وكان المفروض أن يوقع الرئيس حيدر العطاس وفقا للدستور وليس الأمين العام للحزب، ومع الأسف أنها تمت في ظل انقسام في داخل الشمال وداخل الجنوب، إذ صيغت وثيقة الوحدة من صفحة ونصف بعد جلسة «قات» في حقات، في حين أن عدد صفحات وثيقة الوحدة الألمانية وصل إلى أكثر من ألف صفحة.
هل تقصدون أن الوحدة اليمنية افتقدت منذ البداية للأساس السليم، ولم تقم على قاعدة صلبة؟
** الوحدة في عام 1990 قامت على اقتسام السلطة والثروة بين الطرفين، ولم تقم على أسس سليمة، وكان الطرفان غير صادقين، فقد كانت صنعاء عينها على الثروة وليس على الوحدة، وكان الجنوب عينه على صنعاء والدخول إليها من بوابة الوحدة والجبهة الوطنية، وحكم اليمن على أساس برنامج الحزب الاشتراكي اليمني، وبسبب هذا الوهم والنوايا المبيتة فقد دب الخلاف بين القيادات السياسية في الشمال والجنوب التي وقعت على الوحدة عام 1990 وجرى الحوار بين الحزبين شاركت فيه كل القوى السياسية في اليمن شمالا وجنوبا تمخض عنه وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في عمان عام 1994 من قبل كافة القوى السياسية وبمباركة إقليمية ودولية ، وقد شاركت في هذا اللقاء انطلاقا من حرصنا على إبعاد شبح الحرب والعودة إلى لغة الحوار وتنفيذ وثيقة العهد والاتفاق، ولكن مع الأسف أن هذه الاتفاقيات التي وقعت في 1972 و1994 تتم في وقت التوتر والحروب وآخرها حرب 1994 التي أدت إلى شرخ عميق في جسم الوحدة الوطنية واليمنية، فقد سرح الآلاف من أعمالهم، وهرب معظم السياسيين، وسجن من سجن، وقتل من قتل، ونهب من نهب، وأصبح معظم الجنوبيين من ذوي المؤهلات والكفاءات في كافة الاختصاصات المدنية والعسكرية والأمنية بدون عمل، واتبعت تجاههم آنذاك سياسة ما سمى بـ «خليك بالبيت»، وقلت حينها إن المنتصر في هذه الحرب مهزوم وهذا ما حدث.
ما هو دور «الحراك الجنوبي» في مواجهة النظام والدعوة للإنفصال ؟
الحراك الجنوبي السلمي الذي انطلق بعد إعلان مبدأ التصالح والتسامح في العام 2006 من جمعية أبناء ردفان، وتشكيل المكونات العسكرية والمدنية للحراك للمطالبة بإسقاط النظام ، بعد أن تم رفض كل مطالبهم الحقوقية، وارتفع صوت الحراك في الجنوب، وشباب التغيير في صنعاء لاحقا، ووصل صداه وتأثيره في داخل الشمال والجنوب وعلى المستويين الإقليمي والدولي ، وكان دوره فاعلا ومؤثرا في غياب القيادات السياسية.. وفي ذروة الحراك الجماهيري ركبت القيادات السياسية موجة هذه الثورة لتحرفها عن مسارها في عملية التغيير واحتوائها لصالحها، وقد طالبت حينها الحراك بالحفاظ على وحدته، وقلت إن قوته تكمن في وحدته، وضعفه يكمن في تمزقه وخلافاته بعدما بدأت بعض المؤشرات والانقسامات والزعامات تظهر وتهدد هذه الظاهرة الحضارية السلمية التي سبقت ثورات الربيع العربي، ومن أجل ذلك أجرينا اتصالات مع كافة قيادات الحراك في الداخل والخارج لحضور المؤتمر الجنوبي الأول الذي انعقد في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 في القاهرة ، أو ما أصبح معروفا بـ «مؤتمر القاهرة »، وعلى أثره تبنى المشاركون مقررات أهمها قيام دولة اتحادية من إقليمين أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب ولفترة مزمّنة ( خمس سنوات ) يحق للجنوبيين بعدها وفقا للمواثيق الدولية أن يجروا استفتاءا عاما تؤدي نتائجه إما بالاستمرار في الفيدرالية أو الدخول في وحدة متكاملة أو العودة إلى دولته السابقة. وعليه فإن الحوار كان وسيبقى المدخل الحقيقي لحل القضية الجنوبية والتي لانزال نتمسك نحن بمخرجات مؤتمر القاهرة 2011 بدولة اتحادية من إقليمين بحدود العام 1990 لفترة مزمّنة يتفق بشأنها مع كافة الأطراف.
من الواضح أن توصيات «مؤتمر القاهرة» لم تتحقق.. هل تصدّت قيادات من الجنوب للتوافق الذي تم في القاهرة.. ولماذا؟
** مع الأسف بعض تلك القيادات ممن اعتقدت بأنها ستحقق فك الارتباط بين كل مليونية ومليونية، رفضت المشاركة في مؤتمر القاهرة، بينما أكدت لهم حينها أنهم سيكونون على رأس المؤتمر وسيتم انتخابهم على رأس القيادة الجديدة التي ستتمخض عن نتائج هذا المؤتمر، لأن الحراك كان بحاجة إلى رؤية ومرجعية سياسية، ولكن بعضهم أكد ليّ أن الخمس سنوات فترة طويلة ويجب أن نرفع العلم في عدن قبل نهاية العام 2011 ، وأنني سأكون على رأس القيادة والدولة الجديدة إذا وقفت معهم، وكان حاضرا معنا أحد الشخصيات السياسية من صنعاء، والذي كان متعاطفا مع الجنوب والحراك، وقيل أنه سيتم منحه سكنا في معاشيق أو البريقة تقديرا لموقفه إلى جانب القضية الجنوبية.. ولكنني أصبت بصدمة من هذا الكلام الغير واقعي، وقلت إن الطريق إلى عدن والوصول إلى دولة الجنوب لن يتحقق بهذه التمنيات، وانفض اللقاء ولكن الاتصالات لم تنقطع بيننا .. مر على هذا الحديث سبع سنوات جرت خلالها أحداث في صنعاء وعدن أدت إلى إسقاط النظام في صنعاء والإعلان عن المبادرة الخليجية والتي تمت بموجبها انتخابات رئاسية جديدة بمرشح واحد وشكلت حكومة جديدة وأعلن عن جرعة جديدة لرفع أسعار المشتقات النفطية وارتفعت المطالب بإسقاط الجرعة وإسقاط الحكومة .. ثم تداعت أحداث تصفية حسابات بين مراكز القوى في السلطة وخارجها.
ولسوء الحظ لا زال التوتر مستمر في صنعاء وعدن، والشعب يعاني من الحرب وآثارها التي ألحقت أضرارا بالمدن والقرى وبحياة المواطنين الأبرياء، ومؤخرا تابعنا الجنان والسباق على الميدان والقصر الجمهوري في صنعاء من قبل أنصار الله وأنصار صالح، والشعب ينشد الأمن والعيش والاستقرار والمرتبات، وفي عدن يجري السباق على من يسكن بيت المحافظ ومكتبه ويحكم ويتحكم في قلعة معاشيق ( المنطقة الخضراء)، والشعب يئن تحت هذه القلعة من انقطاع الماء والكهرباء والمرتبات وانتشار الوباء والكوليرا !!